من القضايا التي أثيرت في التراث الإسلامي مسألة دعاء الأنبياء وطلبهم من الله تعالى ما قد يُفهم منه على ظاهره الشح أو الحرص أو الجهل، كما في دعاء سليمان عليه السلام: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [ص: 35]. فقد يتوهم البعض أن في طلبه هذا رغبة في الاستئثار أو منع الخير عن غيره.
إلا أن علماء الإسلام، وفي مقدمتهم الشريف المرتضى في كتابه تنزيه الأنبياء، بيّنوا أن الأنبياء لا يسألون إلا بإذن الله تعالى، وأن سؤالهم لا ينطلق من هوى أو رغبة دنيوية، بل من حكمة إلهية يُراد بها بيان المعجزة أو إقامة الحجة أو إظهار الكرامة. فدعاء سليمان إنما كان بإذن الله، والمراد منه ملك خاص لا يتكرر في صورته وهيئته، لا أنه منع غيره من الفضل الإلهي.
ومثل ذلك ما ورد عن موسى عليه السلام حين سأل ربه الرؤية، فجاءه الجواب بأن الله لا يُرى في الدنيا، وهو ما فسره ابن عباس رضي الله عنه بقوله: تبت إليك من أن أسألك الرؤية وأنا أول المؤمنين بأنك لا تُرى. وهنا يبرز جانب عظيم من عقيدة التنزيه، إذ يثبت أن سؤال الأنبياء هو في إطار الإمكان العقلي والمباح الشرعي، لكنه لا يخرج عن حدود الإذن الإلهي. فإذا بدا للسامع أن السؤال غير لائق، فالحقيقة أنه إمّا لإقامة الدليل على استحالة الأمر أمام الخلق، أو لإظهار مقام النبي في التسليم والانقياد بعد البيان
(مسألة):
فإن قيل فما معنى قول سليمان عليه السلام: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾.
أو ليس ظاهر هذا القول منه (ع) يقتضي الشح والظن والمنافة لأنه لم يقنع بمسألة الملك حتى أضاف إلى ذلك أن يمنع غيره منه؟
(الجواب) قلنا:
قد ثبت أن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون إلا ما يؤذن لهم في مسألته، لا سيما إذا كانت المسألة ظاهرة يعرفها قومهم...
تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى ص139
إذا موسى عليه السلام سأل عن شيء بإذن من الله وهذا دليل الإمكانية منه ولكنه ليس في الدنيا:
22- حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال:
حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن أحمد ابن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي الصالح، عن عبد الله بن عباس في قوله عز وجل: ﴿فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين﴾ قال: يقول: ﴿سبحانك تبت إليك﴾ من أن أسألك الرؤية ﴿وأنا أول المؤمنين﴾ بأنك لا ترى.
التوحيد للصدوق ص118 باب ما جاء في الرؤية