يُعَدّ الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، الملقب بـ ذو النورين، من أقرب الصحابة إلى رسول الله ﷺ نسبًا وصهرًا، فقد جمع بين شرف القرابة والزواج من ابنتي النبي الكريم. ورغم ما يحاول بعض المغرضين ترويجه من وجود خلاف أو قطيعة بين عثمان وأهل البيت، فإن المصادر الموثوقة من كتب التاريخ والأنساب تبرز بجلاء عمق العلاقة التي جمعت بين الخليفة الراشد وأبناء بيت النبوة، علاقة قامت على المحبة والتقدير المتبادل، والمشاركة في الجهاد، والمصاهرة، بل حتى الدفاع عنه في أيام الحصار. هذا المقال يلقي الضوء على أبرز شواهد تلك العلاقة من كتب الفريقين، ليبين حقيقة المودة والروابط المتينة بين عثمان وأهل البيت رضي الله عنهم جميعًا.

موقف الشيعة من الخلفاء الراشدين الثلاثة:

وأما الشيعة الذين يتزعمون حب أهل البيت وولاءهم، وينسبون مذهبهم إليهم، ويدّعون اتباعهم واقتدائهم، فإنهم عكس ذلك تماماً، يخالفون الصديق والفاروق وذا النورين ويبغضونهم أشد البغض، ويعاندونهم، ويسبونهم، ويشتمونهم، بل ويفسقونهم ويكفرونهم، ويعدون هذه الأسباب والشتيمة واللعان من أقرب القربات إلى الله، ومن أعظم الثواب والأجر لديه، فلا يخلو كتاب من كتبهم ولا رسالة من رسائلهم إلا وهى مليئة من الشتائم والمطاعن في أخلص المخلصين لرسول الله فداه أبواي وروحي، وأحسن الناس طراً، وأتقاهم لله، وأحبهم إليه، حملة شريعته، ومبلغي ناموسه ورسالته، ونوّاب نبيه المختار وتلامذته الأبرار، وهداة أمته الأخيار، عليهم رضوان الله الستار الغفار جلّ جلاله وعمّ نواله.

فروى الملا محمد كاظم في كتابه:

(عن أبي حمزة الثمالي - وهو يكذب على زين العابدين - قال - من لعن الجبت (أي الصديق) والطاغوت (أي الفاروق) لعنة واحدة كتب الله له سبعين ألف ألف حسنة، ومحى عنه ألف ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف ألف درجة، ومن أمسى يلعنهما لعنة واحدة كتب مثل ذلك، قال مولانا علي بن الحسين: فدخلت على مولانا أبي جعفر محمد الباقر، فقلت: يا مولاي حديث سمعته من أبيك؟ قال: هات يا ثمالي، فأعدت عليه الحديث قال: نعم يا ثمالي! أتحب أن أزيدك؟ فقلت: بلى يا مولاي، فقال: من لعنهما لعنة واحدة في كل غداة لم يكتب عليه ذنب في ذلك اليوم حتى يمسي، ومن أمسى لعنهما لعنة واحدة لم يكتب عليه ذنب في ليلة حتى يصبح، قال: فمضى أبو جعفر، فدخلت على مولانا الصادق،

 فقلت: حديث سمعته من أبيك وجدك؟ فقال: هات يا أبا حمزة! فأعدت عليه الحديث، فقال حقاً يا أبا حمزة، ثم قال عليه السلام: ويرفع ألف ألف درجة، ثم قال: إن الله واسع كريم)

[(أجمع الفضائح) للملا كاظم، و(ضياء الصالحين) ص513].

ثم وهم يؤمرون على أن يعملوا بذلك: (ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما)

[(رجال الكشي) ص180].

فلا يوجد شتيمة إلا وهم يطلقونها على هؤلاء الأخيار البررة.

فها هو عياشيهم يكتب في تفسيره في سورة البراءة عن أبي حمزة الثمالي أنه قال: قلت (للإمام): ومن أعداء الله؟ قال: الأوثان الأربعة، قال: قلت: من هم؟ قال: أبو الفصيل ورمع ونعثل ومعاوية، ومن دان بدينهم، فمن عادى هؤلاء فقد عادى أعداء الله)

[(تفسير العياشي) ج2 ص116، أيضاً (بحار الأنوار) للمجلسي ج7 ص37].

ثم فسّر المعلق على هذه المصطلحات الثلاثة حاكياً عن الجزري أنه قال:

كانوا يكنون بأبي الفيصل عن أبي بكر لقرب البكر بالفصيل ويعني بالبكر، الفتى من الإبل.

 والفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن أمه، وفي كلام بعض أنه كان يرعى الفصيل في بعض الأزمنة فكني بأبي الفصيل، وقال بعض أهل اللغة: أبو بكر بن أبي قحافة ولد عام الفيل بثلاث سنين، وكان اسمه عبد العزى - اسم صنم - وكنيته في الجاهلية أبو الفصيل، فإذا أسلم سمي عبد الله وكني بأبي بكر - وأما كلمة رمع فهي مقلوبة من عمر، وفى الحديث أول من رد شهادة المملوك رمع، وأول من أعال الفرائض رمع.

وأما نعثل: فهو اسم رجل كان طويل اللحية قال الجوهر: وكان عثمان إذا نيل منه وعيب شبه بذلك)

[(تفسير العياشي) ج2 ص116 ط طهران].

انظر إلى هؤلاء القوم لا يستحيون من إطلاق لفظه الأوثان على هؤلاء الأخيار الأبرار.

وهل لسائل أن يسأل أين هذا من قول محمد الباقر - الإمام الخامس المعصوم عندهم - في جواب سائل سأله هل ظلماكم من حقكم شيئاً؟

قال: لا والذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً ما ظلمنا من حقنا مثقال حبة من خردل) [(شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد.

ثم ولماذا أعطى علي رضي الله عنه ابنته لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه من ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه إن كان كافراً؟ وثم لماذا مدحه عليّ وأهل البيت وغيرهم، ولماذا دافع عنه هو وأبناءه، وجرح أحدهما وهو الإمام المعصوم لدى القوم أيضاً؟ فهل من مجيب؟

هذا وإن كان عثمان كافراً فلماذا يمنع علي رضي الله عنه ابن أخيه من تزويج ابنته من ابن عثمان أبان، ولماذا لم تمتنع سكينة بنت الحسن من زواجها من حفيده زيد وغير ذلك، ولماذا سمّي عليّ ابنه باسمه؟.

ويمشي العياشي في غلوائه وبغضه للخلفاء الراشدين، فيخرع الخرافات والأكاذيب والقصص ويقول:

فلما قبض نبي الله صلى الله عليه وسلم كان الذي كان لما قد قضى من الاختلاف، وعمد عمر فبايع أبا بكر ولم يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد، فلما رأى ذلك علي عليه السلام ورأى الناس قد بايعوا أبا بكر خشي أن يفتتن الناس ففرغ إلى كتاب الله وأخذ يجمعه في مصحف، فأرسل أبو بكر إليه أن تعال فبايع، فقال علي: لا أخرج حتى أجمع القرآن، فأرسل إليه مرة أخرى فقال: لا أخرج حتى أفرغ، فأرسل إليه الثالثة ابن عم له يقال قنفذ، فقامت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها تحول بينه وبين عليّ عليه السلام فضربها فانطلق قنفذ وليس معه علي، فخشي أن يجمع عليّ الناس فأمر بحطب فجعل حوالي بيته، ثم انطلق عمر بنار فأراد أن يحرق على عليّ بيته وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فلما رأى علي ذلك خرج فبايع كارهاً غير طائع)

[(تفسير العياشي) ج2 ص307، 308، أيضاً (البحار) ج8 ص47].