مقدمة: 

بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه، بايعه المهاجرون والأنصار وغيرهم من أصحاب النبي بالخلافة إجماعًا، مؤكدين حقه في الإمامة وولايته من الله. كان علي رضي الله عنه يرى أن بيعته من الله رضى، وأن من رفضها خرج عن سبيل المسلمين. ساهمت بيعة علي في إنهاء الفوضى وتوحيد الصف الإسلامي رغم بعض الخلافات مع معاوية وأهل الشام، وكانت البيعة معلنة ومستندة إلى مشورة أهل الحل والعقد.

مبايعة علي للخلافة:

وكان علي يرى صحة إمامته وخلافته لاجتماع المهاجرين والأنصار عليه، وكان يعد خلافته من الله رضى، ولم يكن لأحد الخيار أن يرد بيعته بعد ذلك، أو ينكر إمامته حاضراً كان أم غائباً كما قال في إحدى خطاباته رداً على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى)

[(نهج البلاغة) ص368 تحقيق صبحي].

وكان هو أحد الستة الذين عينهم الفاروق ليختار منهم خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، ولما بايعه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بعد ما استشار أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار، ورأى بأنهم لا يريدون غير عثمان بن عفان رضي الله عنه بايعه أول من بايعه، ثم تبعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

(فأول من بايع عثمان عبد الرحمن بن عوف ثم علي بن أبي طالب)

[(طبقات ابن سعد) ج3 ص42 ط ليدن، أيضاً (البخاري) باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان].

ويذكر ذلك على المرتضى رضي الله عنه بقوله:

 

لما قتل (يعني الفاروق) جعلني سادس ستة، فدخلت حيث أدخلني، وكرهت أن أفرق جماعة المسلمين وأشق عصاهم فبايعتم عثمان فبايعته)

[(الأمالي) للطوسي ج2 الجزء18 ص121 ط نجف].

وقال: لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا على خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله(

[(نهج البلاغة) تحقيق صبحي صالح ص102].

وكتب تحته ابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي في شرحه أن عبد الرحمن بن عوف قال لعلي:

بايع إذاً وإلا كنت متبعاً غير سبيل المؤمنين ….. فقال: لقد علمتم أني أحق بها من غيري ….. ثم مد يده فبايع)

[ابن أبي الحديد، أيضاً (ناسخ التواريخ) ج2 كتاب 2 ص449 ط إيران].

وكان من المخلصين الأوفياء له، مناصحاً:

مستشاراً، أو قاضياً كما كان في خلافة الصديق والفاروق، ولقد بوب محدثو الشيعة ومؤرخوها أبواباً مستقلة ذكروا فيها أقضيته في خلافة ذي النورين رضي الله عنهم أجمعين.

ولقد ذكر المفيد في (الإرشاد) تحت عنوان (قضايا علي في زمن إمارة عثمان) ذكر فيها عدة قضايا حكم بها علي ونفذها عثمان رضي الله عنه فيقول:

إن امرأة نكحها شيخ كبير فحملت، فزعم الشيخ أنه لم يصل إليها وأنكر حملها، فالتبس الأمر على عثمان، وسأل المرأة هل افتضك الشيخ؟ وكانت بكراً قالت: لا، فقال عثمان: أقيموا عليها الحد، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: إن للمرأة سمين سم للمحيض وسم للبول، فلعل الشيخ كان ينال منها فسال ماؤه في سم المحيض، فحملت منه، فاسأل الرجل عن ذلك؟ فسئل، فقال: قد كنت أنزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالافتضاض فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الحمل له والولد ولده، ورأى عقوبته على الإنكار فصار عثمان إلى قضائه بذلك وتعجب منه(

[(الإرشاد) ص122، 113 ط مكتبة بصيرتي قم، إيران].

وأيضا (إن رجلاً كانت له سرية فأولدها ثم اعتزلها وأنكحها عبداً له ثم توفي السيد فعتقت بملك ابنها لها وورث ولدها زوجها، ثم توفي الابن فورثت من ولدها زوجها فارتفعا إلى عثمان يختصمان تقول: هذا عبدي ويقول: هي امرأتي، ولست مفرجاً عنها، فقال عثمان: هذه مشكلة وأمير المؤمنين حاضر فقال عليه السلام: سلوها هل جامعها بعد ميراثها له؟ فقالت: لا، فقال: لو أعلم أنه فعل ذلك لعذبته، اذهبي فإنه عبدك، ليس له عليك سبيل، إن شئت أن تسترقيه أو تعتقيه أو تبيعه فذلك لك)

[(الإرشاد) ص113].

وروى الكليني في صحيحه عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال:

إن الوليد بن عقبة حين شهد عليه بشرب الخمر قال عثمان لعلي عليه السلام: اقض بينه وبين هؤلاء الذين زعموا أنه شرب الخمر فأمر علي عليه السلام فجلد بسوط له شعبتان أربعين جلدة)

[(الكافي في الفروع) ج7 ص215 باب ما يجب فيه الحد من الشراب].

وقد ذكر اليعقوبي (إن الوليد لما قدم على عثمان، قال: من يضربه؟ فاحجم الناس لقرابته وكان أخا عثمان لأمه، فقام عليّ فضربه(

[(تاريخ اليعقوبي) الشيعي 3ج2 ص165].

ولا يكون هذا الفعل والعمل إلا ممن يقرّ ويصحّح خلافة الخليفة، ويتمثّل أوامر الأمير، ويشارك الحاكم في حكمه، وكان علي بن أبي طالب وأولاده، وبنو هاشم معه، يطاوعون الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

ويدل على ذلك قول علي رضي الله عنه لما أراده الناس على البيعة بعد شهادة الإمام المظلوم ذي النورين رضي الله عنه، المنقول في أقدس كتب القوم (دعوني والتمسوا غيري … وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم(

[(نهج البلاغة) تحقيق صبحي صالح ص136].