استدلال الشيعة برواية الغدير:
كثيرًا ما يستدل الشيعة برواية الغدير وغيرها للطعن في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وزعموا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يرى ولايتهم إحداثًا في الدين، وأنه لم يبايعهم إلا تقية وخوفًا. غير أن النصوص الثابتة من أقواله وأفعاله تكذب ذلك، فقد شهد لهم بالخير والعدل، وأوصى عثمان باتباع سنة صاحبيه، وأكد أنه لم يكن نزاعه على الملك والسلطان، بل كان قصده الإصلاح وإقامة الحق. كما نقلت كتب القوم أنفسهم مواقف علي وأهل البيت في الثناء على الشيخين وذي النورين، مما يهدم دعاوى الغلو والتحريف. فلو كان في الأمر اغتصاب لحقه كما يزعمون، لكان أول من قاتلهم وهو القائل: "والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها". لكن الواقع أنه رضي الله عنه لم ير في ولايتهم إلا خيرًا، كما ورد في كتب الشيعة قبل كتب أهل السنة.
لم يفهم امير المؤمنين علي بن ابي طالب من رواية الغدير ولا غير الغدير أن ولاية من سبقوه إحداث في الدين، وهو يتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم وإخباره له بما يلقى بعده، فقال: فعلام أقاتلهم؟ قال: على الإحداث في الدين. أمالي الطوسي: (513)، البحار: (28/48)، إثبات الهداة: (1/300)، نور الثقلين: (5/69)، وانظر روايات أخرى في عدم إحداث أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم في الدين: البحار: (32/243، 297، 299، 303، 308).
من مقالات السقيفة: |
معنى الركوع في القرآن بين الخضوع والعبادة الامامة والائمة والعصمة والمهدي |
فهل قاتل الامام علي أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، أم التزم التقية خوفاً كما يزعم الشيعة، وهو القائل: والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها، أم قال عن ولايتهم كما روى القوم: فلم أر بحمد الله إلا خيرا. المناقب: (1/323)، البحار: (28/67) (41/5).
هل فهم رضي الله عنه من رواية الغدير وغير الغدير ما فهمه القوم وهو يقول: اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك..
إلى أن قال: وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة. نهج البلاغة: (241)، من كلام له يبين سبب طلبه الحكم ويصف الإمام الحق يقول هذا عندما اضطربت الأمور في عهده، ولم يقله في الشيخين أو ذي النورين رضي الله عنهم، إنما قال فيهما ما قال من حسن السيرة، والعدل في الأمة، والخير الذي رآه في ولايتهم.
ويذكرني هذا بروايتهم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه الذي يروي فيه الرضا، عن آبائه، عن علي رضي الله عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيه: أبوذر صديق هذه الأمة. عيون الأخبار: (2/70)، البحار: (22/405).
هو يقول لعثمان رضي الله عنه: اتبع سنة صاحبيك، لا يكن لأحدٍ عليك كلام. البحار: (22/419).
وفي رواية: ويحك يا عثمان! أما رأيت رسول الله ورأيت أبا بكر وعمر، هل هديك كهديهم؟ البحار: (22/418).
وقول ابن عباس رضي الله عنهما:
أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبرأ من خمسة: من الناكثين وهم أصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان، ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم، فقالوا: لا قدر، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم، فقالوا: الله أعلم. الكشي: (38)، البحار: (42/152).
فهل أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالتبري من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وهم الذين اغتصبوا حق الأمير وأتوا بأعظم من أفعال هؤلاء الخمسة الذين أمر بالتبري منهم بزعم القوم.
أبداً: لم يفهم علي رضي الله عنه أن خلافة الشيخين خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن فلاناً دون آخر أحق بالخلافة من غيره.