الاستدلال بآية التطهير ومن هم آل البيت
يعد استدلال الشيعة بآية التطهير ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب:33] من أبرز أدلتهم على العصمة والإمامة، بزعم نزولها في أهل الكساء خاصة: علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم. غير أن التحقيق العلمي والرجوع إلى السياق القرآني واللغة والنصوص الأخرى يبين أن الآية لا تدل على العصمة ولا على الإمامة، وإنما جاءت في خطاب موجه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم شملهن وسائر أهل بيته، على قاعدة أن الزوجة من أهل بيت الرجل لغة وشرعاً. كما أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكساء بالطهارة بعد نزول الآية دليل على أن التطهير المقصود إرادة شرعية لا عصمة مطلقة. فضلاً عن أن تخصيص الآية بأهل الكساء فقط يؤدي إلى إخراج تسعة من أئمة الشيعة من مدلولها، وإلى لوازم باطلة لا يقول بها حتى بعض علماء القوم، مما اضطرهم إلى ادعاء التحريف أو الانقطاع في سياق الآية.
الاستدلال بآية التطهير والرد على هذا الاستدلال وبيان من هم أهل البيت عليهم السلام:
هذا هو الاستدلال الرابع لهم، وهو قول الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب:33]، ويقولون بأن نزولها في أهل الكساء خاصة، وهم: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم، وهي تدل على عصمتهم، والعصمة من شروط الإمامة.
أقول: لا شك في صحة حديث الكساء، وأنه صلى الله عليه وسلم قد أدخل علياً وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فيه، ثم قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب:33].
ولا يعني هذا بالضرورة صحة كل ما ورد في القصة، إذ إن معظمها لا يصح سنداً أو متناً إلا بالقدر الذي أوردناه أو قريباً منه.
وحيث إن القصة وردت من طرق صحيحة؛ فإن هذا يغنينا عن الكلام في أسانيد طرقها الأخرى، ولكن نتكلم في دلالتها على مقصود القوم، ونذكر الردود عليه.
فنقول: ليس في هذه الآية دلالة على العصمة ولا الإمامة، وبيان ذلك من وجوه:
1- منها: أن قولـه تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب:33]، كقولـه: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة:6]، وكقولـه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ﴾ [البقرة:185]، وكقولـه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء:26].
وكقولـه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ [النساء:28].
فإن إرادته عز وجل في هذه الآيات إرادة شرعية متضمنة لمحبته لذلك المراد ورضاه به، وأنه شرعه للمؤمنين وأمرهم به، وليس في ذلك أنه خلق هذا المراد فعلاً، ولا أنه قضاه وقدره، ولا أنه يكون لا محالة.
والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فطلب من الله لهم إذهاب الرجس والتطهير، فلو كانت الآية تتضمن إخبار الله بأنه قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم لم يحتج إلى الطلب والدعاء، ولقال الله تعالى: إن الله أذهب عنكم الرجس أهل البيت وطهركم تطهيراً.
وبهذا يتبين لك أن الإرادة هنا إرادة شرعية؛ بدليل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وأن الآية ليس فيها دلالة على العصمة والإمامة كما هو ظاهر.
ويؤكد ذلك الرواية الأخرى التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية: اللهم أنا وأهل بيتي هؤلاء إليك لا إلى النار[1].
فلو كان مفهوم الرجس متحققاً هنا -كما يرى القوم- لما كان للدعاء هنا محل، ولو كانت مفيدة للعصمة فإنه ينبغي أن يكون الصحابة لا سيما الحاضرون في غزوة بدر قاطبة معصومين، لقولـه تعالى فيهم: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة:6] بل لعل هذا أفيد لما فيه من قولـه سبحانه: ﴿وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة:6] فإن وقوع هذا الإنعام لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان.
وعلي أي حال، سيأتي الكلام عليه في مسألة العصمة.
من مقالات السقيفة: |
معنى الركوع في القرآن بين الخضوع والعبادة الامامة والائمة والعصمة والمهدي |
2- ومما يدل على أن الآية ليست دالة على العصمة والإمامة: أن الخطاب في الآيات كله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم حيث بدأ بهن وختم بهن:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً﴾ [الأحزاب:28-34].
فالخطاب كله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومعهن الأمر والنهي والوعد والوعيد، لكن لما تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت جاء التطهير بضمير المذكر، لأنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر، حيث تناول أهل البيت كلهم، وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أخص من غيرهم بذلك، لذلك خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء لهم.
وهذا كما أن قولـه: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ [التوبة:108]، نزلت بسبب مسجد قباء، لكن الحكم يتناوله ويتناول ما هو أحق منه بذلك وهو مسجد المدينة.
ويؤيد ذلك ما جاء في بعض الروايات من قولـه صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية: اللهم إن هؤلاء أحق[2].
ونعود إلى صيغة التذكير ونضيف: أن زوج الرجل من أهل بيته، وهذا شائع في اللغة، كما يقول الرجل لصاحبه: كيف أهلك؟ أي: امرأتك ونساؤك، فيقول: هم بخير، وقد قال تعالى: ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود:73]، والمخاطب بهذه الآية بالإجماع هي سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، وهذا دليل على أن زوجة الرجل من أهل البيت.
وقولـه تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾ [القصص:29] والمخاطب هنا أيضاً زوجة موسى عليه السلام.
والشواهد على ذلك كثيرة، وسنأتي على ذكر أمثلة أخرى.
وقد تفطن إلى ذلك بعض علماء الشيعة فبدا عاجزاً عن رد هذا الإشكال فادعى أن في الآية تحريفاً.
فالمجلسي -مثلاً- في رده على هذا الإشكال قال: لعل آية التطهير وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية، وقد ظهر من الأخبار عدم ارتباطها بقصتهن، فالاعتماد في هذا الباب على النظم والترتيب ظاهر البطلان، ولو سلم عدم التغيير في الترتيب، فنقول: ستأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط من القرآن آيات كثيرة، فلعله سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبتت لم يفت الربط الظاهري بينها[3].
وقال أحد المعاصرين وهو أكثر حذراً في إخفاء عقيدته: فالآية لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي ولا متصلة بها، وإنما وضعت بينها إما بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة[4].
وعلى أي حال، لا نسهب في تناول هذه الجزئية، فحسبنا أن اضطرار هؤلاء في جزء من آية -لا آية بأكملها- إلى كل هذه التأويلات دليل على بعدها عن مقصودهم، وصحة نزولها في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين.
نعود إلى الردود الدالة على عدم دلالة الآية على الإمامة والعصمة:
3- ومنها: أن ما اختص به الأمير والسبطان رضي الله عنهما من الآية -بزعم القوم- ثبت للزهراء رضي الله عنها، وخصائص الإمامة لا تثبت للنساء، فلو كان هذا دليلاً لكان من يتصف بما في الآية يستحق العصمة والإمامة، والزهراء رضي الله عنها كذلك وبذات الاعتبار، فدل على أن الآية لا يراد بها الإمامة ولا العصمة.
4- ومنها: خروج تسعة من الأئمة لعدم شمول الآية لهم، حيث اختصت الآية بثلاثة منهم.
5- ومنها: أن إذهاب الرجس لا يكون إلا بعد ثبوته، والشيعة يقولون بعصمة الأئمة منذ ولادتهم إلى وفاتهم، وسنوقفك على أقوالهم في هذا.
والحال أن الردود كثيرة، ولا يسعنا سردها جميعاً، وبالأخص مسألة الكلام في إرادة الله عز وجل، وعقيدة الشيعة فيها وتعارضها مع الآية.
ولكن لنتكلم قليلاً في مدلول الآية من حيث كونها دليلاً على العصمة وكون ذلك محصوراً في أهل الكساء دون غيرهم كما يزعم الشيعة، ونبدأ في الكلام أولاً في بيان من هم أهل البيت، ثم نتكلم في العصمة.
لا شك أن هناك خلافاً بين العلماء في تعيين أهل البيت:
فمن قائل: إنهم أمته.
وقائل: إنهم المتقون من أمته.
وقائل: إنهم زوجاته رضي الله عنهن.
وقائل: إنهم أقاربه صلى الله عليه وسلم ممن تحرم عليهم الصدقة.
وقائل: إنهم علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم،.. وقيل غير ذلك.
وهذا الأخير -أي: أنهم الخمسة (أصحاب الكساء)- من أغرب الأقوال، فلمجرد أن وضع النبي صلى الله عليه وسلم كساءه عليهم، وقال: إنهم أهل بيتي، أخرج القوم كل من سواهم عن كونهم من أهل بيته صلى الله عليه وسلم، وحملوا جميع النصوص الواردة في فضائل أهل بيته على هؤلاء.
ولا أدري ماذا عسى أن يكون سائر أقاربه؟
ولبيان فساد هذا القول وخلافه لمفهوم أهل بيت الرجل، وبيان أنه أعم من هذا الحصر الذي قال به القوم نقول:
إن الروايات من طرق القوم أكثر من أن تحصى في بيان أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أعم مما يدعيه القوم أنفسهم، ولكن نذكر هنا الروايات المتعلقة بآية التطهير موضوع حديثنا، وسنتطرق إلى البقية عند حديثنا عن روايات الثقلين..
نقول:
أمثلة على ورود روايات عند القوم تدل على دخول غير علي والحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم في آل البيت:
أقول: قد ورد في بعض روايات الباب: أن أم سلمة رضي الله عنها راوية الحديث كانت ممن جللهم النبي صلى الله عليه وسلم بالكساء مع الخمسة، حيث قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: ألست من أهلك؟ قال: بلى، قالت: فأدخلني في الكساء[5].
♦ وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم قال: اللهم إليك أنا وأهل بيتي لا إلى النار، فقلت: يا رسول الله، وأنا معكم؟ فقال: وأنت[6].
والغريب أن واثلة بن الأسقع وهو من الذين رووا حديث الكساء، بعد أن ذكر الحديث وقول النبي: اللهم هؤلاء أحق، قال: فقلت من ناحية البيت: وأنا من أهلك يا رسول الله؟ قال: وأنت من أهلي، قال واثلة: إنها لمن أرجى ما أرجو من عملي[7].
فهل أن ابن الأسقع رضي الله عنه الذي أسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى تبوك في السنة التاسعة من الهجرة من أهل البيت، وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن لسن من أهله؟!
وهذا علي لما احتج على أبي بكر رضي الله عنهما -بزعم القوم- قال له: أنشدك بالله ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك[8]؟
فإننا نعلم بالضرورة أنه رضي الله عنه يعني بقولـه: [ولأهلي] الزهراء رضي الله عنها، أي: أن الزوجة من أهل بيت الرجل، وسيأتي -إن شاء الله- بقية الأدلة الدالة على عدم حصر أهل البيت في الآية على هؤلاء الخمسة عند الحديث عن روايات الثقلين.
أمثلة على دخول الزوجات في أهل بيت الرجل:
سبق في الروايات السابقة قول علي لأبي بكر رضي الله عنهما: أنشدك بالله ألي ولأهلي؟
والشواهد في دخول الزوجات في أهل بيت الرجل كثيرة، وقد ذكرنا بعض الآيات على ذلك، كقول الملائكة لسارة زوجة إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم: ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود:73] وهذا المراد به زوجه بالإجماع.
والعجيب أن مفسري القوم عند ذكرهم لهذه الآية يمرون عليها مرور الكرام؛ خشية الخوض في بيان معنى الأهل في الآية؛ لوضوحه البين رغم إسهابهم في بيان المقصود بالأهل في آية التطهير.
ومن خاض فيه اضطرب، كقول صاحب مجمع البيان: ويعني بأهل البيت بيت إبراهيم عليه السلام، وإنما جعلت سارة من أهل بيته لأنها كانت ابنة عمه، ولا دلالة في الآية على أن زوجة الرجل من أهل بيته[9].
ولاشك أن القارئ لا يخفى عليه ما يرمي إليه الطبرسي من وراء هذا، وما الذي اضطره إلى هذا القول الذي لم ينقله عنه مفسرو القوم الذين جاءوا بعده لفساده البين، ولكن حتى على فرض اعتبار صحة قولـه، فهل يُدخل القوم العمّ أو أولادَه في أهل بيت الرجل؟!
وكذلك ذكرنا قول الله تعالى في قصة موسى عليه السلام: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [القصص:29].
وقال تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه:9-10].
وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [النمل:7].
والمخاطب هنا -أيضاً- زوجة موسى عليه السلام، ولعله يأتينا طبرسي آخر ليقول: إن شعيب عليه السلام كان عمه!
وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً﴾ [مريم:54-55].
فمن أهله الذين كان يأمرهم بالصلاة؟
وهذا كقولـه تعالى مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه:132].
ولا شك في دخول زوجاته -أو خديجة رضي الله عنها على أقل تقدير- في الأهل، باعتبار أن السورة مكية، والأمير إنما تزوج الزهراء وأنجب السبطين رضي الله عنهما بعد الهجرة.
وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ﴾ [العنكبوت:33].
وقال تعالى: ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود:81]. والمستثنى من جنس المستثنى منه.
وقال تعالى: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ [الحجر:65].
وقال تعالى: ﴿رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ﴾ [الشعراء:169-170].
وقال تعالى: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ﴾ [الأعراف:83].
وقال تعالى: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنْ الْغَابِرِينَ﴾ [النمل:57].
وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ [الصافات:124-125].
وهذه الآيات صريحة ولا تحتاج إلى دليل في كون الزوجة من أهل الرجل، لا أقل من أن قولـه تعالى: ﴿إِلاَّ امْرَأَتَكَ﴾ [هود:81]، أو: ﴿إِلاَّ امْرَأَتَهُ﴾ [النمل:57]، دليل على ذلك، فالمستثنى من جنس المستثنى منه.
وقال تعالى: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يوسف:25].
فالمخاطب هنا عزيز مصر، وقولها: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً؛ أي: زوجتك، وهذا بين.
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ [الصافات:75-76].
ولم يقل أحد: إن زوجة نوح لم تكن من الناجين، لأنها ليست من أهله عليه السلام.
والشواهد على ذلك كثيرة، وكلها تقتضي دخول زوجات الرجل في آله.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران:33].
وقال تعالى: ﴿إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر:59].
وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ﴾ [الحجر:61].
وقال تعالى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل:56].
وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ﴾ [القمر:34].
فهذه الآيات والشواهد صريحة في دخول الزوجات في الآل، فمثلاً زوجات النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في آله.. وهكذا، كما هو صريح في الآيات، وكذا الشواهد من السنة وهي كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك لما نزلت الآيات في براءة عائشة رضي الله عنها: الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت[10].
وفي رواية:
يصرف عنا الرجس أهل البيت[11]. ولا يحتاج الأمر إلى تعليق.
ومن الغرائب أن القوم جعلوا نزول هذه الآيات في ذم عائشة رضي الله عنها لا لتبرئتها، وذلك لأنهم يقولون: إن عائشة هي التي قذفت مارية القبطية واتهمتها بالزنا، وقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم ليس منك وإنه ابن جريج القبطي[12].
والقصة لا تهمنا الآن، ولكن الذي يهمنا هو أنه على كلا القولين يتحقق المقصود، وهو أن قولـه صلى الله عليه وسلم ذلك إنما كان في زوجته، سواء كانت عائشة أم مارية رضي الله عنهن.
الاستدلال بآية التطهير ومن هم آل البيت
يعد استدلال الشيعة بآية التطهير ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب:33] من أبرز أدلتهم على العصمة والإمامة، بزعم نزولها في أهل الكساء خاصة: علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم. غير أن التحقيق العلمي والرجوع إلى السياق القرآني واللغة والنصوص الأخرى يبين أن الآية لا تدل على العصمة ولا على الإمامة، وإنما جاءت في خطاب موجه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم شملهن وسائر أهل بيته، على قاعدة أن الزوجة من أهل بيت الرجل لغة وشرعاً. كما أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكساء بالطهارة بعد نزول الآية دليل على أن التطهير المقصود إرادة شرعية لا عصمة مطلقة. فضلاً عن أن تخصيص الآية بأهل الكساء فقط يؤدي إلى إخراج تسعة من أئمة الشيعة من مدلولها، وإلى لوازم باطلة لا يقول بها حتى بعض علماء القوم، مما اضطرهم إلى ادعاء التحريف أو الانقطاع في سياق الآية.
الاستدلال بآية التطهير والرد على هذا الاستدلال وبيان من هم أهل البيت عليهم السلام:
هذا هو الاستدلال الرابع لهم، وهو قول الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب:33]، ويقولون بأن نزولها في أهل الكساء خاصة، وهم: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم، وهي تدل على عصمتهم، والعصمة من شروط الإمامة.
أقول: لا شك في صحة حديث الكساء، وأنه صلى الله عليه وسلم قد أدخل علياً وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فيه، ثم قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب:33].
ولا يعني هذا بالضرورة صحة كل ما ورد في القصة، إذ إن معظمها لا يصح سنداً أو متناً إلا بالقدر الذي أوردناه أو قريباً منه.
وحيث إن القصة وردت من طرق صحيحة؛ فإن هذا يغنينا عن الكلام في أسانيد طرقها الأخرى، ولكن نتكلم في دلالتها على مقصود القوم، ونذكر الردود عليه.
فنقول: ليس في هذه الآية دلالة على العصمة ولا الإمامة، وبيان ذلك من وجوه:
1- منها: أن قولـه تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب:33]، كقولـه: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة:6]، وكقولـه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ﴾ [البقرة:185]، وكقولـه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء:26].
وكقولـه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ [النساء:28].
فإن إرادته عز وجل في هذه الآيات إرادة شرعية متضمنة لمحبته لذلك المراد ورضاه به، وأنه شرعه للمؤمنين وأمرهم به، وليس في ذلك أنه خلق هذا المراد فعلاً، ولا أنه قضاه وقدره، ولا أنه يكون لا محالة.
والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فطلب من الله لهم إذهاب الرجس والتطهير، فلو كانت الآية تتضمن إخبار الله بأنه قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم لم يحتج إلى الطلب والدعاء، ولقال الله تعالى: إن الله أذهب عنكم الرجس أهل البيت وطهركم تطهيراً.
وبهذا يتبين لك أن الإرادة هنا إرادة شرعية؛ بدليل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وأن الآية ليس فيها دلالة على العصمة والإمامة كما هو ظاهر.
ويؤكد ذلك الرواية الأخرى التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية: اللهم أنا وأهل بيتي هؤلاء إليك لا إلى النار[1].
فلو كان مفهوم الرجس متحققاً هنا -كما يرى القوم- لما كان للدعاء هنا محل، ولو كانت مفيدة للعصمة فإنه ينبغي أن يكون الصحابة لا سيما الحاضرون في غزوة بدر قاطبة معصومين، لقولـه تعالى فيهم: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة:6] بل لعل هذا أفيد لما فيه من قولـه سبحانه: ﴿وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة:6] فإن وقوع هذا الإنعام لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان.
وعلي أي حال، سيأتي الكلام عليه في مسألة العصمة.
2- ومما يدل على أن الآية ليست دالة على العصمة والإمامة: أن الخطاب في الآيات كله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم حيث بدأ بهن وختم بهن:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً﴾ [الأحزاب:28-34].
فالخطاب كله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومعهن الأمر والنهي والوعد والوعيد، لكن لما تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت جاء التطهير بضمير المذكر، لأنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر، حيث تناول أهل البيت كلهم، وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أخص من غيرهم بذلك، لذلك خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء لهم.
وهذا كما أن قولـه: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ [التوبة:108]، نزلت بسبب مسجد قباء، لكن الحكم يتناوله ويتناول ما هو أحق منه بذلك وهو مسجد المدينة.
ويؤيد ذلك ما جاء في بعض الروايات من قولـه صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية: اللهم إن هؤلاء أحق[2].
ونعود إلى صيغة التذكير ونضيف: أن زوج الرجل من أهل بيته، وهذا شائع في اللغة، كما يقول الرجل لصاحبه: كيف أهلك؟ أي: امرأتك ونساؤك، فيقول: هم بخير، وقد قال تعالى: ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود:73]، والمخاطب بهذه الآية بالإجماع هي سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، وهذا دليل على أن زوجة الرجل من أهل البيت.
وقولـه تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾ [القصص:29] والمخاطب هنا أيضاً زوجة موسى عليه السلام.
والشواهد على ذلك كثيرة، وسنأتي على ذكر أمثلة أخرى.
وقد تفطن إلى ذلك بعض علماء الشيعة فبدا عاجزاً عن رد هذا الإشكال فادعى أن في الآية تحريفاً.
فالمجلسي -مثلاً- في رده على هذا الإشكال قال: لعل آية التطهير وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية، وقد ظهر من الأخبار عدم ارتباطها بقصتهن، فالاعتماد في هذا الباب على النظم والترتيب ظاهر البطلان، ولو سلم عدم التغيير في الترتيب، فنقول: ستأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط من القرآن آيات كثيرة، فلعله سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبتت لم يفت الربط الظاهري بينها[3].
وقال أحد المعاصرين وهو أكثر حذراً في إخفاء عقيدته: فالآية لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي ولا متصلة بها، وإنما وضعت بينها إما بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة[4].
وعلى أي حال، لا نسهب في تناول هذه الجزئية، فحسبنا أن اضطرار هؤلاء في جزء من آية -لا آية بأكملها- إلى كل هذه التأويلات دليل على بعدها عن مقصودهم، وصحة نزولها في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين.
نعود إلى الردود الدالة على عدم دلالة الآية على الإمامة والعصمة:
3- ومنها: أن ما اختص به الأمير والسبطان رضي الله عنهما من الآية -بزعم القوم- ثبت للزهراء رضي الله عنها، وخصائص الإمامة لا تثبت للنساء، فلو كان هذا دليلاً لكان من يتصف بما في الآية يستحق العصمة والإمامة، والزهراء رضي الله عنها كذلك وبذات الاعتبار، فدل على أن الآية لا يراد بها الإمامة ولا العصمة.
4- ومنها: خروج تسعة من الأئمة لعدم شمول الآية لهم، حيث اختصت الآية بثلاثة منهم.
5- ومنها: أن إذهاب الرجس لا يكون إلا بعد ثبوته، والشيعة يقولون بعصمة الأئمة منذ ولادتهم إلى وفاتهم، وسنوقفك على أقوالهم في هذا.
والحال أن الردود كثيرة، ولا يسعنا سردها جميعاً، وبالأخص مسألة الكلام في إرادة الله عز وجل، وعقيدة الشيعة فيها وتعارضها مع الآية.
من مقالات السقيفة: |
معنى الركوع في القرآن بين الخضوع والعبادة الامامة والائمة والعصمة والمهدي |
ولكن لنتكلم قليلاً في مدلول الآية من حيث كونها دليلاً على العصمة وكون ذلك محصوراً في أهل الكساء دون غيرهم كما يزعم الشيعة، ونبدأ في الكلام أولاً في بيان من هم أهل البيت، ثم نتكلم في العصمة.
لا شك أن هناك خلافاً بين العلماء في تعيين أهل البيت:
فمن قائل: إنهم أمته.
وقائل: إنهم المتقون من أمته.
وقائل: إنهم زوجاته رضي الله عنهن.
وقائل: إنهم أقاربه صلى الله عليه وسلم ممن تحرم عليهم الصدقة.
وقائل: إنهم علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم،.. وقيل غير ذلك.
وهذا الأخير -أي: أنهم الخمسة (أصحاب الكساء)- من أغرب الأقوال، فلمجرد أن وضع النبي صلى الله عليه وسلم كساءه عليهم، وقال: إنهم أهل بيتي، أخرج القوم كل من سواهم عن كونهم من أهل بيته صلى الله عليه وسلم، وحملوا جميع النصوص الواردة في فضائل أهل بيته على هؤلاء.
ولا أدري ماذا عسى أن يكون سائر أقاربه؟
ولبيان فساد هذا القول وخلافه لمفهوم أهل بيت الرجل، وبيان أنه أعم من هذا الحصر الذي قال به القوم نقول:
إن الروايات من طرق القوم أكثر من أن تحصى في بيان أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أعم مما يدعيه القوم أنفسهم، ولكن نذكر هنا الروايات المتعلقة بآية التطهير موضوع حديثنا، وسنتطرق إلى البقية عند حديثنا عن روايات الثقلين..
نقول:
أمثلة على ورود روايات عند القوم تدل على دخول غير علي والحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم في آل البيت:
أقول: قد ورد في بعض روايات الباب: أن أم سلمة رضي الله عنها راوية الحديث كانت ممن جللهم النبي صلى الله عليه وسلم بالكساء مع الخمسة، حيث قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: ألست من أهلك؟ قال: بلى، قالت: فأدخلني في الكساء[5].
♦ وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم قال: اللهم إليك أنا وأهل بيتي لا إلى النار، فقلت: يا رسول الله، وأنا معكم؟ فقال: وأنت[6].
والغريب أن واثلة بن الأسقع وهو من الذين رووا حديث الكساء، بعد أن ذكر الحديث وقول النبي: اللهم هؤلاء أحق، قال: فقلت من ناحية البيت: وأنا من أهلك يا رسول الله؟ قال: وأنت من أهلي، قال واثلة: إنها لمن أرجى ما أرجو من عملي[7].
فهل أن ابن الأسقع رضي الله عنه الذي أسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى تبوك في السنة التاسعة من الهجرة من أهل البيت، وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن لسن من أهله؟!
وهذا علي لما احتج على أبي بكر رضي الله عنهما -بزعم القوم- قال له: أنشدك بالله ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك[8]؟
فإننا نعلم بالضرورة أنه رضي الله عنه يعني بقولـه: [ولأهلي] الزهراء رضي الله عنها، أي: أن الزوجة من أهل بيت الرجل، وسيأتي -إن شاء الله- بقية الأدلة الدالة على عدم حصر أهل البيت في الآية على هؤلاء الخمسة عند الحديث عن روايات الثقلين.
أمثلة على دخول الزوجات في أهل بيت الرجل:
سبق في الروايات السابقة قول علي لأبي بكر رضي الله عنهما: أنشدك بالله ألي ولأهلي؟
والشواهد في دخول الزوجات في أهل بيت الرجل كثيرة، وقد ذكرنا بعض الآيات على ذلك، كقول الملائكة لسارة زوجة إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والتسليم: ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [هود:73] وهذا المراد به زوجه بالإجماع.
والعجيب أن مفسري القوم عند ذكرهم لهذه الآية يمرون عليها مرور الكرام؛ خشية الخوض في بيان معنى الأهل في الآية؛ لوضوحه البين رغم إسهابهم في بيان المقصود بالأهل في آية التطهير.
ومن خاض فيه اضطرب، كقول صاحب مجمع البيان: ويعني بأهل البيت بيت إبراهيم عليه السلام، وإنما جعلت سارة من أهل بيته لأنها كانت ابنة عمه، ولا دلالة في الآية على أن زوجة الرجل من أهل بيته[9].
ولاشك أن القارئ لا يخفى عليه ما يرمي إليه الطبرسي من وراء هذا، وما الذي اضطره إلى هذا القول الذي لم ينقله عنه مفسرو القوم الذين جاءوا بعده لفساده البين، ولكن حتى على فرض اعتبار صحة قولـه، فهل يُدخل القوم العمّ أو أولادَه في أهل بيت الرجل؟!
وكذلك ذكرنا قول الله تعالى في قصة موسى عليه السلام: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [القصص:29].
وقال تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه:9-10].
وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [النمل:7].
والمخاطب هنا -أيضاً- زوجة موسى عليه السلام، ولعله يأتينا طبرسي آخر ليقول: إن شعيب عليه السلام كان عمه!
وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً﴾ [مريم:54-55].
فمن أهله الذين كان يأمرهم بالصلاة؟
وهذا كقولـه تعالى مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه:132].
ولا شك في دخول زوجاته -أو خديجة رضي الله عنها على أقل تقدير- في الأهل، باعتبار أن السورة مكية، والأمير إنما تزوج الزهراء وأنجب السبطين رضي الله عنهما بعد الهجرة.
وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ﴾ [العنكبوت:33].
وقال تعالى: ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود:81]. والمستثنى من جنس المستثنى منه.
وقال تعالى: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ [الحجر:65].
وقال تعالى: ﴿رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ﴾ [الشعراء:169-170].
وقال تعالى: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ﴾ [الأعراف:83].
وقال تعالى: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنْ الْغَابِرِينَ﴾ [النمل:57].
وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ [الصافات:124-125].
وهذه الآيات صريحة ولا تحتاج إلى دليل في كون الزوجة من أهل الرجل، لا أقل من أن قولـه تعالى: ﴿إِلاَّ امْرَأَتَكَ﴾ [هود:81]، أو: ﴿إِلاَّ امْرَأَتَهُ﴾ [النمل:57]، دليل على ذلك، فالمستثنى من جنس المستثنى منه.
وقال تعالى: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يوسف:25].
فالمخاطب هنا عزيز مصر، وقولها: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً؛ أي: زوجتك، وهذا بين.
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ [الصافات:75-76].
ولم يقل أحد: إن زوجة نوح لم تكن من الناجين، لأنها ليست من أهله عليه السلام.
والشواهد على ذلك كثيرة، وكلها تقتضي دخول زوجات الرجل في آله.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران:33].
وقال تعالى: ﴿إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر:59].
وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ﴾ [الحجر:61].
وقال تعالى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل:56].
وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ﴾ [القمر:34].
فهذه الآيات والشواهد صريحة في دخول الزوجات في الآل، فمثلاً زوجات النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في آله.. وهكذا، كما هو صريح في الآيات، وكذا الشواهد من السنة وهي كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك لما نزلت الآيات في براءة عائشة رضي الله عنها: الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت[10].
وفي رواية:
يصرف عنا الرجس أهل البيت[11]. ولا يحتاج الأمر إلى تعليق.
ومن الغرائب أن القوم جعلوا نزول هذه الآيات في ذم عائشة رضي الله عنها لا لتبرئتها، وذلك لأنهم يقولون: إن عائشة هي التي قذفت مارية القبطية واتهمتها بالزنا، وقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم ليس منك وإنه ابن جريج القبطي[12].
والقصة لا تهمنا الآن، ولكن الذي يهمنا هو أنه على كلا القولين يتحقق المقصود، وهو أن قولـه صلى الله عليه وسلم ذلك إنما كان في زوجته، سواء كانت عائشة أم مارية رضي الله عنهن.
[1] أمالي الطوسي: (562)، البحار: (25/240)(35/215، 219، 232)(37/63)، تفسير فرات: (1/333، 335).
[2] البرهان: (3/321)، البحار: (35/217)، الطرائف: (29)، العمدة: (16، 21).
[3] البحار: (35/234)، محجة العلماء: (163)، فصل الخطاب:(320)، الحدائق الناضرة:(2/290).
[4] الميزان: (16/312).
[5] الطرائف: (30)، العمدة: (18)، البحار: (35/221)(45/198)، البرهان: (3/321).
[6] أمالي الطوسي: (85)، البحار: (25/240)(37/39، 402)، كشف الغمة: (1/47).
[7] البرهان: (3/321).
[8] نور الثقلين: (4/271).
[9] مجمع البيان: (3/274).
[10] الخصال: (125)، البحار: (22/154، 155، 168) (38/302)(79/104)، تفسير القمي: (2/76)، الميزان: (15/104)، نور الثقلين: (1/582) (3/582)، الصافي:(3/424)، البرهان: (3/127)، الغرر والدرر: (1/77).
[11] البحار: (22/168)، تأويل الآيات: (2/604).
([12]) البحار: (20/316)(35/153، 154، 155)(38/302)(79/103)، تفسير القمي: (2/75)، الخصال: (125)، الميزان: (15/89، 103)، نور الثقلين: (3/581)، الصافي: (3/423)، البرهان: (3/126، 127)، الغرر والدرر: (1/77)، علل الشرايع: (580)، ومنهم من صنف في ذلك كتاباً مستقلاً، وانظر مثلاً: حديث الإفك لجعفر مرتضى العاملي، أو بحث مستقل، البحار: (79/104) (الحاشية)، وغيرها.