الرجعة بين القرآن وتفسير الإمامية:
عقيدة الرجعة عند الإمامية تُعدّ من أكثر القضايا التي أثارت جدلاً واسعاً بين علماء الشيعة والسنة على حدّ سواء. فالقرآن الكريم مليء بالآيات التي تحدّد بدقّة طبيعة الموت، والبرزخ، والبعث يوم القيامة، مما جعل المفسرين من أهل السنة يؤكدون أن الرجوع إلى الدنيا بعد الموت غير ممكن إلا يوم البعث الأكبر.
في المقابل، استند علماء الإمامية إلى بعض الآيات القرآنية مثل: ﴿إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد﴾، و﴿ويوم نحشر من كل أمة فوجاً﴾، وغيرها، لإثبات الرجعة، لكن تفسيرهم لهذه النصوص قوبل بالرد والتفنيد من مفسري أهل السنة والجماعة.
من مقالات السقيفة:
الولاية التكوينية عند علماء الشيعة
قراءة مقارنة بين التفاسير الشيعية والسنية لآيات الموت والبعث، مع بيان مواقف الطوسي والطبرسي والطباطبائي من جهة، وابن كثير، الشوكاني، الألوسي، القرطبي وغيرهم من جهة أخرى، ليكشف الفارق الجوهري بين عقيدة البعث القرآنية ومفهوم الرجعة العقدي عند الإمامية.
1-قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (100): المؤمنون.
2- وقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ (57): العنكبوت.
3- وقوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (28): البقرة.
قال الطبرسي:
﴿رب ارجعون لعلى أعمل صلحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها﴾.
قال: ﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون﴾ فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ". و(كلا) معناه: ردع عن طلب الرجعة، وإنكار واستبعاد (إنها كلمة هو قائلها) بلسانه لا حقيقة لها، أو: هو قائلها وحده لا تسمع منه * (ومن ورائهم برزخ) والضمير للجماعة، أي: أمامهم حائل وحاجز بينهم وبين الرجعة إلى يوم البعث من القبور " اهـ.
تفسير جوامع الجامع - الطبرسي - ج 2 ص 598
وقال الطباطبائي:
وقوله تعالى: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون﴾ المؤمنون: 100 تذكر الآية أنهم بعد الموت في حياة برزخية متوسطة بين الحياة الدنيوية التي هي لعب ولهو والحياة الأخروية التي هي حقيقة الحياة كما قال: ﴿وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون﴾ العنكبوت: 64. وبالجملة الدنيا دار عمل والبرزخ دار تهيؤ للحساب والجزاء، والآخرة دار حساب وجزاء " اهـ
تفسير الميزان - الطباطبائي - ج 11 ص 8 – 9
وقال ايضا: " (بحث روائي) في الكافي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم، وهو قوله تعالى: " رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ". أقول: وروي هذا المعني بطرق أخر غيرها عنه عليه السلام وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمراد به انطباق الآية على مانع الزكاة لا نزولها فيه" اهـ
تفسير الميزان - الطباطبائي - ج 15 ص 74 – 75
قال الامام الالوسي:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ جملة مستأنفة جىء بها حثاً على إخلاص العبادة والهجرة لله تعالى حيث أفادت أن الدنيا ليست دار بقاء وأن وراءها دار الجزاء أي كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت ومفارقة البدن البتة فلا بد أن تذوقوه ثم ترجعون إلى حكمنا وجزائنا بحسب أعمالكم فمن كانت هذه عاقبته فلا بد له من التزود والاستعداد " اهـ
روح المعاني – ابو الثناء محمود بن عبد الله الحسينى الالوسى - ج 15 ص 306
وقال الطوسي:
" ثم أخبر تعالى ان (كل نفس) * أحياها الله بحياة خلقها فيها * (ذائقة الموت) * والذائق الواجد للجسم بحاسة إدراك الطعم (ثم الينا ترجعون) أي تردون إلينا فنجازيكم على قدر استحقاقكم من الثواب والعقاب. وفي ذلك غاية التهديد والزجر " اهـ
التبيان - الطوسي - ج 8 ص 221
وقال الطبرسي:
"ثم خوفهم بالموت ليهون عليهم الهجرة فقال: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت﴾ أي: كل نفس أحياها الله بحياة خلقها فيه ذائقة مرارة الموت بأي أرض كان، فلا تقيموا بدار الشرك خوفا من الموت ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ بعد الموت، فنجازيكم بأعمالكم " اهـ
تفسير مجمع البيان - الطبرسي - ج 8 ص 38
وقال الطباطبائي:
وقوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت﴾ من الاستعارة بالكناية والمراد أن كل نفس ستموت لا محالة، والالتفات في قوله: (ثم إلينا ترجعون) من سياق التكلم وحده إلى سياق التكلم مع الغير للدلالة على العظمة. ومحصل المعنى: أن الحياة الدنيا ليست الا أياما قلائل والموت وراءه ثمالرجوع إلينا للحساب فلا يصدنكم زينة الحياة الدنيا - وهي زينة فانية - عن التهيئ للقاء الله بالايمان والعمل ففيه السعادة الباقية وفى الحرمان منه هلاك مؤبد مخلد " اهـ.
- تفسير الميزان - الطباطبائي - ج 16 ص 144 – 145
قال الامام ابن كثير:
وَقَوْلِهِ: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾.
قَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]: هَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 28] وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو مَالِكٍ. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ " اهـ.
تفسير ابن كثير – ابو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير – ج 7 ص 133
وقال الامام الشوكاني:
" وَقَدْ أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ قَالَ: هِيَ مِثْلُ الَّتِي في البقرة ﴿كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ َيُحْيِيكُمْ﴾ «» كَانُوا أَمْوَاتًا فِي صُلْبِ آبَائِهِمْ ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ فَأَحْيَاهُمْ ثُمَّ أَمَاتَهُمْ ثُمَّ يُحْيِيهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ.
من مقالات السقيفة:
الروايات والآيات الواردة في ذم الكذب
صيغة الجمع في آية الولاية بين النص والتأويل
قصة استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: كُنْتُمْ تُرَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكُمْ، فَهَذِهِ مِيتَةٌ، ثُمَّ أَحْيَاكُمْ فَخَلَقَكُمْ فَهَذِهِ حَيَاةٌ، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ فَتَرْجِعُونَ إِلَى الْقُبُورِ فَهَذِهِ مِيتَةٌ أُخْرَى، ثُمَّ يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة، فما مَوْتَتَانِ وَحَيَاتَانِ كَقَوْلِهِ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ الْآيَةَ " اهـ
فتح القدير – محمد بن علي الشوكاني – ج 4 ص 558
وقال الطريحي:
" أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين مثل قوله تعالى﴿كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ َيُحْيِيكُمْ﴾
فالموتة الأولى: كونهم نطفا في أصلاب آبائهم لأن النطفة ميتة، والحياة الأولى إحياء الله إياهم من النطفة.
والموتة الثانية إماتة الله إياهم بعد الحياة، والحياة الثانية إحياء الله إياهم للبعث فهاتان موتتان وحياتان ويقال: الموتة الأولى التي تقع بهم في الدنيا بعد الحياة، والحياة الأولى إحياء الله إياهم في القبر لمسألة منكر ونكير، والموتة الثانية إماتة الله
إياهم بعد المسألة، والحياة الثانية إحياء الله إياهم للبعث " اهـ
تفسير غريب القرآن - فخر الدين الطريحي - ص 138
قال الطبرسي في استدلاله على الرجعة:
" ولا يشك عاقل أن هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه، وقد فعل الله ذلك في الأمم الخالية، ونطق القرآن بذلك في عدة مواضع مثل قصة عزير وغيره، على ما فسرناه في موضعه. وصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "سيكون في أمتي كل ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه " اهـ.
تفسير مجمع البيان - الطبرسي - ج 7 ص 405 – 406