الرد على استدلال الشيعة بآية (لا ينال عهدي الظالمين) على عصمة الأئمة

من أشهر الأدلة التي يستدل بها الشيعة على عصمة أئمتهم استنادهم إلى قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا  قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي  قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة:124].

ويذهب مفسروهم إلى أن هذه الآية تقرر أن الإمام لا بد أن يكون معصوماً من الذنب طول حياته، إذ إن من صدر منه ظلم ما في أي برهة من عمره لا ينال عهد الله.

وقد بنوا على هذا التفسير القول بأن الإمامة حكر على الأئمة الاثني عشر المعصومين، وأن العصمة شرط لازم للإمامة. غير أن التدبر في السياق القرآني، وأقوال المفسرين، ومقارنة النصوص ببعضها، يوضح أن هذا الاستدلال فيه مجازفة ومخالفة لمقتضيات النصوص المحكمة في القرآن الكريم.

ونناقش استدلال الشيعة بآية (لا ينال عهدي الظالمين) لإثبات عصمة الأئمة، ويعرض أقوال مفسريهم مثل الطباطبائي الذي اعتبر أن الظالم هو من صدر منه أي ذنب، ولو في فترة من حياته، فلا يستحق الإمامة.

 ثم تفند هذه الدعوى مبيناً أن المراد بالظالمين هم المصرّون على الظلم والشرك لا التائبون الصالحون، وأن الله تعالى قد قبل توبة أنبيائه وأوليائه ورفع درجتهم بعد الزلل. كما أن القول بالعصمة المطلقة للأئمة ليس له دليل صحيح من القرآن، وأن ربط الإمامة بالمعصومين فقط يناقض شواهد الكتاب والسنة. والغاية هي بيان بطلان استدلال الشيعة بالآية على العصمة، وأن الإمامة في القرآن جاءت بمعنى القدوة والهداية لا الحكم السياسي ولا العصمة المطلقة.

قال الله تعالى: ﴿أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي﴾ وقد قوبل في الآية بين الهادي إلى الحق وبين غير المهتدي إلا بغيره، أعني المهتدي بغيره، وهذه المقابلة تقتضي أن يكون الهادي إلى الحق مهتديا بنفسه، أن المهتدي بغيره لا يكون هاديا إلى الحق البتة

 

مقالات السقيفة ذات صلة:

تفسير قوله: ﴿إِن...... يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ على منهج أهل السنة

شبهة: ثم استوى على العرش في قوله:"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ")

التفسير الشيعي لآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾

تفسير قوله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ بين الفهم ومنهج أهل السنة

 

ويستنتج من هنا أمران:

 أحدهما: أن الامام يجب أن يكون معصوما عن الضلال و المعصية، والا كان غير مهتد بنفسه، كما مر كما، يدل عليه أيضا قوله تعالى:
﴿وجعلناهم أئمة بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين [الأنبياء 73] فأفعال الامام خيرات يهتدى إليها لا بهداية من غيره بل باهتداء من نفسه بتأييد إلهي، وتسديد رباني والدليل عليه قوله تعالى: ﴿فعل الخيرات بناء على أن المصدر المضاف يدل على الوقوع، ففرق بين مثل قولنا:
وأوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات فلا يدل على التحقق والوقوع، بخلاف قوله ﴿وأوحينا إليهم فعل الخيرات فهو يدل على أن ما فعلوه من الخيرات إنما هو بوحي باطني وتأييد سماوي.

 الثاني: عكس الامر الأول وهو أن من ليس بمعصوم فلا يكون إماما هاديا إلى الحق البتة.

وبهذا البيان يظهر: ان المراد بالظالمين في قوله تعالى، ﴿قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين مطلق من صدر عنه ظلم ما، من شرك أو معصية، وان كان منه في برهة من عمره، ثم تاب وصلح.

سؤال

وقد سئل بعض أساتيذنا رحمة الله عليه:

عن تقريب دلالة على عصمة الامام.

فأجاب:

 أن الناس بحسب القسمة العقلية على أربعة أقسام: من كان ظالما في جميع عمره، ومن لم يكن ظالما في جميع عمره، ومن هو ظالم في أول عمره دون آخره، ومن هو بالعكس هذا. وإبراهيم عليه السلام أجل شأنا من أن يسأل الإمامة للقسم الأول والرابع من ذريته، فبقي قسمان وقد نفى الله أحدهما، وهو الذي يكون ظالما في أول عمره دون آخره، فبقي الآخر، وهو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره إنتهى.

 وقد ظهر مما تقدم من البيان أمور:

الأول: أن الإمامة لمجعولة.

الثاني: أن الامام يجب أن يكون معصوما بعصمة إلهية.

تفسير الميزان للطبطبائي الجزء الأول ص274