من المسائل التي يثيرها الشيعة في باب الإمامة استدلالهم بقول الله تعالى:
﴿وَإِذْ ابْتَلَى إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.
ويعتبرون هذه الآية دليلاً على وجوب إمامة الأئمة الاثني عشر المعصومين من ذريّة علي وفاطمة رضي الله عنهما. إلا أنّ التدبر في النص القرآني وسياقه، مع النظر إلى الآيات المحكمة والأدلة الشرعية الأخرى، يبيّن أن هذا الاستدلال غير صحيح، وأن معنى الإمامة في الآية لا يتوافق مع المفهوم الذي يريده الشيعة.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ ابْتَلَى إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.
مقالات السقيفة ذات صلة:
تفسير قوله: ﴿إِن...... يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ على منهج أهل السنة
شبهة: ثم استوى على العرش في قوله:"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ") …
التفسير الشيعي لآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾
تفسير قوله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ بين الفهم ومنهج أهل السنة
ااولاً: هذه الآية متشابهة وليست محكمة والآية المحكمة الصريحة هي التي لا تحتاج لقرينة.
ثانياً: هذا ليس دليل على امامة الائمة الاثنى عشر، انما هو استنباط من الآية على امامة لامامتهم.
ثالثاً: المقصود بإمامه ابراهيم عليه السلام هي النبوة، فكل شخص يتقدم القوم من نبي او رئيس او غيره يسمى امام والذي يتقدم المصلين يسمى امام.
ولا تعارض بين تسميته نبي واسماء اخرى وهذا كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾.
فسماه شاهد ومبشر ونذير وداعي وسراج منيرا وايضاً هو نبي ورسول.
وان الامامة التي جعل بها ابراهيم عليه السلام وسألها لأبنائه هل النبوة لا غير، فكيف يكون نبي وهو ليس بإمام لا يصلح قدوة!
ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى عن إبراهيم: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾. (العنكبوت/27).
وايضاً أن الله تعالى لم يجعل إبراهيم عليه السلام خليفة أو حاكماً متصرفاً في أمور الناس، وإنما جعله قدوة ونموذجاً للتأسي والاتباع.
ولذلك فرق الله تعالى بين داود وإبراهيم في اللفظ.
فقال لداود عليه السلام:
﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾. بينما قال لإبراهيم: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً﴾. لأن داود كان خليفة وحاكماً متصرفاً. وإبراهيم لم يكن كذلك.
ومن الشواهد دعاءه في قوله تعالى:
﴿من آمن منهم بالله واليوم الآخر﴾. فهذا مطلق الايمان وليس خاصاً بالمعصومين الاثنى عشر، ولو كان كما تقولون لزمكم ان ابي بكر وعمر وعثمان عليهم السلام ائمة وعليكم ان تتبعوهم.
رابعاً: ان قولهم ان الامامة تحصل بالابتلاء، فيلزم الرافضة لوازم تحطم ديانتهم، فيكون كثير من الصحابة كبلال وصهيب وابي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعا أحق بالإمامة من المعصومين حيث ان المعصومين اخذوا الامامة دون ابتلاء مثل محمد الجواد وابنه علي والمهدي وهذا معترف به جعفر سبحاني بقوله: قد بلغ بعض الأئمة المعصومين لدى الشيعة إلى القمة من الكمال والصلاح من دون أن يتعرضوا للابتلاء. مفاهيم القرآن 5/239
خامساً: قولهم يجب ان يكون الامام غير ظالم لنفسه، فيلزمهم اسقاط امامة آدم ويونس عليهما السلام، قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ﴾. (البقرة/35).
وقال: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ﴾. (الأعراف/23).
وقال تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.
وان قلتم بأنهم اخطأوا في وصف أنفسهم بالظلم فيلزمكم ان تسقطوا امامتهم لان العصمة بمفهومكم تمنع ان يُخطئ المعصوم.
واما من يقول بان الظلم هو الوقوع في الشرك او ذنب ولو برهة من عمره، فهذا لا يمنع من الامامة قال الطبطبائي:
وبهذا البيان يظهر:
أن المراد بالظالمين في قوله تعالى، ﴿ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ مطلق من صدر عنه ظلم ما، من شرك أو معصية، وإن كان منه في برهة من عمره، ثم تاب وصلح...
تفسير الميزان للطباطبائي الجزء الأول ص274
لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له بل ان الله سبحانه وتعالى يبدل الذنوب الى حسنات ان آمن العبد وتاب قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً﴾.
فالله عز وجل لم يقل لا ينال عهدي من ظلم!
انما قال: لا ينال عهدي الظالمين. بمعنى المثابتين المداومين على الظلم فهذا لا يشملهم، اما ابي بكر وعمر وعثمان عليهم السلام فهم مؤمنون صالحون تائبون سماهم الله تعالى بالسابقين الأولين والصادقين والمفلحين والفائزين.
سادساً: الجعل في الآية هو شرعي سببي قد يكون وقد لا يكون.
قال تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾.
وقال: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾.
وقال: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾.
اشتركت الأسئلة الثلاثة (الإمامة والإسلام والصلاة) بلفظ (جعل).
وقال تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾.
وقال: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأنعَامِ بُيُوتًا﴾.
فلولا سعي العبد في الزواج وبقية الأسباب لما جعل الله له بنين أو حفدة.
وكذلك لولا عمل العبد من ذبح الأنعام وسلخ جلودها ودباغتها وخياطتها وتهيئتها لما جعل الله له من جلود الأنعام بيوتاً.
فحينما نقول: إن (الجعل) سببي لا نقصد استقلاله عن القدر، وإنما نقصد اشتراكهما فيه معاً لإيجاد ما بني عليه.
أما إذا قلنا: إن (الجعل) قدري فنقصد به استقلاله عن السبب البشري، وهذا واقع لا محالة كلون البشرة وصورة الوجه ودوران الأرض وإشراقة الشمس، بخلاف (الجعل) السببي الذي قد يقع وقد لا يقع.