من الآيات العظيمة التي تناولت قضية الطاعة في الإسلام، قول الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59].
وقد اتفق أهل العلم على أن هذه الآية أصل عظيم في وجوب طاعة ولاة الأمور بالمعروف، وعدم جواز الخروج عليهم ما لم يأمروا بمعصية، كما أنها تضمنت معنىً واسعاً يشمل طاعة العلماء باعتبارهم مبلّغين عن رسول الله ﷺ. لذلك جاءت أقوال السلف في تفسير ﴿أولي الأمر﴾ متنوّعة، فمنهم من خصّها بالأمراء، ومنهم من قال بالعلماء، ومنهم من جمع بين الطائفتين. وهذه السعة في التفسير تدل على أن الآية الكريمة تحمل دلالات متعددة، يجمعها وجوب الطاعة فيما وافق أمر الله ورسوله، لا فيما خالف الشرع.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)﴾، ولقد نزلت هذه الاية الكريمة بما يتعلق بالإمارة.
مقالات السقيفة ذات صلة:
تفسير قوله: ﴿إِن...... يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ على منهج أهل السنة
شبهة: ثم استوى على العرش في قوله:"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ") …
التفسير الشيعي لآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾
تفسير قوله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ بين الفهم ومنهج أهل السنة
كما ثبت في الصحيحين:
" 4584 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ» " صحيح البخاري - بَابُ قَوْلِهِ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]: ذَوِي الأَمْرِ - ج 6 ص 46، وصحيح مسلم - بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَتَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ - ج 3 ص 1465
وفي الصحيحين ايضا:
" 7257 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا فَأَوْقَدَ نَارًا وَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا، فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: «لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ»، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»» " صحيح البخاري - بَابُ مَا جَاءَ فِي إِجَازَةِ خَبَرِ الوَاحِدِ الصَّدُوقِ فِي الأَذَانِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ - ج 9 ص 88، وصحيح مسلم - بَابُ وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَتَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ - ج 3 ص 1469
ولقد فسرها ابو هريرة رضي الله عنه بالامراء.
ففي تفسير الطبري: " 9856 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة في قوله: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾، قال: هم الأمراء [1]
وقد ذكره الحافظ في الفتح 8:
191، وقال: "أخرجه الطبري بإسناد صحيح" تفسير الطبري – تحقيق العلامة احمد شاكر - ج 8 ص 497
ولا يلزم نزولها في الامراء في عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم ان لا يدخل العلماء في ذلك، وذلك لان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولهذا قد قال بعض اهل العلم ان المراد من الداية الامراء، وبعضهم قال العلماء، وبعضهم قال ان المراد من النص الامراء، والعلماء.
قال الامام ابن القيم في رده على المقلدة:
" قَوْلُكُمْ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ، وَطَاعَتُهُمْ تَقْلِيدُهُمْ فِيمَا يُفْتُونَ بِهِ؛ فَجَوَابُهُ أَنَّ أُولِي الْأَمْرِ قَدْ قِيلَ: هُمْ الْأُمَرَاءُ، وَقِيلَ: هُمْ الْعُلَمَاءُ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالتَّحْقِيقُ، أَنَّ الْآيَةَ تَتَنَاوَلُ الطَّائِفَتَيْنِ، وَطَاعَتُهُمْ مِنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ، لَكِنْ خَفِيَ عَلَى الْمُقَلِّدِينَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُطَاعُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ إذَا أَمَرُوا بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَكَانَ الْعُلَمَاءُ مُبَلِّغِينَ لِأَمْرِ الرَّسُولِ، وَالْأُمَرَاءُ مُنَفِّذِينَ لَهُ، فَحِينَئِذٍ تَجِبُ طَاعَتُهُمْ تَبَعًا لِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَأَيْنَ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمُ آرَاءِ الرِّجَالِ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِيثَارُ التَّقْلِيدِ عَلَيْهَا؟ "
إعلام الموقعين – ابو عبد الله محمد بن ابي بكر بن قيم الجوزية - ج 2 ص 239
وقال الامام النووي رحمه الله:
" قَوْلُهُ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَطِيعُوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ في عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِأُولِي الْأَمْرِ مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ مِنَ الْوُلَاةِ وَالْأُمَرَاءِ هَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ هُمُ الْعُلَمَاءُ وَقِيلَ الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ الصَّحَابَةُ خَاصَّةً فَقَطْ فَقَدْ أَخْطَأَ "
شرح صحيح مسلم – ابو زكريا يحيى بن شرف النووي – ج 12 ص 223
[1] الحديث: 9856 - هذا موقوف على أبي هريرة. وإسناده صحيح. ومعناه صحيح.