يُعَدّ لفظ "الرُّكوع" من الألفاظ القرآنية التي تحمل دلالات عميقة، تتجاوز مجرد الهيئة الحركية في الصلاة لتشمل معاني الخضوع، والذلة، والتواضع لله سبحانه وتعالى. وقد اهتم العلماء بتفسير هذه الآية الكريمة ﴿وَهُمْ رَاكِعُونَ، فبيّنوا أن الركوع في أصل اللغة يعني الانحناء والخضوع، وأن استعماله في الشريعة يجمع بين الصورة الحسية والمعنى الروحي. كما تطرّق العلماء إلى بيان أن هذه الآية من المتشابه الذي لا يُفهم المراد منه إلا بقرينة، وهو ما أثار نقاشًا واسعًا بين علماء أهل السنة والجماعة والإمامية حول حجية المتشابه وكيفية التعامل معه.

واما معنى وهم راكعون في الآية اي وهم خاشعون، وهذا يتناسب مع روح العبادة، والتوجه الى الله سبحانه وتعالى..

مقالات السقيفة ذات صلة:

تفسير قوله: ﴿إِن...... يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ على منهج أهل السنة

شبهة: ثم استوى على العرش في قوله:"ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ")

التفسير الشيعي لآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾

تفسير قوله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ بين الفهم ومنهج أهل السنة

قال الامام النووي:

"وَأَصْلُ الرُّكُوعِ فِي اللُّغَةِ الْخُضُوعُ وَالذِّلَّةُ وَسُمِّيَ الرُّكُوعُ الشَّرْعِيُّ رُكُوعًا لِمَا فِيهِ مِنْ صُورَةِ الذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ وَالِاسْتِسْلَامِ"

شرح صحيح مسلم ابو زكريا يحيى بن شرف النووي ج 5 ص 17

وقال الامام ابن الجوزي:

" وَيُقَال: الرُّكُوع، وَيُرَاد بِهِ: الذل. وأنشدوا من ذَلِك:

(لَا تذل الضَّعِيف علك أَن... تركع يَوْمًا والدهر قد رَفعه) "

نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر عبد الرحمن بن علي بن الجوزي - ص314

وقال الامام ابن منظور:

" ركع الرُّكوع الخُضوع......................... قال الخطابي لما كان الركوع والسجود وهما غاية الذُّلِّ والخُضوع مخصوصين بالذكر والتسبيح نهاه عن القراءة فيهما كأَنه كَرِه أَن يجمع بين كلام الله تعالى وكلام الناس في مَوْطِن واحد فيكونا على السَّواء في المَحَلِّ والمَوْقِع وجمع الرّاكع رُكَّع ورُكُوع وكانت العرب في الجاهلية تسمي الحَنِيف راكعاً إِذا لم يَعْبُد الأَوثان وتقول رَكَع إِلى الله ومنه قول الشاعر إِلى رَبِّه رَبِّ البَرِيّةِ راكِع ويقال ركَع الرجل إِذا افْتَقَرَ بعد غِنًى وانْحَطَّت حالُه وقال ولا تُهِينَ الفَقِيرَ عَلَّكَ أَن تركَعَ يَوْماً والدهْرُ قد رَفَعَهْ "

لسان العرب - محمد بن مكرم بن على بن منظور الإفريقى - ج 8 ص 133

وقال ايضا: " والخشُوعُ الخضُوعُ والخاشع الراكع في بعض اللغات والتخشُّعُ تَكلُّف الخُشوع والتخشُّعُ لله الإِخْباتُ والتذلُّلُ "

 لسان العرب - محمد بن مكرم بن على بن منظور الإفريقى - ج 8 ص 71

وتعتبر هذه الاية الكريمة من المتشابه، والمتشابه عند الامامية لا يُعمل به.

 قال الطوسي:

"فالمحكم هو ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن إليه ولا دلالة تدل على المراد به لوضوحه، نحو قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾ وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ لأنه لا يحتاج في معرفة المراد به إلى دليل.

والمتشابه: مالا يعلم المراد بظاهره حتى يقترن به ما يدل على المراد منه "

التبيان - الطوسي ج 2 ص 394 395

فالآية الكريمة المباركة احتاجت الى دليل اخر اقترن بها لمعرفة المراد منها، علما ان هذا الدليل فيه اشكالات من ناحية السند، وكذلك من ناحية المتن كما بينا.

وفي البحار: " كتاب جعفر بن محمد بن شريح، عن حميد بن شعيب، عن جابر الجعفي، قال، قال أبو عبد الله عليه السلام: إن القرآن فيه محكم ومتشابه، فأما المحكم فنؤمن به ونعمل به وندين به، وأما المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به وهو قول الله في كتابه فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم"

بحار الأنوار - المجلسي - ج 2 ص 237 238