من أكثر القضايا إثارة للجدل في الفكر الشيعي مسألة الخمس، حيث يُزعم أنه يشمل أرباح المكاسب والموارد المالية للمسلمين، ويُعطى للفقهاء بزعم أنهم وكلاء عن الإمام الغائب. غير أن جذور هذه الفكرة لم تكن معروفة عند المتقدمين من الفقهاء، بل ظهرت متأخرة مع ظروف سياسية ومذهبية واقتصادية، لتتحول إلى مصدر مالي دائم للحوزات والمرجعيات. والسؤال الأهم: ما علاقة الفقيه بالآية القرآنية التي ورد فيها ذكر الخمس؟ وهل يستطيع أحد أن يثبت مشروعية أخذه من الناس دون نص صريح من القرآن أو السنة؟
مقالات السقيفة ذات الصلة:
نظرية الخُمس بين الفقيه والإمام الغائب
فتوى شيخ الحوزة السيد الخوئي في الخمس
كبار فقهاء الشيعة يُسقطون الخمس
الخمس بين الفريضة الشرعية والضريبة المالية
فمن أين جاءت الفكرة الخمس؟:-
نترك الجواب عن هذا السؤال للدكتور موسى الموسوي، وهو حفيد السيد أبي الحسن الأصفهاني، أحد مجتهدي ومراجع الحوزة النجفية يقول: لم تكن الشيعة حتى ذلك التاريخ -العصر العباسي- متماسكة بالمعنى المذهبي حتى تقوم بإعالة فقهائها، فكان تفسير الغنيمة بالأرباح خير ضمان لمعالجة العجز المالي الذي كان يقلق حياة فقهاء الشيعة وطلاب العلوم الدينية الشيعية آنذاك... وبعد أن أسست هذه البدعة أضيفت إليها أحكام مشددة لكي تحمل الشيعة على قبول إعطاء الخمس، وهو الأمر الذي ليس من السهل على أحد أن يرتضيه إلا بالوعيد! فدفع الضرائب في كل عصر ومصر في أي مجتمع يواجهه امتعاض من الناس، وبما أن فقهاء الشيعة لم تكن لهم السلطة لكي يرضخوا العامة على استخراج الخمس من أرباح مكاسبهم طوعاً ورغبة، فلذلك أضافوا إليها أحكاماً مشددة منها الدخول الأبدي في نار جهنم لمن لم يؤد حق الإمام، وعدم إقامة الصلاة في دار الشخص الذي لم يستخرج الخمس من ماله، أو الجلوس على مائدته وهكذا دواليك.
كما أن فقهاء الشيعة أفتوا بأن خمس الأرباح الذي هو من حق الإمام الغائب يجب تسليمه إلى المجتهدين والفقهاء الذين يمثلون الإمام.
وهكذا سرت هذه البدعة في المجتمع الشيعي تحصد أموال الشيعة في كل زمان ومكان، وكثير من الشيعة حتى هذا اليوم يدفع هذه الضريبة إلى مرجعه الديني، وذلك بعد أن يجلس الشخص المسكين أمام مرجعه صاغراً ويقبل يده بكل خشوع وخضوع ويكون فرحاً مستبشراً بأن مرجعه تفضل عليه وقبل منه حق الإمام.
الشيعة والتصحيح (ص:67-68).
الخلاصة:
إن أمراً لا وجود له في القرآن الكريم ولا السنة النبوية المطهرة، ولا ذكر له في أقوال الأئمة المعصومين، ولا إجماع عليه بين الفقهاء المتأخرين، ولم يرد على ألسنة الفقهاء المتقدمين! ما المسوغ الشرعي الذي يلجئ المسلم أو يحمله على الالتزام به؟!
وهل يمكن لأي عالم من العلماء أن يثبت لمقلده وجوب أو شرعية إخراج خمس أرباحه ومكاسبه وأمواله وإعطائها له بعد اطلاع هذا المقلد على هذا الكلام؟!
التساؤل الأخير:
قد يعترض معترض أو يتساءل قائلاً: أليس (الخمس) مذكوراً في القرآن؟ ألم يقل الله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال:41]؟!
إن الجواب عن هذا السؤال:
سيكون -إن شاء الله- موضوع الباب الثاني من هذا البحث، ولكن قبل ذلك أرى من المناسب تثبيت الملاحظة المهمة الآتية:
ما علاقة الفقيه بالآية؟
إن الخمس المذكور في الآية هو الخمس بمعناه العام، وبغض النظر عن كون اللفظ يحتمل خمس المكاسب أم لا؟ فإن القائل بهذا الخمس، حتى يتسنى له الاحتجاج بالآية، عليه أن يثبت أولاً علاقة الفقيه بخمس المكاسب من الآية الكريمة نفسها لا من غيرها! أو بمعنى آخر عليه أن يجيب عن السؤال الآتي:
ما الذي أدخل الفقيه في موضوع الآية؟! وما الدليل القرآني الذي يلزم المسلم بدفع خمس أمواله ومكاسبه إلى الفقيه بالذات؟ وما مدى شرعية أخذ الفقيه لهذه الأموال؟ وبأي حق؟
كل هذا عليه أن يجيب عنه من خلال الآية نفسها حتى يتسنى له الاحتجاج بها. فإن ورود الخمس في الآية بمعناه العام شيء ودخول الفقيه في موضوعها شيء آخر تماماً، إنه معنى خاص زائد عن كون الخمس هنا خمس المكاسب أو الغنائم؟ والآية لا تشير إليه حتى مجرد إشارة، ولا يشم له منها أدنى رائحة! وقد ورد فيها ذكر ستة أصناف ليس من بينهم الفقيه... فما علاقته بالآية؟!