يُعد الوحي أعظم صلة بين الخالق والمخلوق، وبه اختص الله أنبياءه ورسله لتبليغ شرعه وهدايته لعباده.
وقد جاء لفظ الوحي في اللغة بدلالات متعددة، منها الإشارة والإلهام والكتابة، ثم خُصَّ في الشرع بمعنى أعظم، هو إعلام الله لأنبيائه بما يشاء من وحي وتشريع. وفي هذا المقال نستعرض تعريف الوحي لغة وشرعًا، ونبين أنواعه ومراتبه كما وردت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
يتناول المقال التعريف اللغوي للوحي باعتباره الإعلام السريع الخفي الذي يشمل الإشارة والكتابة والإلهام، ثم يوضح أن الوحي لا يختص بالأنبياء فقط، بل يشمل الإلهام لأم موسى، والغريزة للنحل، والإشارة لزكريا، ووسوسة الشيطان، وأوامر الله لملائكته. ثم يبيّن المقال التعريف الشرعي للوحي باعتباره إعلام الله لأنبيائه بما يشاء من الشرع والكتاب، سواء بغير واسطة كما في إلقاء المعنى في القلب أو التكليم من وراء حجاب، أو بواسطة الملك كما كان نزول جبريل عليه السلام بالقرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم. كما يسلط المقال الضوء على مراتب الوحي الثلاث المذكورة في سورة الشورى، مع ذكر الأمثلة القرآنية والحديثية عليها
اخترنا لكم أهم مقالات السقيفة:
هل ورّث النبي ﷺ علم الغيب للأئمة فقط؟
تمهيد في تعريف الوحي لغة وشرعا وبيان أنواعه التعريف اللغوي:
الوحي في اللغة:
هو الإعلام السريع الخفي.
ويطلق الوحي على: الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام. وكل ما ألقيته على غيرك حتى علمه فهو وحي كيف كان وهو لا يختص بالأنبياء ولا بكونه من عند الله تعالى.
والوحي بمعناه اللغوي يتناول:
1- الإلهام الفطري للإنسان كالوحي لأم موسى. قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص: 7].
2- الإلهام الغريزي للحيوان كالوحي إلى النحل. قال تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا﴾ [النحل: 68].
3- الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيحاء، كإيحاء زكريا لقومه. قال تعالى ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: 11].
4- وسوسة الشيطان وتزيين الشر في نفوس أوليائه. قال تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ [الأنعام: 121].
5- ما يلقيه الله تعالى إلى ملائكته من أمر ليفعلوه. قال تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الأنفال: 12].
التعريف الشرعي:
هو " إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب بواسطة أو غير واسطة ".
أنواع الوحي:
لتلقي الوحي من الله تعالى طرق بينها الله تعالى بقوله في سورة الشورى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: 51].
فأخبر الله تعالى أن تكليمه ووحيه للبشر يقع على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: الوحي المجرد وهو ما يقذفه الله في قلب الموحى إليه مما أراد بحيث لا يشك فيه أنه من الله.
ودليله قوله تعالى: ﴿إِلَّا وَحْيًا﴾ [الشورى: 51].
ومثال ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن روح القدس نفث في روعي لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي وابن ماجه في سننه وغيرهم (1).
وألحق بعض أهل العلم بهذا القسم رؤى الأنبياء في المنام كرؤيا إبراهيم عليه السلام على ما أخبر الله عنه في قوله: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ [الصافات: 102] وكرؤى النبي صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة على ما روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح» (1).
المرتبة الثانية: التكليم من وراء حجاب بلا واسطة كما ثبت ذلك لبعض الرسل والأنبياء كتكليم الله تعالى لموسى على ما أخبر الله به في أكثر من موضع من كتابه. قال تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: 164] وقال: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ [الأعراف: 143] وكتكليم الله لآدم. قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ [البقرة: 37] وكتكليم الله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء على ما هو ثابت في السنة. ودليل هذه المرتبة من الآية قوله تعالى: ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى: 51].
المرتبة الثالثة: الوحي بواسطة الملك. ودليله قوله تعالى: ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ [الشورى: 51]. وهذا كنزول جبريل عليه السلام بالوحي من الله على الأنبياء والرسل.
والقرآن كله نزل بهذه الطريقة تكلم الله به، وسمعه جبريل عليه السلام من الله عز وجل، وبلغه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ - نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [الشعراء: 192-194].
وقال تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ [النحل: 102]
اصول الايمان في ضوء الكتاب والسنة ج 1 ص 121 – 125