الشيخ عبد الرحمن بن محمد سعيد دمشقية
في زمانٍ اشتدت فيه غربة التوحيد، وظهر فيه من يُزيِّن الباطل بلباس الحق، كان لزامًا على أهل السنة أن يكشفوا تلبيس الملبسين، الذين يدسون السم في الدسم، فيُجمِّلون الشركَ بألفاظٍ براقةٍ كـ"التوسل" و"الشفاعة"، ليُقرِّبوا ضلالهم إلى العوام فيستسيغونه دون وعيٍ أو إدراكٍ لحقيقته.
لقد أفسد هؤلاء المفاهيم الشرعية، فبدّلوا اللغة كما بدّلوا الشريعة، وجعلوا من ألفاظ الدين جسراً إلى الشرك، فقالوا "توسلنا" و"استغثنا" بغير الله، وما دروا أن تلك الألفاظ وإن تزيّنت في ظاهرها، فهي في حقيقتها عبادةٌ لغير الله.
ومن هنا، وجب التنبيه والتحذير من هؤلاء الذين ساروا على نهج المشركين الأولين في تلبيس الحق بالباطل، وورثوا عنهم سوء الفهم والضلال المبين.
| 
			 يقول الشيخ عبد الرحمن بن محمد سعيد دمشقية:  | 
		
أحذر الذين يضعون السم في الدسم؛ يسمون الشرك والاستغاثة بغير الله توسلاً، وقد بدلوا اللغة كما بدلوا الشريعة. يستعملون ألفاظاً شرعية ويجعلونها طُعماً، ويختارون لها معاني غير شرعية لتقريب شركهم إلى العوام، فيستسيغونها ويألفونها ولا ينفرون منها، وهم يرجون أن لا يكشف الناس هذه الحقيقة وهذا التلبيس، فسحقاً لمن ورث اليهود في تلبيس الحق بالباطل.
لذا كان من الواجب الاعتناء بالألفاظ الشرعية ومعرفة معانيها وما أراد الشارع منها لكل من يجاهد هؤلاء، بل لكل مسلم، حتى لا تختلط المفاهيم ويتمكن المبطلون من التلبيس، الذين ضيّقوا معنى العبادة حتى صار مفهومها قاصراً على السجود، وأفرغوا منها معانيها العظيمة: الدعاء والاستغاثة والنذر والذبح.
وهم وإن زعموا أن استغاثتهم توسلاً، فليس بأمانيهم، إذ تبديل الألفاظ لا يغيِّر من الحقيقة شيئاً، فإن العبرة بالحقائق لا بالتسميات، كما أن الحقائق لا تتبدل بتبدل أسمائها، فالحكم يدور مع الحقيقة وجوداً وعدماً.
إنهم يتعلقون بالأسماء ويغيرون حقائق النصوص، قد خالفوا المشركين في التسمية ووافقوهم في الحقيقة، كما عبد المشركون الأوائل من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم، وقالوا: ﴿هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ﴾ [يونس، 18].
فسمّوا شركهم (شفاعة)، ولم يرتضِ اللهُ هذه التسمية، بل سماها شركاً. ثم جاء بعدهم من لم يعرف حقيقة جاهليتهم، فنحا نحوهم، وسمّى – مثلهم – الشركَ توسلاً وشفاعة.
| 
			 توثيق ونقل عن العلماء:  | 
		
قال محمد علاء الدين الحصكفي فيمن نذر لغير الله:
"واعلم أن النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام، وما يُؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء الكرام تقرّباً إليهم، هو بالإجماع باطل وحرام."
رد المحتار مع حاشية ابن عابدين 2 / 439
| 
			 وقال ابن عابدين شارحاً هذا النص:  | 
		
"قوله (باطل وحرام) لوجوه، منها: أنه نذر لمخلوق، والنذر لمخلوق لا يجوز، لأنه عبادة، والعبادة لا تكون لمخلوق، ومنها أن المنذور له ميت، والميت لا يملك..."
حاشية ابن عابدين على رد المحتار 2 / 440 – 449)
| 
			 المصادر:  | 
		
1) عبد الرحمن بن محمد سعيد دمشقية – مقالات في العقيدة والتوحيد.
2) القرآن الكريم – سورة يونس، الآية (18).
3) محمد علاء الدين الحصكفي – رد المحتار على الدر المختار، ج2، ص439.
4) ابن عابدين – حاشية ابن عابدين على رد المحتار، ج2، ص440–449.
5) كتب العقيدة السلفية في بيان التوحيد والشرك.