إن من الآيات المحكمة التي تُبيِّن منهج الإسلام في طاعة الله ورسوله وأولي الأمر، قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].
وقد حملت هذه الآية دلالات واضحة على وجوب طاعة ولاة الأمور من المسلمين ما داموا ملتزمين بطاعة الله ورسوله، غير أن الشيعة الإمامية أثاروا حولها شبهة كبيرة، فزعموا أن "أولي الأمر" لا يشمل عامة ولاة المسلمين، بل هو حكر على الأئمة الاثني عشر المعصومين عندهم.
ومن الأخطاء الكبرى في تفسيرهم لهذه الآية الكريمة، زعمهم أن "أولي الأمر" هم أشخاص معينون معصومون، بينما تدل كلمة "منكم" في الآية دلالة صريحة على أنهم من عامة المؤمنين، لا يتميزون بعصمة ولا منزلة نبوة أو اصطفاء.
أولًا: دلالة لفظ "منكم" في الآية
لفظ "منكم" يدل على أن أولي الأمر هم من المؤمنين، من الأمة نفسها، وليسوا مفارقين لها في المنزلة أو الخلقة أو الاصطفاء، بل هم منها وإليها. فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي»، دل ذلك على أن طاعة ولاة الأمر من أهل السنة والجماعة هي طاعة لله ضمنًا، طالما كانت في المعروف.
ولو كان المراد بأولي الأمر أشخاصًا مخصوصين معصومين، لجاء النص صريحًا بأسمائهم أو صفاتهم الخاصة. لكنّ القرآن الكريم بيّن أنهم "منكم"، أي أنكم تعرفونهم وتعيشون بينهم.
ثانيًا: لا عصمة لأولـي الأمـر
من المعروف في عقيدة أهل السنة والجماعة أن العصمة لا تكون إلا للأنبياء، فهي صفة استثنائية اصطفاهم الله بها، أما غير الأنبياء من الناس، فلا عصمة لهم.
ولهذا فإن ولاة الأمر من الأمة ليسوا معصومين، بل قد يُصيبون ويُخطئون، ولهذا جاء التقييد في الطاعة: "في غير معصية"، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» [رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني].
وقد ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى بوضوح، فقال:
"لأن الله لم يجعل العصمة عند تنازع المسلمين إلا في الرد إلى الكتاب والسنة، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى" [مجموع الفتاوى، ج32، ص120].
ثالثًا: تطبيق الآية في حياة الأمة
إن قول الله تعالى: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59]، يدل على أن حلّ النزاع يكون بالرجوع إلى الكتاب والسنة، ولم يذكر الله عز وجل الرد إلى أولي الأمر، مع أنهم مذكورون في صدر الآية، وذلك لأنهم قد يُخطئون، فكان المرجع عند التنازع هو الوحي المعصوم، لا الأشخاص.
وقد بيّن الإمام ابن القيم رحمه الله هذا المعنى فقال:
"إن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرد إليه نفسه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته" [إعلام الموقعين، ج1، ص39].
رابعًا: رد الشبهة الإمامية حول غياب الإمام
تزعم الشيعة الإمامية أن "أولي الأمر" في الآية هم الأئمة الاثنا عشر، ولكن يُطرح هنا سؤال جوهري ينسف هذا الزعم:
أين هو الإمام المعصوم الذي نرجع إليه الآن؟
فالواقع أن الإمامية أنفسهم يقولون إن الإمام الثاني عشر غائب منذ أكثر من ألف عام، فلماذا لم يُبيِّن الله في كتابه أن الآية لا تُطبّق في زمن الغيبة؟!
هل يعقل أن تتوقف الأمة عن العمل بآية من كتاب الله طيلة قرون بسبب غياب شخص لا دليل قطعي على وجوده أصلاً؟!
وهل يُعقل أن يطلب الله من المؤمنين الرجوع إلى من لا يُعرف ولا يُرى؟!
إن ذلك يُسقط الآية من التطبيق العملي، ويجعلها حبيسة فكر خيالي، وهذا منافٍ لحكمة الله وعدله.
خامسًا: أهل السنة يطبقون الآية عمليًا
لقد طبّق الصحابة والتابعون والفقهاء هذه الآية عمليًا، فكانوا يرجعون إلى ولاة الأمور المعروفين من بينهم، ويطيعونهم ما داموا يحكمون بشرع الله، ويردّون النزاع إلى الكتاب والسنة.
فلو كانت "أولي الأمر" تعني فقط المعصومين، لما جاز العمل بها بعد وفاة آخر إمام معروف، ولكان الناس بلا مرجع، وهذا يناقض نصوص الشريعة.
سادسًا: أهمية عدم تحريف النصوص
تحريف معاني الآيات أو تأويلها بما يخالف مقاصدها فيه طعن في عدالة القرآن وبيانه، وهذا منهج خطير يُخرج النصوص من إطارها الشرعي إلى إطار باطني غامض يخدم طائفة معينة.
إن استخدام بعض علماء الشيعة آلية التأويل الغالي وتحميل الألفاظ ما لا تحتمل، هو ما جعلهم يقعون في تحريف المعاني، وليس النص فقط.
فالعصمة، والرجوع إلى إمام غائب، وتأويل "منكم" بمعنى "من المعصومين فقط"، كلها تأويلات مرفوضة لا سند لها لا من اللغة، ولا من الأثر، ولا من المعقول.
الخلاصة:
• الآية الكريمة تُبيِّن بوضوح أن "أولي الأمر" هم من المؤمنين، وليسوا معصومين.
• لا يوجد دليل صريح أو ضمني على أن الآية خاصة بالأئمة الاثني عشر.
• غياب الإمام المزعوم نسف عملي لتطبيق الآية بحسب زعم الشيعة.
• الرد عند التنازع يكون إلى الكتاب والسنة، لا إلى شخص غائب مجهول.
• طاعة أولي الأمر عند أهل السنة مرتبطة بطاعتهم لله ورسوله، وليست مطلقة.
المصادر:
• القرآن الكريم.
• إعلام الموقعين، ابن القيم، ج1، ص39.
• مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج32، ص120.
• منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، ج3.
• تفسير الطبري، تفسير آية الطاعة.
• نهج البلاغة، ج2، ص5.
• موطأ مالك، باب الاعتصام بالكتاب والسنة.
• صحيح مسلم، كتاب الإمارة.
• روايات الإمامية في كتبهم حول الإمامة والعصمة.