استكمالًا للحديث السابق والتي تتناول شبهات حول عثمان رضي الله عنه والرد عليها نستكمل الرد على الشبهات التالية.

الشبهة السادسة: اتهام عثمان بأنه أمر بقتل محمد بن أبي بكر

نص الشبهة:

 يزعم بعض الطاعنين أن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه أمر بقتل محمد بن أبي بكر الصديق.

الرد التفصيلي:

 هذا الادعاء باطل لا أصل له من الصحة، ويكذبه كل من له اطلاع على سيرة عثمان رضي الله عنه. فقد كان عثمان من أكثر الناس حلمًا ولينًا، ولم يُعرف عنه قط أنه أمر بقتل أحد من الداخلين عليه، بل العكس، عندما اجتمع عليه المفسدون ودخلوا داره، كان محمد بن أبي بكر ممن دخل، ومع ذلك لم يأمر الخليفة العادل بقتالهم حتى دفاعًا عن نفسه. وهذا دليل قاطع على براءته من دم محمد بن أبي بكر أو غيره من الداخلين.

قال ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" (6/244-245): "هذا من الكذب المعلوم على عثمان، وكل ذي علم بحال عثمان وإنصاف له، يعلم أنه لم يكن ممن يأمر بقتل محمد بن أبي بكر ولا أمثاله، ولا عُرف منه قط أنه قتل أحدًا من هذا الضرب...

فكيف يبتدئ بقتل معصوم الدم؟!".

الشبهة السابعة: تسليم عثمان مقاليد أمره إلى مروان بن الحكم

نص الشبهة:

يزعم الطاعنون أن عثمان بن عفان رضي الله عنه ولى مروان أمره، وسلم إليه الخاتم، وكان ذلك من أسباب مقتله ووقوع الفتنة الكبرى.

الرد التفصيلي: الرد على هذه الشبهة من وجهين:

أولًا: الفتنة التي أدت إلى مقتل عثمان رضي الله عنه لم تكن بسبب مروان وحده، بل كانت نتيجة عوامل متعددة، شارك فيها عدة أطراف. صحيح أن بعض التصرفات المنكرة صدرت من مروان، لكن عثمان لم يكن على علم بجميع ما يفعلونه باسمه، بل كان يأمر أحيانًا بعزلهم وتأديبهم. وقد كبر سنه وضعفت سيطرته على بعض الأمور الإدارية، ومع ذلك، عندما قدم المتمردون شكاواهم، قابلهم عثمان بحلم، وأجابهم إلى ما طلبوا، حتى إنه عرض عزل من أرادوا عزله، وتقديم مفاتيح بيت المال إلى من يرضونه، وعدم التصرف فيه إلا بمشورة الصحابة.

وهذا ما أشارت إليه عائشة رضي الله عنها بقولها: "مصصتموه كما يُمص الثوب، ثم عمدتم إليه فقتلتموه".

ثانيًا: بعض الروايات تقول إن مروان زوّر كتابًا على لسان عثمان بقتل وفد المعترضين، وقد أنكَر عثمان هذا الكتاب، وأقسم أنه لم يكتبه. فحتى لو صدق هذا الزعم، فإن غايته أن يكون مروان قد أخطأ، لكن ذلك لا يبيح قتل عثمان. كما أن القاعدة الشرعية تقر بأن من سعى في القتل ولم ينجز الفعل، لا يُقتل، بل يعزر.

قال ابن تيمية: "ما كان يجب قتل مروان بمثل هذا، نعم، ينبغي تأخيره وتأديبه، أما الدم فأمر عظيم" (منهاج السنة 6/ 248-249).

الشبهة الثامنة: اتهام عثمان بإيثار أهله بالمال من بيت المال

نص الشبهة:

يدعي بعض الطاعنين أن عثمان رضي الله عنه أعطى أقاربه أموالًا طائلة من بيت المال، فوصل العطاء لبعضهم إلى مئات الآلاف من الدنانير.

الرد التفصيلي:

  هذا الادعاء غير ثابت ويخالف المنقول والمعقول.

أولًا: لا يوجد نص صحيح يُثبت أن عثمان أعطى أقاربه تلك المبالغ الضخمة المذكورة، مثل الأربعمائة ألف دينار، أو مليون دينار.

ثانيًا: هذا من الكذب البيِّن؛ فلم يُعهد عن الخلفاء الراشدين جميعًا، ومنهم عثمان، أنهم أعطوا من بيت المال هذا القدر لأحد.

ثالثًا: لو كان عثمان يعطي أهله، فقد كان يعطي غيرهم كذلك، وكان عطاؤه واسعًا لكل فئات المسلمين. كما أن معاوية بن أبي سفيان أعطى أحيانًا أموالًا طائلة في التأليف، ولم يُنكر عليه ذلك.

قال ابن تيمية: "ذكروا أن معاوية أعطى الحسن بن علي مائة ألف أو ثلاثمائة ألف درهم، ومع هذا لم يعطِ أحدًا قدر هذا قط، فما ذكر في عثمان باطل" (منهاج السنة 6/ 249-250).

الشبهة التاسعة: نفي أبي ذر الغفاري وضربه

نص الشبهة:

يزعم الطاعنون أن عثمان رضي الله عنه نفى الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري إلى الرّبذة، وضربه ضربًا شديدًا.

الرد التفصيلي: الرد على هذه الشبهة من عدة أوجه:

أولًا: أبو ذر رضي الله عنه اختار الإقامة في الربذة بمحض إرادته، ولم يُنفه عثمان قهرًا. وقد روى البخاري عن زيد بن وهب أن أبا ذر قال: "إن عثمان قال لي: إن شئت تنحيتَ قريبًا، فذاك الذي أنزلني هذا المنزل".

ثانيًا: أبو ذر كان له مذهب في المال والزهد يختلف عن عامة الصحابة، فكان يرى أن كل مال زائد عن الحاجة كنز يعاقب عليه صاحبه، وكان يعارض في ذلك حتى الخليفة، مع اجتهاده.

ثالثًا: الحديث الذي يستدل به بعضهم في فضل أبي ذر ويزعم أنه يوجب العصمة له، وهو "إن الله يحب أربعة من أصحابي..."، حديث لا يصح، بل هو موضوع كما قال ابن تيمية (منهاج السنة 6/271).

رابعًا: الروايات الثابتة في تاريخ المدينة لابن شبة تُثبت أن أبا ذر خرج برضاه، وعثمان رضي الله عنه عرض عليه أن يقيم بالمدينة ويُعطى من الصدقة، فأبى.

قال الحسن البصري كما رواه ابن شبة: "معاذ الله أن يكون عثمان أخرج أبا ذر" (تاريخ المدينة 1037).

الشبهة العاشرة: ترك القصاص من عبيد الله بن عمر بعد قتله الهرمزان

نص الشبهة:

يزعم الطاعنون أن عثمان رضي الله عنه ضيَّع حدود الله، ولم يقتص من عبيد الله بن عمر حين قتل الهرمزان.

الرد التفصيلي: هذه شبهة باطلة، وتُرد من عدة أوجه:

أولًا: الهرمزان لم يكن مولى لعلي، بل كان أحد قادة الفرس الذين أسلموا بعد الأسر، فإن وُجد له ولاء فهو للمسلمين عامة أو لعمر.

ثانيًا: عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان متأولًا، ظانًا أنه أحد المتآمرين في مقتل أبيه عمر بن الخطاب، لما كان بينه وبين أبي لؤلؤة المجوسي مودة، وشوهد في موقع الجريمة.

ثالثًا: المسألة اجتهادية؛ لأن عبيد الله كان يعتقد أنه يثأر لأبيه، وقد استشار عثمان الصحابة، فأشار عليه بعضهم بعدم قتله لئلا يفتن الناس.

رابعًا: عثمان لم يترك القصاص استهانة بالدماء، بل رآى أن العفو أقرب للمصلحة، وقد دفع ديته من ماله الخاص، وسدد دين عمر بذلك، وهذا من مناقبه لا منقصة له.

قال ابن تيمية: "إذا أعان بها في دين عمر، كان هذا من محاسن عثمان التي يمدح بها لا يذم" (منهاج السنة 6/281).

الشبهة الحادية عشرة: ابتداع الأذان الثاني يوم الجمعة

نص الشبهة:

يزعم الطاعنون أن عثمان بن عفان رضي الله عنه ابتدع أذانًا ثانيًا يوم الجمعة، وهو بدعة.

الرد التفصيلي:  

هذا الفعل من عثمان من سنن الخلفاء الراشدين، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وعثمان زاد الأذان الثاني عندما كثر الناس، وكان القصد منه التنبيه على قرب وقت الصلاة، وهذا من المصالح المرسلة التي تدخل في باب السياسة الشرعية، ولم يُنكر عليه أحد من الصحابة.

بل إن علي بن أبي طالب أقر هذا الأذان بعد خلافته، ولم يأمر بإزالته.

قال ابن تيمية: "من العجب أن الشيعة تنكر على عثمان فعلًا اتفق عليه الصحابة، وهم يبتدعون في الأذان ما لم يُعرف" (منهاج السنة 6/290-294).

الشبهة الثانية عشرة: غياب عثمان عن بدر، وأحد، والرضوان

نص الشبهة:

يزعم الطاعنون أن عثمان تغيب عن غزوة بدر، وفرّ يوم أحد، ولم يشهد بيعة الرضوان.

الرد التفصيلي:

  روى البخاري حديثًا طويلًا عن ابن عمر، يوضح فيه الأسباب الشرعية لتغيب عثمان:

عن بدر: كانت زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مريضة، فأمره النبي بالبقاء إلى جوارها، وقال له: "لك أجر من شهد بدرًا وسهمه".

عن أحد: ثبت أن عثمان فرّ مع من فر، وقد عفا الله عنهم بنص القرآن.

عن بيعة الرضوان: بعثه النبي إلى قريش للتفاوض، ولما شاع أنه قُتل، بايع النبي عنه بيده وقال: "هذه يد عثمان".

وبهذا تسقط هذه الشبهة من أصلها.

(البخاري حديث: 4066)