السؤال:                                            

س 6 / ما اعتقادُ شيوخ المذهب الشيعيِّ في تأويلِ القرآن؟

 الجواب:                                             

أولاً: يعتقدُ شيوخُ الشيعةِ أنَّ للقرآن معاني باطنة تُخالفُ الظاهر:

ولهذا يروون عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعن عليٍّ رضي الله عنه أنهما قالا - وحاشاهما -: (إنَّ للقرآن ظهراً وبطناً)[1].

التعليق:

إنَّ الدافعَ لعلماءِ الشيعةِ لهذا الاعتقادِ هو: أنَّ كتابَ الله تعالى خَلاَ من ذكر أئمتهم الاثني عشر، ومن النصِّ على أعدائهم من صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر أقضَّ مَضاجعَ شيوخ الشيعة، وأفسدَ عليهم أمرَهُم، وهم مَعَ ذلكَ قد صرَّحوا بأنَّ القرآنَ قد خَلاَ من ذكر أئمتهم، فروى العيَّاشي: (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو قد قُرءَ القرآنُ كما أُنزلَ لألفيتنا فيه مُسَّمين)[2]

وانظر هداني اللهُ تعالى وإياكَ سَواءَ السبيل:

في بداية الأمر: أن هناك معنى ظاهراً واحداً للآية وواحداً باطناً!

ثم تطوَّر الأمرُ فقالوا: (إنَّ للقرآن ظهراً وبطناً ولبطنه بطنٌ إلى سبعة أبطن)[3]

     ثمَّ طاشت تقديرات شيوخ المذهب الشيعي فقالوا: (إنَّ من أبين الأشياء وأظهرها، وأوضح الأمور وأشهرها: أنَّ لكلِّ آية من كلام الله المجيد، وكل فقرة من كتاب الله الحميد ظهراً وبطناً، وتفسيراً وتأويلاً، بل لكلِّ واحدةٍ منها كما يَظهرُ من الأخبار المستفيضةِ: سبعة بطونٍ وسبعون بطناً، وقد دلَّت أحاديث متكاثرة كادت أن تكون متواترة على أن بطونها وتأويلها بل كثيراً من تنزيلها وتفسيرها في فضل شأن السادة الأطهار، وإظهار جلالة حال القادة الأخيار، أعني النبي المختار وآله الأئمة الأبرار، عليهم صلوات الملك الغفار، بل الحقَّ الْمُتبين والصدق المبين، كما لا يخفى على البصير الخبير، بأسرار كلام العليم القدير، المرتوي من عيون علوم أمناء الحكيم الكبير، أنَّ أكثر آيات الفضل والإنعام والمدح والإكرام، بل كلُّها فيهم وفي أوليائهم نزلَت، وأن جُل فقرات التوبيخ والتشنيع، والتهديد والتفظيع، بل جملتها في مخالفيهم وأعدائهم وردت... وأنَّ الله عزَّ وجلَّ جعلَ جملةَ بطن القرآن في دعوة الإمامة والولاية، كما جعلَ جُلَّ ظهره في دعوة التوحيد والنبوة والرسالة)[4].

ثانياً: يعتقدون بأنَّ جُلَّ القرآن نزلَ فيهم وفي أعدائهم من الصحابة:

يقولُ شيخهم الفيض الكاشاني ت1091: (جُلُّ القرآن إنما نزل فيهم، وفي أوليائهم وأعدائهم)[5].

     بل زعمَ شيخهم هاشم بن سليمان البحراني الكتكاني ت 1107 بأنَّ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه ذُكرَ وحده في القرآن (1154 مرَّة) وألَّفَ كتاباً سمَّاه: اللوامع النورانية في أسماء عليٍّ عليه السلام وأهل بيته القرآنية، وقد طُبعَ في المطبعة العلمية بقم، عام 1394.

     التعليق:

أيها القارئُ المنصفُ: لو تصفَّحتَ القرآنَ الكريم، وأخذتَ مَعَكَ جميعَ قواميس اللغة العربية، لَمَـا وجدتَ اسم واحدٍ من أئمتهم الاثني عشر!!.

     ثمَّ تطوَّر الأمرُ عند شيوخ الشيعة كما هي عادتهم في التطوُّر في الوضع والكذب؟ فقسَّموا القرآن أربعة أقسام، فقال حُجَّتهم الكليني: (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنَّ القرآنَ نزلَ أربعةَ أرباعٍ: رُبُعٌ حَلاَلٌ، وَرُبُعٌ حَرامٌ، وَرُبُعٌ سُـنَنٌ وأحكامٌ، وَرُبُعٌ خَبرُ ما كانَ قبلكم، وَنبأُ ما يكونُ بعدكم، وفصلُ ما بينكم)[6].

التعليق: أينَ ذكرُ الأئمةِ الاثني عشر؟

حاولَ بعضُ شيوخ المذهب الشيعي تداركَ هذا الأمر، حيث لَم يُذكر أئمتهم الاثني عشر في الرواية السابقة، فأصدرَ شيخُهم الكليني روايةً تقول: (عن الأصبغ بن نُباتةَ قالَ: سمعتُ أميرَ المؤمنينَ عليه السلام يقولُ: نزلَ القرآنُ أثلاثاً: ثلُثٌ فينا وفي عَدُوِّنا، وثلُثٌ سُنَنٌ وأمثالٌ، وثلثٌ فرائضُ وأحكامٌ)[7].

     ثم تداركَ شيوخهم فزادوا في النصيب، فقالوا: (عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزَلَ القرآنُ أربعةَ أرباع: رُبُعٌ فينا، ورُبُعٌ في عدوِّنا، وربعٌ سُننٌ وأمثالٌ، وربعٌ فرائضُ وأحكامٌ)[8].

     ولاحظَ بعضُ المسلمين أنه ليسَ للأئمةِ ميزة يَنفردون بها في القرآن عَن مخالفيهم بالنسبة لهذا التقسيم، فتفطَّنَ لذلك شيخُهم العياشي، فأصدرَ روايةً رابعةً بنفس النصِّ السابق إلاَّ أنه زادَ فيها: (ولنا كرائمُ القرآن)[9]، وقد أشارَ إلى ذلك صاحبُ تفسير الصافي، فقال: (وزادَ العياشيُّ: ولنا كرائم القرآن)[10].


[1] تفسير الصافي لمحمد الكاشاني ت1091 ج1/30-31 (المقدمة الرابعة : في نُبذ مما جاء في معاني وجوه الآيات وتحقيق القول في المتشابه وتأويله).

[2] تفسير العياشي ج1/25 ح4 (ما عني به الأئمة من القرآن).

[3] عوالي اللآلئ العزيزية في الأحاديث الدينية لابن أبي جمهور الأحسائي من شيوخهم في القرن العاشر ج4/107 (الجملة الثانية : في الأحاديث المتعلقة بالعلم وأهله وحامليه)، تفسير الصافي ج1/31 (المقدمة الرابعة: في نُبذ مما جاء في معاني وجوه الآيات وتحقيق القول في المتشابه وتأويله).

[4] مقدمة تفسير البرهان المسماة بمرآة الأنوار ومشكاة الأسرار ص5 لعلي بن محمد الفتوني العاملي ت1140. وَوَصَفَ شيوخهم صاحبهم الفتوني : (بالحجة، وأن كتابه لَم يُعمل ولم يُكتب مثله) يُنظر : مستدرك الوسائل ج3/385، الذريعة ج20/264 رقم 2893، (وأنه من أعظم فقهائهم المتأخرين) يُنظر : روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات ص658 لمحمد باقر الخوانساري المتوفى سنة 1313.

[5] تفسير الصافي ج1/24 (المقدمة الثالثة : في نُبذ مما جاء في أن جلَّ القرآن إنما نزل فيهم وفي أوليائهم وأعدائهم وبيان سرّ ذلك).

[6] أصول الكافي ج2/822 (كتاب فضل القرآن ح3 باب النوادر).

[7] أصول الكافي ج2/822 (كتاب فضل القرآن ح2 باب النوادر)، اللوامع النورانية في أسماء عليٍّ عليه السلام وأهل بيته القرآنية ص25 لهاشم بن سليمان البحراني ت1107.

[8] أصول الكافي 2/822 (كتاب فضل القرآن ح4 باب النوادر).

[9] تفسير العياشي ج1/20 ح1 (فيما أُنزلَ القرآن).

[10]تفسير الصافي ج1/24 (المقدمة الثالثة : في نبذ مما جاء في أن جلَّ القرآن إنما نزل فيهم وفي أوليائهم وأعدائهم وبيان سرّ ذلك).