| 
			 مقدمة: ضلالات الفرق وتبيان الحق في ميراث الأنبياء:  | 
		
إنّ الإسلام، وهو خاتم الرسالات السماوية، قد حظي بحفظ إلهي لقرآنه وسنة نبيه، ما جعله عصيًّا على التحريف الجذري. ومع ذلك، ظهرت عبر التاريخ فرقٌ ضالة انحرفت عن صراط أهل السنة والجماعة، ووضعت لنفسها من الأحاديث الباطلة أو الشروحات الزائفة ما يخدم مصالحها العقدية والسياسية، وعلى رأسها قضية الخلافة والإمامة التي تطلبت منهم إثبات حق مادي في الوراثة، مخالفين بذلك صريح النصوص النبوية. من أبرز هذه الفرق التي تتبنى مثل هذه التأويلات، تلك التي تسعى إلى تبرير ادعاءات مادية تتعلق بآل البيت، ومنها بعض طوائف الشيعة التي ليست من المسلمين، بل تُعدّ فرقًا ضالة لمفارقتها الأصول الجوهرية لاعتقاد المسلمين وتكذيبها للأحاديث المتواترة.
لذلك، يقدم هذا المقال تحليلًا مستفيضًا، بناءً على تفاسير أهل العلم، لتجلية المعنى الصحيح لقول زكريا عليه السلام في سورة مريم: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾، وذلك لردّ الشبهات التي تحاول تأويل الآية بوراثة المال، خلافًا لما ثبت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
| 
			 الأدلة التفسيرية على ميراث النبوة:  | 
		
تتفق غالبية تفاسير أهل السنة والجماعة على أن الوراثة التي قصدها نبي الله زكريا عليه السلام في دعائه لربه هي وراثة النبوة والعلم، وليست وراثة المال. وقد اعتمد المفسرون في ترجيح هذا القول على عدة وجوه وأدلة صريحة:
النص النبوي الصريح: القاعدة الكبرى:
إنّ الحجة القاطعة في هذا الباب هو ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا فهو صدقة».
وفي رواية: «لا نورث، ما تركنا فهو صدقة». هذا النص يمثل تخصيصًا نبويًا وقاعدة شرعية عامة لأحوال الأنبياء جميعًا.
ابن كثير: يؤكد أن هذا الحديث يوجب حمل قوله: ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي﴾ على ميراث النبوة، وهو ما يُفسر قوله: ﴿وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾، أي في النبوة، تمامًا كقوله: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ [النمل: 16]، الذي فُسِّر بوراثة النبوة والحكمة لا المال.
القرطبي: يشدد على أن هذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية، وأن كل قول يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو مدفوع مهجور.
الأنبياء أزهد الناس في المال
الأنبياء عليهم السلام هم أزهد الناس في الدنيا. كان زكريا عليه السلام نجارًا يأكل من كسب يده، ومثله لا يجمع المال، أو إنْ جمعه، فإنه لا يشغل باله بخوف وراثة أقاربه (مواليه) له.
ابن كثير: يذكر أن النبي أعظم منزلة من أن يأنف من وراثة عصباته له ويسأل ولدًا ليحوز ميراثه دونهم.
ابن الجوزي: يؤكد أنه لا يجوز أن يتأسف نبي الله على مصير ماله بعد موته إذا وصل إلى وارثه المستحق له شرعًا، فضلًا عن أنه لم يكن ذا مال.
وراثة آل يعقوب (الأنبياء)
تخصيص الميراث من آل يعقوب يرجح وراثة النبوة والعلم. لو كانت وراثة مال، لكانت معلومة ومستقرة في جميع الشرائع أن الولد يرث أباه، ولما كان في الإخبار بها فائدة عظيمة تستدعي الدعاء الخاص.
ابن كثير: يذكر أقوال التابعين (مجاهد، قتادة، الحسن، السدي، مالك) التي أجمعت على أن الوراثة هي العلم أو النبوة أو هما معًا.
الواحدي: يوجز المعنى بقوله: ﴿الْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾.
| 
			 رد الشبهة: وراثة المال بين الإثبات والرد:  | 
		
توجد رواية منسوبة لبعض المفسرين (كرواية عن أبي صالح عن ابن عباس، وبعض أقوال الحسن) التي تجمع بين ميراث المال وميراث النبوة، أو تقتصر على المال، ولكن هذه الأقوال ضعيفة أو مرجوحة أمام النص النبوي الصريح:
الشبهة
تمسك بعض الفرق الضالة (كبعض الشيعة) بهذه الأقوال المرجوحة التي تقول: "يرثني مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة"، أو أن زكريا خاف أن يرث مواليه (أقاربه) ماله. ويستخدمون ذلك لتأسيس حق مادي لأئمتهم بالوراثة الشرعية من النبي، ضاربين عرض الحائط بالحديث النبوي.
الرد والإبطال
المعارضة للحديث الصحيح: كما ذكر القرطبي وابن الجوزي، فإن هذه الأقوال لا تعارض الأحاديث الصحيحة التي نُقلت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم. فكل قول يخالف قوله صلى الله عليه وسلم هو مدفوع مهجور.
ضعف الإسناد: الأحاديث التي قد تُفهم منها وراثة المال (كالمرسلات المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرها ابن كثير) هي مرسلات لا تعارض الصحاح، مما يؤكد ضعف حجيتها.
العلم وسبب النزول: إن زكريا عليه السلام كان قلقًا على استمرارية الدين، حيث خاف من إهمال مواليه للدين وضياعه، فلجأ إلى الله طالبًا وليًا يقوم بأمر الدعوة والنبوة من بعده، لا خوفًا على جمع من المال كان يملكه.
| 
			 الخلاصة:  | 
		
التفسير الصحيح لـ ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾
| 
			 المفسر/الوجه  | 
			
			 الدليل أو الترجيح  | 
			
			 خلاصة المعنى المعتمد  | 
		
| 
			 ابن كثير  | 
			
			 الحديث النبوي: «نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا فهو صدقة».  | 
			
			 الوراثة هي وراثة النبوة، واستمرار للدعوة.  | 
		
| 
			 ابن الجوزي  | 
			
			 لا يجوز لنبي أن يتأسف على المال بعد موته؛ الأنبياء ليسوا أصحاب أموال.  | 
			
			 الوراثة هي وراثة العلم والحكمة، ونفي قطعي لوراثة المال.  | 
		
| 
			 القرطبي  | 
			
			 كل قول يخالف الحديث النبوي فهو مدفوع مهجور.  | 
			
			 الوراثة هي وراثة العلم والنبوة، وتخصيص العموم.  | 
		
| 
			 الجمهور  | 
			
			 تخصيص آل يعقوب (الأنبياء) يقتضي وراثة خاصة غير المال.  | 
			
			 وراثة العلم والنبوة والقيام بأمر الدين.  | 
		
| 
			 المصادر:  | 
		
1) تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم)، الجزء 5، صفحة 198، ط دار الكتب العلمية.
2) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي، الجزء 3، صفحة 120، ط دار الكتاب العربي.
3) تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، الجزء 11، صفحة 78، ط دار الكتب المصرية.
4) الوجيز للواحدي.