يُعَدُّ حديث النبي ﷺ: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» من الأحاديث العظيمة التي أولتها الأمة عنايةً بالغة عبر القرون، لما فيه من بيان مصادر الهداية بعد رسول الله ﷺ. وقد تلقّاه العلماء بالبحث والتحقيق روايةً ودرايةً، لِما تضمَّنه من توجيهٍ نبويٍّ جامع إلى الاعتصام بالوحيين وما يتصل بهما من الفهم الصحيح.

غير أن هذا الحديث – مع وضوح دلالته عند جمهور المحدثين وأهل السنة – صار موضعَ استدلالٍ متباين بين الفرق؛ ففريقٌ جعله دليلاً على حصر الهداية في فئةٍ مخصوصة من أهل البيت، وفريقٌ آخر فهمه فهماً أشمل وأقرب إلى لسان العرب وسياق النصوص الشرعية. ومن هنا تبرز أهمية الوقوف على معنى «العِترة» في اللغة والشرع، وبيان المراد النبوي بقوله ﷺ «لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض»، وذلك في ضوء أقوال أئمة الحديث، ومنهج أهل السنة والجماعة في الفهم والاستدلال.

يهدف هذا البحث إلى تجلية المفهوم الصحيح لحديث الثقلين، من حيث ثبوته، ودلالته، وحدود حجيّته، دون إفراطٍ يفضي إلى الغلو، ولا تفريطٍ يفضي إلى التمييع. كما يبيّن أنَّ التمسك بالعترة لا يعني الاتباع الأعمى للأفراد، بل الاقتداء بما أجمعت عليه من فهمٍ للكتاب والسنة، وهو ما دلَّت عليه أقوال كبار الأئمة كابن تيمية والألباني وغيرهما.

ومن خلال هذا العرض، يتضح الفرق بين الفهم اللغوي والشرعي للعترة كما قرره أئمة اللسان والحديث، وبين الفهم الضيّق الذي تبنّته بعض الفرق، كما يُكشف المعنى الحقيقي لقوله ﷺ «لن يتفرقا»، وأنه يراد به الاتفاق في المنهج والبيان، لا الملازمة الحسية للأشخاص أو الأعقاب.

في سنن الترمذي:

"حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا أن تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْأخر كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إلى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا"

قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

تحقيق الألباني:

 صحيح، المشكاة (6144)، الروض النضير (977 - 978)، الصحيحة (4 / 356 - 357) " صحيح وضعيف سنن الترمذي - محمد ناصر الدين الالباني - ج 8 ص 288

ولقد جاءت هذه الرواية بأسانيد اخرى، وقد استوعبها الإمام الالباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة، فالحديث صحيح والله أعلم.

بما إننا نقول بصحة الحديث، فيجب علينا أن نفهم معناه جيدًا، ثم نتعبد لله تعالى بهذا المفهوم من غير إفراط، ولا تفريط، فالتمييع، والغلو كلاهما مرفوض.

نبدأ بمعنى العترة الوارد في الحديث، وما معناها، ثم بعد ذلك نبين ما معنى لن يتفرقا.

لقد جاءت العترة في اللغة بمفهوم واسع.

 قال ابن دريد:

 "وعِتْرة الرجلُ: أهل بيته". وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: "عليكُنَّ عِتْرةَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)"

الاشتقاق – أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد – ج 1 ص 280

وقال الفيومي:

"(ع ت ر): الْعِتْرَةُ نَسْلُ الآنسَانِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أن الْعِتْرَةَ وَلَدُ الرَّجُلِ وَذُرِّيَّتُهُ وَعَقِبُهُ مِنْ صُلْبِهِ وَلَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ مِنْ الْعِتْرَةِ غَيْرَ ذَلِكَ وَيُقَالُ رَهْطُهُ الْأَدْنَوْنَ وَيُقَالُ أَقْرِبَاؤُهُ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ نَحْنُ عِتْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا وَبَيْضَتُهُ الَّتِي تَفَقَّأَتْ عَنْهُ وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ السِّكِّيتِ الْعِتْرَةُ وَالرَّهْطُ بِمَعْنًى وَرَهْطُ الرَّجُلِ قَوْمُهُ وَقَبِيلَتُهُ الْأَقْرَبُونَ "

المصباح المنير - ابو العباس أحمد بن محمد بن علي الفيومي - ج2 ص 391

فنرى أن المعنى اللغوي لا يخدم الرافضة في استشهادهم بالحديث من الناحية اللغوية، وذلك لأن الرافضة يحصرون العترة بفاطمة، وعلي، والحسن، والحسين رضي الله عنهم، وتسعة من ذرية الحسين رضي الله عنه بشكل عمودي بحيث إنهم يخرجون الكثير من ذرية الحسين رضي الله عنه غير هؤلاء التسعة، فمثلًا زيد، ومحمد الباقر كلاهما من أبناء علي بن الحسين زين العابدين رحمه الله، فيجعل الرافضة محمد الباقر رحمه الله من العترة، ويخرجون زيد بن علي رحمه الله من العترة، ومثل هذا الأمر تراه في ذرية الحسين رضي الله عنه من بعد زين العابدين، فلا يمكن أن يستقيم معنى العترة من الناحية اللغوية وفق معتقد الرافضة.

أما وفق الفهم السني فإن العترة لها مفهوم واسع، وذلك لأن الأدلة قد جاءت بذلك، وفي ضوء هذا المفهوم نستطيع إدخال الكثير في العترة، ولا يوجد عندنا أي إشكال، وأنبه إلى نقطة مهمة جدًا الا وهي: عدم قول أي أحد من علماء السنة بحصر مفهوم العترة وفق ما يقول به الرافضة، وهو حصرهم بعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم، وتسعة من ذرية الحسين رضي الله عنه بالشكل الذي يقولون به، وكذلك لم يقل أحد من أهل اللغة بهذا الحصر للعترة سواء ما يخص النبي صلى الله عليه واله وسلم، أو غيره.

واما معنى العترة المراد من قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في هذا الحديث الشريف.

 فهو كما قال الإمام الالباني: "واعلم أيها القارئ الكريم، أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة، ويلهجون بذلك كثيرًا، حتى يتوهم أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك، وهم جميعًا واهمون في ذلك.

 وبيانه من وجهين:

الأول: أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: "عترتي" أكثر مما يريده الشيعة، ولا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به، ألا وهو أن العترة فيهم هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم، وقد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه كحديث الترجمة: "عترتي أهل بيتي" وأهل بيته في الأصل هم "نساؤه صلى الله عليه وسلم وفيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا كما هو صريح قوله تعالى في (الأحزاب): {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}

بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا. وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة أن الله كان لطيفا خبيرا }، وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارًا لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه، وحديث الكساء وما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الآية ودخول علي وأهله فيها كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره، وكذلك حديث " العترة " قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته وعلي وأهله.

ولذلك قال التوربشتي - كما في " المرقاة " (5 / 600):

" عترة الرجل: أهل بيته ورهطه الأدنون، ولاستعمالهم " العترة " على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " أهل بيتي " ليعلم إنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه ".

والوجه الأخر: أن المقصود من " أهل البيت " إنما هم العلماء الصالحون منهم والمتمسكون بالكتاب والسنة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: "(العترة) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه وعلى التمسك بأمره". وذكر نحوه الشيخ علي القارئ في الموضع المشار إليه آنفا. ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله: "أن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه وحكمته. وبهذا يصلح أن يكون مقابلًا لكتاب الله سبحانه كما قال: {ويعلمهم الكتاب والحكمة}"

قلت: ومثله قوله تعالى في خطاب أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير المتقدمة: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}. فتبين أن المراد بـ (أهل البيت) المتمسكين منهم بسنته صلى الله عليه وسلم، فتكون هي المقصود بالذات في الحديث، ولذلك جعلها أحد (الثقلين) في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الأول وهو القرآن، وهو ما يشير إليه قول ابن الأثير في " النهاية": " سماهما (ثقلين) لأن الآخذ بهما (يعني الكتاب والسنة) والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس (ثقل)، فسماهما (ثقلين) إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما ".

قلت: والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القُرآنُ في هذا الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين... ". قال الشيخ القاريء (1 / 199): " فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي، فالإضافة إليهم، إما لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها "

سلسلة الأحاديث الصحيحة - أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني - ج 4 ص 260

وأما ما يتعلق بقوله صلى الله عليه واله وسلم (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، فالمعنى المراد من ذلك الاجماع لا أكثر، ومن المستحيل أن النبي صلى الله عليه واله وسلم يريد اعيانهم، فمن المعلوم أن عليا، والعباس، وجعفر بن ابي طالب، وامهات المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين، وابن عباس، وغيرهم الكثير من العترة رضي الله عنهم قد ماتوا، فمن قال أن النبي صلى الله عليه واله وسلم اراد الاعيان فهو مخطئ قطعا، فيكون المراد من ذلك هو عدم الافتراق المعنوي، وهو الاجماع المنعقد من العترة رضي الله عنهم فيبقى في الامة متداولا، ومعمولا به، كما أن القُرآنُ باق، ومعمول به، ومن المعلوم أن الاجماع لا يقوم الا على اساس الفهم من الكتاب والسنة النبوية المطهرة، فدل ذلك على أن الامر متعلق بالفهم المتفق عليه من العترة، فيكون هذا مساويا للتمسك بسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، والتمسك بسنة الخلفاء الراشدين يتعلق بفهمهم للشريعة، واتفاق سيرتهم التي يُفهم منها الاجماع.

 ولهذا قال شيخ الاسلام ابن تيمية:

 "وقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِ الإمام أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ فِي إجْمَاعِ الْخُلَفَاءِ وَفِي إجْمَاعِ الْعِتْرَةِ هَلْ هُوَ حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا؟ وَالصَّحِيحُ أن كِلَيْهِمَا حُجَّةٌ.

فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذ)ِ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي السُّنَنِ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابُ اللَّهِ وَعِتْرَتِي وَأَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَى الْحَوْضِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَكَذَلِكَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ هُوَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ "

مجموع الفتاوى - ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية - ج 28 ص 493

وقال في منهاج السنة:

 "أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنْ عِتْرَتِهِ: إِنَّهَا وَالْكِتَابُ لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيْهِ الْحَوْضَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ فَيَدُلُّ عَلَى أن إِجْمَاعَ الْعِتْرَةِ حُجَّةٌ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ لَكِنَّ الْعِتْرَةَ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ كُلُّهُمْ: وَلَدُ الْعَبَّاسِ، وَوَلَدُ عَلِيٍّ، وَوَلَدُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَسَائِرُ بَنِي أَبِي طَالِبٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَعَلِيٌّ وَحْدَهُ لَيْسَ هُوَ الْعِتْرَةَ، وَسَيِّدُ الْعِتْرَةِ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

يُبَيِّنُ ذَلِكَ أن عُلَمَاءَ الْعِتْرَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَكُونُوا يُوجِبُونَ اتِّبَاعَ عَلِيٍّ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ، وَلَا كَانَ عَلِيٌّ يُوجِبُ عَلَى النَّاسِ طَاعَتَهُ فِي كُلِّ مَا يُفْتِي بِهِ، وَلَا عُرِفَ أن أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ - لَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا غَيْرِهِمْ - قَالَ: إنه يَجِبُ اتِّبَاعُ عَلِيٍّ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ "

منهاج السنة النبوية - ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية - ج 7 ص 395 – 396

والدليل على ما نقول أن المراد من الحديث الاجماع لا غيره.

 ما ورد في سنن الإمام الترمذي:

" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّىُّ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أن عَلِيًّا حَرَّقَ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». وَلَمْ أَكُنْ لأُحَرِّقَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ». فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ صَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ.

 قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى الْمُرْتَدِّ. وَاخْتَلَفُوا فِى الْمَرْأَةِ إِذَا ارْتَدَّتْ عَنِ الإِسْلاَمِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تُقْتَلُ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِىِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ تُحْبَسُ وَلاَ تُقْتَلُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ.

تحقيق الألباني: صحيح، ابن ماجة (2535) " صحيح وضعيف سنن الترمذي - محمد ناصر الدين الالباني - ج 3 ص 458

فلو كان قول أحد العترة، او فعله حجة لما اختلف فعلهم اختلاف تضاد، ثم نرى أن عليا رضي الله عنه يصوب كلام ابن عباس المبني على الدليل من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فدل هذا على أن الحجية المتعلقة بالعترة الاجماع لا غيره.

ولقد ورد الاختلاف بين علي، وفاطمة رضي الله عنهما وكلاهما من العترة.

 ففي صحيح البخاري:

 "3729 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أن المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، قَالَ: أن عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ، فَاطِمَةُ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لاَ تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ، يَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ أَنْكَحْتُ أَبَا العَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي أَكْرَهُ أن يَسُوءَهَا، وَاللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ، عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ» فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ مِسْوَرٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ، إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ، قَالَ: «حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي»"

صحيح البخاري - بَابُ ذِكْرِ أَصْهَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ أَبُو العَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ - ج 5 ص 22

فاختلاف العترة وارد، وبما أن الاختلاف يصدر منهم فلا تكون حجيتهم الا بما اجمعوا عليه، فاذا اختلفوا ننظر إلى الادلة التي يستدلون بها فنأخذ بما يستدلون به من غير إلزام لاتباع افرادهم.

ولو سألنا الإمامية وقلنا هل يقع مصداق العترة على الائمة منذ الولادة؟

فسوف تكون الاجابة المؤكدة منهم نعم، ولو قالوا غير ذلك لأخرجوا الائمة من العترة.

ثم يكون السؤال الأخر كيف نقتدي بمن يجوز عليه الجهل في الصغر، ويقع منه الخطأ؟

ومن المتوقع بعد طرح هذا السؤال على الإمامية فسوف يقولون ما هو دليلكم على ذلك، فحينئذ نعطيهم الادلة ومن كتبهم على ذلك.

 ومن هذه الادلة ما جاء في روضة المتقين:

"ويمكن حمل النهي في غير الداخل على الكراهة كما يظهر مما رواه الشيخ في الصحيح، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رآني علي بن الحسين عليهما السلام وأنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى فقال: يا بني أن هذا لا يقلع وأن أمكن حمله على إرادة القطع أو يكون صغيرا غير مكلف وجوزنا الجهل عليهم في الصغر "

روضة المتقين - محمد تقي المجلسي - ج 4 ص 166

فهذا تصريح من محمد تقي المجلسي بجواز جهل الإمام في صغره.

ففي الكافي: " عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ قَتْلِ الْخُطَّافِ أَوْ إِيذَائِهِنَّ فِي الْحَرَمِ فَقَالَ لَا يُقْتَلْنَ فَإِنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَرَآنِي وأَنَا أُوذِيهِنَّ فَقَالَ لِي يَا بُنَيَّ لَا تَقْتُلْهُنَّ ولَا تُؤْذِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ لَا يُؤْذِينَ شَيْئاً"

 الكافي - الكليني - ج 6 ص 224، وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – حسن – ج 21 ص 370

الصادق رحمه الله قد وقع في الخطأ حاله حال اي طفل، فوجهه زين العابدين رحمه الله، وعلمه الحكم الشرعي المناسب، كما يعلم اي مسلم يقع في الخطأ، او يجهل الاحكام، والإمامية يقطعون للصادق رحمه الله بإنه من العترة، فلا يمكن لاحد أن يلتزم بحجية هذا الطفل على الخلق.

وقال محمد تقي المجلسي في روضة المتقين:

" وفي القوي كالصحيح عن زرارة قال: رَأَيْتُ دَايَةَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) تُلْقِمُهُ الْأَرُزَّ وتَضْرِبُهُ عَلَيْهِ فَغَمَّنِي مَا رَأَيْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فَقَالَ لِي أَحْسَبُكَ غَمَّكَ مَا رَأَيْتَ مِنْ دَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى قُلْتُ لَهُ نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ لِي نِعْمَ الطَّعَامُ الْأَرُزُّ يُوَسِّعُ الْأَمْعَاءَ ويَقْطَعُ الْبَوَاسِيرَ وإِنَّا لَنَغْبِطُ أَهْلَ الْعِرَاقِ بِأَكْلِهِمُ الْأَرُزَّ والْبُسْرَ فَإِنَّهُمَا يُوَسِّعَانِ الْأَمْعَاءَ ويَقْطَعَانِ الْبَوَاسِيرَ".

روضة المتقين محمد تقي المجلسي - ج‏4 ص 166

الداية تؤدب الكاظم رحمه الله بحضور، واقرار من الصادق رحمه الله، بل تضربه على امر لا يعرف مصلحته به، والصادق رحمه الله يقر ذلك، فكيف يكون مثل هذا الطفل الذي لا يعرف مصلحته فضلا عن مصلحة غيره حجة علينا؟

ولقد حدث التنازع بين علي، وفاطمة رضي الله عنهما، ومن شاء الرجوع إلى الادلة فليقرأ فصل العصمة في الكتاب، فقد ذكرته هناك، وسوف اكتفي هنا بنقل اعتراف المجلسي به.

 حيث قال: "والاخبار المشتملة على منازعتهما (علي وفاطمة) مأولة بما يرجع إلى ضرب من المصلحة، لظهور فضلهما على الناس أو غير ذلك مما خفي علينا جهته"

بحار الأنوار - المجلسي - ج 43 - ص 146

وقال ايضا: " بيان: لعل منازعتها صلوات الله عليها إنما كانت ظاهرا لظهور فضله صلوات الله عليه على الناس، أو لظهور الحكمة فيما صدر عنه عليه السلام أو لوجه من الوجوه لا نعرفه "

بحار الأنوار - المجلسي - ج 41 - ص 47

علي وفاطمة رضي الله عنهما من العترة، ويدعي الرافضة عصمتهما، وقد اختلفا في عدة مرات، فمن نتبع منهما؟ فإن إتبعنا عليا رضي الله عنه، وتركنا فاطمة رضي الله عنها وهي من العترة ألا نكون مخالفين للعترة؟!، ولو عكسنا الأمر وإتبعنا فاطمة رضي الله عنها، وتركنا عليا رضي الله عنه وهو من العترة ألا نكون مخالفين للعترة؟!

ولو قال الإمامية أن المراد بالعترة الإمام المنصب من الله تعالى، فسوف يكون السؤال المطروح هل يُخرج الإمامية السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها من العترة لأنها لم تكن إماما؟!

وهناك سؤال أخر للإمامية ألا وهو:

 أين الإمام الثاني عشر الذي يمثل العترة منذ مئات السنين إلى الآن؟

وكيف نعلم إنه مع القُرآنُ ولم يفارقه؟!

وهل القُرآنُ الذي لا يفارقه هو نفس القُرآنُ الموجود بين أيدينا، أم إنه قُرآنُ أخر؟

إن كان نفس القُرآنُ فكونه لا يفارقه لا يكون له مدح خاص به، فغيره ايضا لا يفارقه القران، بل أن غيره يُعلم القران، ويبثه، وهو لا يعلم القُرآنُ ولا يبثه، ومن المتفق عليه أن الذي يعلم القُرآنُ هو خير من الذي لا يعلم القرءان.

وإن قال الإمامية غير هذا القُرآنُ الموجود بين ايدينا، وقد صرح بهذا كبار علماء الإمامية، فنقول لهم قد طعنتم بالقُرآنُ الكريم من وجه، وطعنتم بأمامكم الثاني عشر من وجه، أما طعنكم بالقُرآنُ الذي بين ايدينا يكون بقولكم بالتحريف اذ لو لم يكن محرفا لما كان يختلف عن قُرآنُ مهديكم، واما طعنكم بمهديكم فهو اتهامكم اياه بكتم القُرآنُ الكريم فيدخل في محذور كتمان العلم منذ مئات السنين.