تُعد زيارة الأماكن المقدسة والمراقد من الشعائر الدينية الراسخة في العديد من المذاهب، لكنها تكتسب في الفكر الشيعي الإمامي منزلة خاصة ومحورية تثير الكثير من التساؤلات حول موقعها في سلم الأولويات العبادية. فبينما يرى البعض أن هذه الزيارات لا ترقى إلى مستوى أصول الدين وأركان الإسلام، يذهب الإمامية إلى اعتبارها شعيرة تضاهي، بل قد تفوق، ركن الحج إلى بيت الله الحرام في الأجر والوجوب والمنزلة. هذا المقال يستعرض المنظور الإمامي لزيارة المراقد، مسلطًا الضوء على الروايات والمعتقدات التي ترفع من شأن كربلاء والنجف إلى مرتبة تتجاوز أقدس بقاع الأرض في الإسلام.

زيارة المراقد: منزلة تضاهي الحج عند الشيعة الإمامية

قد يتساءل البعض عن سبب إفراد الحديث لزيارة المراقد، وهي ليست من أصول الدين أو أركان الإسلام المعروفة. لكن الإجابة في الفكر الإمامي تضع هذه الشعيرة في مكانة بالغة الأهمية؛ إذ تُعتبر زيارة المراقد لديهم مُضاهية لركن الحج إلى بيت الله الحرام، بل قد تتفوق عليه في الوجوب والأجر والمنزلة.

يذهب هذا الاعتقاد إلى حد اعتبار تارك هذه الزيارة خارجًا عن ملة الإسلام. فالزيارة ليست مجرد نافلة، بل هي شعار وشعيرة أساسية، ويُعتقد أنه لو تُرِكت أو مُحيت القبور من الوجود، لما بقي للإمامية وجود أو علامة تدل عليهم، مما يوضح الارتباط الوثيق الذي لا ينفك بين الإمامية والمشاهد المقدسة، كعلاقة السمك بالماء.

لذلك، تُعد هذه الزيارة أساسًا وضرورة لا يمكن الاستغناء عنها. ومن الملاحظ أن الإمامي قد يُتصور لا يُصلي أو لا يرتاد المساجد، لكن من الصعب تصوره بمعزل عن القبور والمشاهد. بل إن حرص الكثيرين على الزيارة يفوق حرصهم على الصلاة، وقد يُوجد بينهم من لا يُصلي أساسًا.

منزلة كربلاء والنجف وتفضيلهما على الكعبة المشرفة

كتسب مراقد الأئمة، وخاصة في كربلاء والنجف، منزلة خاصة جدًا في الفكر الإمامي، وتُروى في فضيلة زيارتها روايات ترفع من شأنها بشكل لافت:

فضل زيارة الحسين (ع):

روى الكليني عن أبي عبد الله (جعفر الصادق) أنه قال: "إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين (ع) يوم عرفة واغتسل من الفرات ثم توجه إليه، له بكل خطوة حجة بمناسكها - ولا أعلمه إلا قال - وغزوة!" [1].

وجوب زيارة أمير المؤمنين (ع):

يُروى أيضًا عن أبي عبد الله (ع) أن رجلاً جاءه ولم يزر قبر أمير المؤمنين (ع)، فقال له: "بئس ما صنعت لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك، ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون" [2].

تفضيل النجف وكربلاء على الكعبة:

يذهب الاعتقاد الإمامي إلى أن كربلاء والنجف أفضل من الكعبة المشرفة. ويُطلق على النجف لقب "الأشرف"، أي أشرف البقاع على وجه الأرض، متفوقًا بذلك على الكعبة والمسجد النبوي وبيت المقدس. ويُعتقد أن الصلاة عند مرقد الإمام علي (ع) أفضل من الصلاة في بيت الله الحرام.

الصلاة عند علي (ع):

جاء في كتاب "منهاج الصالحين" للمرجع الأكبر للإمامية في زمانه، الخوئي، أن الصلاة في مشاهد الأئمة مستحبة، بل قيل إنها أفضل من المساجد. وقد ورد أن الصلاة عند علي (ع) بمئتي ألف صلاة [3].

الصلاة في المسجد النبوي:

وفي المقابل، يذكر الكتاب نفسه أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعادل عشرة آلاف صلاة [4]. وهذا يعني أن الصلاة عند مرقد الإمام علي (ع) تفوق الصلاة في المسجد النبوي بعشرين مرتبة.

ويُعبر محمد صادق الصدر عن هذا التفضيل بصراحة، قائلاً: "وردت رواية بتفضيل كربلاء على البيت الحرام، ونحن نعلم أن علي (ع) خير من الحسين كما نطقت به الروايات فيكون قبره خيرًا من قبره فيكون أفضل من الكعبة أيضًا" [5].

كما يروي المجلسي رواية تُنسب زورًا إلى الإمام جعفر الصادق (رح)، وهي: "إن الله أوحى إلى الكعبة لولا تربة كربلاء ما فضلتك ولولا من تضمه أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقري واستقري وكوني ذنبًا متواضعًا ذليلاً مهينًا غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلا سخت بك وهوَت بك في نار جهنم" [6].

ويُردد هذا المعنى في الكتب الاعتقادية في بيت الشعر:

وفي حديث كربلا والكعبة لكربلا بان علو الرتبة [7]

بل إن الميرزا حسن الحائري، الملقب بآية الله، يصف النجف دون تردد بـ "مزار المسلمين وكعبة الموحدين" [8].

الحواشي والمصادر:

[1] الكليني، عن أبي عبد الله (ع).

[2] الكليني، عن أبي عبد الله (ع).

[3] الخوئي، منهاج الصالحين، مسألة (562).

[4] الخوئي، منهاج الصالحين، مسألة (561).

[5] محمد صادق الصدر. [6] المجلسي.

[7] بيت شعر يردد في الكتب الاعتقادية.

[8] الميرزا حسن الحائري، ملقب بآية الله.