حُكم زيارة النساء للقبور بين الجواز والمنع — سؤال وجواب شرعي
من المسائل التي يكثر حولها الجدل بين الناس مسألة زيارة النساء للقبور؛ بين من يجيزها بإطلاق، ومن يمنعها مطلقًا، ومن يراها جائزة بضوابط. وقد وردت في ذلك نصوص نبوية صحيحة، وتعددت أقوال العلماء من المذاهب الأربعة، مما يجعل فهم المسألة بدقة ضرورة لطالب العلم وكل مسلم ومسلمة.
| 
			 السؤال:  | 
		
| 
			 يقول بعض الناس: "أنتم حرَّمتم ما لم يحرمه الرسول ﷺ؛ فقد قالت عائشة رضي الله عنها إنها سألت النبي ﷺ ماذا تقول إذا زارت القبر، فقال: (قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين). رواه مسلم. فكيف تُحَرِّمون زيارة النساء للقبور؟"  | 
		
| 
			 الجواب:  | 
		
| 
			 هذه المسألة من المسائل الفقهية الخلافية التي اختلف فيها العلماء قديمًا وحديثًا، ولا يصح عرضها بطريقة التهويل أو الاتهام كما يفعل بعض الحاقدين الذين يرمون العلماء بالتشدد. والصواب أن المسألة فيها تفصيل وخلاف معتبر بين أهل العلم، ولكل فريقٍ دليله وتعليله. أولًا: من أجاز زيارة النساء للقبور من أبرز من ذهب إلى الجواز: الإمام الألباني رحمه الله، حيث يرى أن الزيارة جائزة للنساء بضوابط، مستدلًا بحديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم: «أنها سألت النبي ﷺ ماذا تقول إذا زارت القبر، فقال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين». وهذا يدل على جواز الزيارة إذا كانت للاتعاظ والدعاء، دون جزع أو نياحة. ثانيًا: من قال بالتحريم قال جمع من أهل العلم بعدم جواز زيارة النساء للقبور، مستدلين بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» — رواه الترمذي والنسائي وأحمد. وقال الشافعية: لا يجوز للنساء زيارة القبور. قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في المهذب (ج1/257): "ولا يجوز للنساء زيارة القبور لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (لعن الله زوارات القبور)." وجاء في حاشية الطحاوي على المراقي (ج2/619): "وقيل تحرم على النساء، وسئل القاضي عن جواز خروج النساء إلى المقابر فقال: لا تسأل عن الجواز، وإنما عن مقدار ما يلحقها من اللعن فيه..." كما قال البدر العيني في شرح البخاري: "تُكره للنساء بل تُحرَّم في هذا الزمان، لا سيما نساء مصر لأن خروجهن على وجه فيه فتنة وفساد." وقال في السراج: "أما النساء، إن كان خروجهن لتجديد الحزن والبكاء والندب كما جرت العادة فلا تجوز لهن الزيارة، وعليه يحمل الحديث: (لعن الله زائرات القبور)." وقد رجّح العلّامة العظيم آبادي الحنفي التحريم، كما في عون المعبود. أما الإمام أحمد بن حنبل فذهب إلى كراهة زيارة النساء للقبور، لا إلى التحريم المطلق.  | 
		
الخلاصة:
◘ زيارة القبور للنساء مسألة خلافية بين أهل العلم.
◘ من أجازها اشترط أن تكون بغير جزع ولا تبرج ولا فتنة.
◘ ومن منعها رأى أن النصوص النبوية في اللعن عامة وأن المصلحة تقتضي المنع في هذا الزمان.
◘ والأولى بالمرأة أن تكتفي بالدعاء للأموات من بيتها، لأن الدعاء يصل إلى الميت من غير حضور القبر.
📚 المصادر والحواشي:
◘ مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور.
◘ أبو داود السجستاني، سنن أبي داود، حديث رقم (3236).
◘ الترمذي، السنن، حديث رقم (1056).
◘ أبو إسحاق الشيرازي، المهذب (ج1/257).
◘ الطحاوي، حاشية الطحاوي على المراقي (ج2/619).
◘ البدر العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري.
◘ العظيم آبادي، عون المعبود شرح سنن أبي داود.
◘ ابن قدامة، المغني (ج2).
◘ الألباني، فتاوى مهمة للنساء، ص 149–150، ط. الرياض.