غياب الأدلة القرآنية الصريحة لـ "زيارة المشاهد" الشيعية: مقارنة مع آيات الحج والمساجد

يُعتبر القرآن الكريم هو المصدر التشريعي الأول والأصيل في الإسلام، ولهذا فإن العبادات ذات المنزلة العظيمة والأهمية الكبرى – كالحج والصلاة والزكاة – قد ورد تشريعها وتفصيل أحكامها وحثُّها في آيات صريحة وواضحة، ومتكررة. ينطلق هذا المقال من منهجية التدقيق في النص القرآني لنقض الدعوى القائلة بأن زيارة المشاهد والمراقد (في النجف، وكربلاء، وقم، ومشهد) تُعدُّ عملًا عباديًا ذا منزلة عظيمة يفوق أحيانًا فضل الحج. فهل يتناسب هذا التعظيم والمكانة مع الصمت المطبق للقرآن الكريم عن ذكر هذه الزيارة أو تشريعها أو تفصيل مناسكها؟ هذا ما سيتم تفصيله من خلال المقارنة بين منهج القرآن في تشريع الحج والمساجد، وبين غيابه التام عن ذكر هذه المراقد.

المحور الأول: غياب النص القرآني الصريح للزيارة المشهدية

ما الدليل على هذه الدعوى العظيمة؟

لا شك أن أي عمل عبادي يُدَّعى له هذه المنزلة العظيمة والميزة الشريفة على باقي الأعمال، لا بد أن يرد تشريعه والحث عليه والعقاب على تركه بـآيات قرآنية صريحة وواضحة. بل كان ينبغي أن يُؤكد عليه في القرآن أكثر مما أُكِّد على المساجد والحج وزيارة البيت الحرام.

لكننا لا نجد نصًا واحدًا في القرآن الكريم:

يذكر النجف وكربلاء وقم وغيرها من الأماكن المخصصة للزيارة.

يصرح بـزيارة القبور والمراقد والحث عليها.

يذكر منسكًا من مناسكها، أو حكمًا من أحكامها وشعائرها.

المحور الثاني: مقارنة منهج القرآن الكريم: التفصيل في الحج والمساجد

يتميز المنهج القرآني بـالتفصيل والبيان الصريح في تشريع أصول العبادات، ويظهر هذا جليًا في أحكام الحج والمساجد:

التفصيل القرآني لـ "فريضة الحج":

جاء ذكر الحج إلى بيت الله، وبيان فضله، ووجوبه، وأحكامه ومناسكه وشعائره، والتنويه بالكعبة المعظمة ومكة المكرمة في عشرات الآيات، ومن أمثلتها:

سورة الحج: سُميت سورة كاملة باسم (الحج)، وتضمنت آيات كثيرة عن أحكامه ومناسكه، مثل قوله تعالى:

﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج: 26-27].

﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ... [الحج: 30].

﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32].

﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ... [الحج: 37].

سورة البقرة: ذكر تفصيل أحكام الحج والعمرة، مثل قوله تعالى:

﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ... إلى قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [البقرة: 196-203].

﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة: 158].

مكانة مكة والكعبة: أقسم الله بها وذكرها بالتكريم والتحريم:

﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين: 1-3].

﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ [البلد: 1-2].

﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97].

النتيجة: هذا بعض ما جاء في القرآن من التصريح بفضل الكعبة، ووجوب الحج إليها، وأحكامه ومناسكه! في المقابل، لا يوجد أي ذكر لكربلاء والنجف وقم ومشهد في آية واحدة من القرآن.

التفصيل القرآني لـ "المساجد والصلاة":

كما ورد ذكر المساجد وأحكامها وفضيلة الصلاة فيها بالتفصيل:

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [النور: 36].

﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الأعراف: 29].

﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18].

﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: 31].

﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التوبة: 108] (إشارة للمسجد النبوي).

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [البقرة: 114].

النتيجة: خلا القرآن من ذكر فضل للصلاة في كربلاء، أو مرقد علي، أو مشاهد الأئمة، فلا ذكر لها في آية واحدة من كتاب الله.

المحور الثالث: دلالة آية أصحاب الكهف (نقض الاستدلال بالمتشابه)

الخلاصة القرآنية: لا مراقد ولا قبور في القرآن

لقد خلا القرآن الكريم من ذكر كربلاء والنجف وقم ومشهد، وليس فيه إشارة إلى ذكر المراقد أو القبور أو زيارتها وبنائها والمشي إليها. وإذا قارنَّا بين هذه الصمت القرآني المطبق وبين ما وُضِع لهذه الأماكن من فضائل عظيمة فاقت فضل الكعبة والمساجد، تبين قطعًا كذب تلك الروايات وبطلان تلك الفتاوى.

التساؤل القرآني الحاسم:

﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى: 21].

الرد على الاستدلال بآية أصحاب الكهف المتشابهة

لو سُئل مدّعو عظمة زيارة المشاهد عن الأساس القرآني لتعظيمها، فلن يجدوا جوابًا غالبًا سوى آية واحدة متشابهة، وهي قوله تعالى عن أصحاب الكهف:

﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف: 21].

النقض والتحليل للدلالة:

أ. عدم صراحة النص: هذا النص غير صريح الدلالة في التشريع، بينما العبادات العظيمة تحتاج إلى نص صريح ومتكرر، كما هو شأن القرآن في مثلها. كما أنه ليس في القرآن أمر بزيارة القبور، ولا نهي عن تركها، ولا ذكر حكم من أحكامها.

ب. المصدر التشريعي غير معتبر: الأمر باتخاذ المسجد على قبور أصحاب الكهف صدر من ﴿الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ، أي علية القوم وأمرائهم. وهؤلاء ليسوا مصدرًا تشريعيًا لنا، وهم غالبًا ما يكونون من الطغاة المستبدين.

ج. لهجة الطغيان: لهجة الطغيان والاستبداد واضحة في عبارتهم: ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا، فهو أمر مؤكد لا بد من تنفيذه دون اعتبار لرأي أو دليل، وهذا ليس بقدوة لنا.

خلاصة النقض: القول بمشروعية اتخاذ المساجد على القبور وتعظيم المشاهد والأمر بزيارتها - إلى الحد الذي يجعلها أساسًا من أساسيات الدين - ليس له من القرآن إلا آية واحدة متشابهة. إن اتباع المتشابه في أصول الدين هو شأن الزائغين الذين يخترعون أديانهم بآرائهم وأهوائهم ثم يبحثون في القرآن عما يؤيدها.

المنهج الصحيح: الصحيح هو أن نبحث في آرائنا وعقولنا عما يؤيد ما ثبت أولًا بـالقرآن الكريم.

الفرق الكبير: الفرق كبير جدًا بين من يستخدم القرآن لتأييد رأيه، ومن يخدم القرآن ويتبعه، ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 40].