يتناول هذا المقال استكمالاً لما سبقه من دراسة نقدية للروايات التي يستند إليها أتباع الفرقة الضالة الإمامية في تقرير عقيدتهم بوجوب الخُمس في غير مواضعه الشرعية التي أقرها الإسلام. فبعد أن ناقشنا في الجزء الأول جملة من رواياتهم المروية عن أئمتهم المزعومين وما يعتريها من اضطرابٍ وضعفٍ في السند والمتن، نواصل هنا الكشف عن بقية الروايات التي استندوا إليها، مع تحليل أسانيدها وفق منهج علماء الرجال عندهم، ليتبين مدى هشاشة هذه النصوص التي قامت عليها واحدة من أهم مصادر تمويل الحوزات والمرجعيات، تحت دعوى أنها فريضة ربانية.
ويظهر من خلال البحث أن أكثر هذه الروايات دارت بين رواة مطعون في عدالتهم أو مجهولي الحال أو غلاة متهمين بالكذب والتحريف، مما يسقط حجيتها ويكشف تناقض القوم في قواعدهم الرجالية، إذ يُسقطون رواة خصومهم بأدنى طعن، بينما يتأولون الدفاع عن رواة روايات الخمس حفاظاً على أصلٍ يمدّ مؤسستهم بالمال والنفوذ.

هذا البحث لا يهدف إلى السخرية أو التشنيع، وإنما إلى بيان الحقيقة بعلمٍ ومنهجٍ وتحقيقٍ، لتتضح الصورة لمن أراد الحق، وليُعلم أن ما بنته الإمامية من عقائد مالية لا أصل له في القرآن ولا في السنة الصحيحة، وإنما هو نتاج أهواء الرواة والغلاة.

استكمالا للمقال السابق نكمل روايات الشيعة في الخمس وأسانيدها:

12-علي بن إبراهيم بن هاشم:

عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام أنه «سئل عن معادن الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر؟ فقال: عليها الخمس»[1].

وقد مر الكلام في بعض رجال السند، وابن دراج مهما قيل فيه فقد كان من الواقفة ثم رجع لما ظهر من المعجزات على يد الرضا كما يزعم القوم[2]، وابن مسلم وإن كان ثقة على الأرجح إلا أنه وردت في ذمه عدة روايات[3].

13-الكليني:

 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عنأبي عبد الله عليه السلام «عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس، وعن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس، وكذلك الرصاص والصفر والحديد، وكلما كان من المعادن يؤخذ منها ما يؤخذ من معادن الذهب والفضة»[4].

 وقد مر الكلام في القمي صاحب التفسير وأبيه، وابن أبي عمير، وحماد هو ابن عيسى الجهني الذي مر الكلام فيه، فقد وثقه القوم إلا أنه ورد فيه ذم لمخالفته أمر الإمام الجواد، ولكن الخوئي رد رواية ذمه هذه، ولا بد، فالرجل وقع في إسناد أكثر من ألف وستة وثلاثين رواية[5].

14-الطوسي:

محمد بن علي بن محبوب عن العباس بن معروف عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:«سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كلما كان ركازاً ففيه الخمس. وقال: ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله منه من حجارته مصفى الخمس»[6].

قال الطوسي في رواية جاء في سندهامحمد بن علي:(أول ما في هذا الخبر أنه ضعيف الإسناد جداً،لأن رواته كلهم مطعون عليهم»[7]. ولكن الخوئي تعقبه في ذلك[8]. وحماد مر الكلام فيه، وحريز بن عبد الله السجستاني ذكره ابن داود في القسم الثاني من رجاله والذي جعله للمجروحين والمجهولين، حيث لم تثبت وثاقته عنده وذكره بلفظ قيل ثقة[9]، ووردت فيه رواية صححها الخوئي تدل على جفاء الصادق له وحجبه عنه[10]، وزرارة اختلف القوم فيه[11].

15-الطوسي:

أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن الملاحة؟ فقال: وما الملاحة؟ فقال:أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً فقال: هذا المعدن فيه الخمس، فقلت: والكبريت والنفط يخرج من الأرض؟ قال فقال: هذا وأشباهه فيه الخمس»[12].

أحمد بن محمد هو ابن أبي النصر البزنطي روى فيه القوم أن الرضا دفع اليه بمصحف وقال له:«لا تنظر فيه؟ قال: ففتحته وقرأت فيه: لم يكن الذين كفروا، فوجدت فيها سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال: فبعث إلى: ابعث إلي بالمصحف»[13]، ففيه القول بتحريف القرآن وعدم إطاعتهلإمامه وحسبه إحداهما، ورغم ذلك فالرجل عظيم المنزلة عند القوم[14]، وأبي أيوب مجهول الحال[15]. وابن مسلم مر ذكره.

16-الكليني:

محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين (بن أبي الخطاب)، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد بن علي (بن أبي عبد الله)، عن أبي الحسن عليه السلام قال:«سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة ما فيه؟ قال: اذا بلغ ثمنه ديناراً ففيه الخمس»[16].

وآفة هذه الرواية جهالة محمد بن علي [17]، وقد تكلمنا في ابن أبي نصر.

17-الكليني:

 علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي قال:«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال عليه السلام: عليه الخمس»[18].

وقد مر الكلام في أكثر رجال السند.

18-الطوسي:

سعد بن عبد الله عن أبي جعفر عن علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الاشعري قال:«كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب على الصناع وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤونة»[19].

سعد بن عبد الله الأشعري القمي، رغم منزله فقد ذكره ابن داود في القسم الثاني من رجاله المختص بالمجروحين والمجهولين[20]، ومحمد بن الحسن الأشعري قال فيه الخوئي:(وثاقته لم تثبت وهو مجهول الحال)[21]، وأبي جعفر هو أحمد بن محمد بن عيسى، الذي مر ذكره.

19-الطوسي:

سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن مهزيار قال: حدثني محمد بن علي بن شجاع النيسابوري أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام «رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكي فأُخذ منه العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقع عليه السلام لي منه لخمس مما يفضل من مؤونته»[22].

وحسب السند جهالة النيسابوري[23]، والبعض الآخر مر ذكرهم.

20-الكليني:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عثمان، عن سماعة قال:«سألت أباالحسن عليه السلام عن الخمس؟ فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»[24].

مر ذكر القمي وأبيه وابن أبي عمير، وسماعة بن مهران رغم توثيق النجاشي له إلا أن أضرابه ضعفوه، وذكروه تحت قسم من لا يعتمد على رواياتهم [25]، بل قالوا أنه واقفي[26].

21-الكليني:

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد (وفي بعض النسخ عن يزيد) قال:«كتبت: جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة وما حدها رأيك -أبقاك الله تعالى-أن تمن علي ببيان ذلك لكيلا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب: الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة»[27].

 إن كان كما في بعض النسخ عن يزيد فأحمد بن محمد هو الأشعري الذي مر ذكره، وإلا فالرجل ليس له ذكر في الكتب الرجالية[28].

22-الطوسي:

(محمد بن علي بن محبوب) عن محمد بن الحسين عن عبد الله بن القاسم الحضرمي عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام قال:«حتى الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق»[29].

آفته الحضرمي، قال فيه النجاشي:(كذاب غالٍ، يروي عن الغلاة، لا خير فيه ولا يعتد بروايته)، وقال فيه ابن الغضائري:(كوفي ضعيف أيضاً غال متهافت لا ارتفاع به)، وقال ابن داود:(ليس بشيء البتة)، وكذا قال الحلي[30].

 

[1] وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/491)، الكافي، للكليني (1/544)، تهذيب الأحكام للطوسي (4/121)، بحار الأنوار للمجلسي (93/43).

[2] الغيبة للطوسي (71)، معجم رجال الحديث للخوئي (4/149).

[3] معجم رجال الحديث للخوئي (17/247)، رجال الكشي، ترجمة (67)، جامع الرواة (2/193)، مجمع الرجال (6/47).

[4] الكافي، للكليني (1/546)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/492)، تهذيب الأحكام للطوسي (4/121)، جامع أحاديث الشيعة للبروجردي (8/534).

[5] معجم رجال الحديث للخوئي (7/238).

[6] تهذيب الأحكام للطوسي (4/122).

[7] تهذيب الأحكام، للطوسي (9/204).

[8] معجم رجال الحديث للخوئي (18/10).

[9] رجال ابن داود الحلي (237).

[10] رجال الكشي، ترجمة (166)، رجال النجاشي (1/341)، معجم رجال الحديث للخوئي (4/242، 249).

[11] معجم رجال الحديث للخوئي (7/218)، رجال الكشي، ترجمة (62)، مجمع الرجال (3/25)، جامع الرواة (1/324).

[12] تهذيب الأحكام للطوسي (4/122).

[13] الكافي، للكليني (2/631)، فصل الخطاب (349)، بحار الأنوار، للمجلسي (92/54)، التفسير الصافي (1/41)، الانتصار للعاملي (3/327).

[14] معجم رجال الحديث للخوئي (2/231).

[15] معجم رجال الحديث، للخوئي (22/39).

[16] الكافي، للكليني (1/547).

[17] معجم رجال الحديث للخوئي (16/304).

[18] الكافي، للكليني (1/548)، تهذيب الأحكام للطوسي (4/121).

[19] تهذيب الأحكام للطوسي (4/123)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/500).

[20] رجال ابن داود (247)، معجم رجال الحديث للخوئي (8/76).

[21] معجم رجال الحديث للخوئي (16/216).

[22] تهذيب الأحكام للطوسي (4/16)، الاستبصار (2/17)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/500).

[23] معجم رجال الحديث للخوئي (16/329).

[24] الكافي، للكليني (1/545).

[25] معجم رجال الحديث للخوئي (8/297).

[26] دراسات في علم الدراية، لعلي أكبر غفاري (29)، رسائل في دراية الحديث، لأبي الفضل حافظيان البابلي (1/169)، اختيار معرفة الرجال، للطوسي (2/769)، الرعاية في علم الدراية (حديث)، للشهيد الثاني (82)، سماء المقال في علم الرجال،لأبي الهدى الكلباسي (2/449)، مستدركات علم رجال الحديث، لعلي النمازي (2/399)، معجم رجال الحديث، للخوئي (9/313)، تهذيب المقال في تنقيح كتاب رجال النجاشي، لمحمد على الأبطحي (4/380)(ش).

[27] الكافي، للكليني (1/545)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/503).

[28] معجم رجال الحديث للخوئي (2/318).

[29] تهذيب الأحكام للطوسي (4/122)، الاستبصار (2/55)، وسائل الشيعة، للحر العاملي (9/503).

[30] رجال النجاشي (2/30)، مجمع الرجال (4/35)، رجال ابن داود (470)، رجال الحلي (236)، معجم رجال الحديث للخوئي (10/284).