يُعَدّ مصطلح "أهل البيت" من أكثر المفاهيم التي دار حولها الجدل بين المدارس الإسلامية، خصوصًا في كتب التفسير والحديث.

فالقرآن الكريم استخدم لفظ "الأهل" في مواضع متعددة للدلالة على الزوجة والأسرة، كما في قوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ (هود: 73).

لكن في بعض الروايات الشيعية نجد تأويلًا مختلفًا لمفهوم "أهل البيت"، حيث تُخصّص الآية في بعض التفاسير بالخمسة أهل الكساء فقط، مع تجاهل دلالة اللفظ القرآني وسياقه اللغوي العام الذي يشمل الزوجة.

ويظهر هذا التناقض أيضًا في أحاديث أخرى وردت في كتب الشيعة المعتمدة التي تؤكد أن الزوجة داخلة في الأهل، مما يُظهر ازدواجية في التأويل والتفسير.

مفهوم "الأهل" في اللغة والقرآن الكريم:

اللفظ العربي "الأهل" يُستخدم في اللسان العربي للدلالة على الأسرة القريبة، وعلى رأسهم الزوجة.
قال تعالى على لسان امرأة إبراهيم:

﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ (هود: 72-73).

فالآية تُظهر بوضوح أن الخطاب موجّه إلى إبراهيم وزوجه، وأن الزوجة داخلة في النداء بلفظ "أهل البيت".

وكذلك في قصة موسى عليه السلام، قالت أخته:

﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ (القصص: 12).

وكانت الأمّ أول من يشملها هذا اللفظ لأنها التي سترضعه وتكفله.

كما أن امرأة العزيز قالت لزوجها:

﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ (يوسف: 25)، فأطلقت لفظ "أهلك" على نفسها.
وهذه الآيات الثلاث تُثبت دلالة اللفظ الشرعية واللغوية على أن الزوجة جزء من الأهل والبيت.

روايات من كتب الشيعة تؤكد أن الزوجة من "الأهل":

من كتاب صراط النجاة للخوئي (ج2 ص426)

سُئل المرجع أبو القاسم الخوئي عن قوله:

يتأكد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأهل، فمن هم الأهل؟ وهل تعتبر الزوجة منهم؟
فأجاب الخوئي:

"نعم، الزوجة من الأهل، ونفس التأكيد موجود فيها، والله العالم."

وهذا تصريح واضح من مرجع كبير من مراجع الشيعة أن الزوجة داخلة في مفهوم الأهل.

من كتاب الكافي (ج5 ص495-496)

روى الكليني بإسناده:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله ﷺ لرجل: "أصبحت صائمًا؟ قال: لا. قال: فأطعمت مسكينًا؟ قال: لا.

قال: فارجع إلى أهلك فإنه منك عليهم صدقة."

وهنا فسّر النبي ﷺ الأهل بالزوجة ومن في البيت.

وفي موضع آخر من الكافي (باب كراهية أن يواقع الرجل أهله وفي البيت صبي):

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لو أن رجلًا غشي امرأته وفي البيت صبيّ مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ما أفلح أبدًا..."

وفي آخره قال: "وكان علي بن الحسين إذا أراد أن يغشى أهله أغلق الباب وأرخى الستور."
فلفظ "أهله" هنا مقصود به الزوجة بوضوح، ما يدل على أن المرويات الشيعية نفسها تعتبر الزوجة من الأهل.

تناقض الروايات مع تأويل "أهل البيت" الحصري

في حين تؤكد هذه الروايات أن الزوجة من الأهل، نجد أن بعض كتب الشيعة تقصر آية التطهير: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (الأحزاب: 33)، على خمسة فقط: النبي ﷺ، علي، فاطمة، الحسن، الحسين.

وهذا التخصيص يتجاهل السياق اللغوي والقرآني الذي يتحدث عن نساء النبي ﷺ في الآيات التي قبلها وبعدها، مما يجعل استبعاد الزوجات من أهل البيت أمرًا مخالفًا للنص القرآني نفسه.

قال الإمام الطبري في تفسيره:

وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: هم أزواج النبي، لأن الآية في سياق الخطاب لهنّ.”

مناقشة علمية للمعنى الشرعي لـ"أهل البيت"

يدلّ الاستعمال القرآني والنبوي على أن أهل البيت يشمل الزوجة بلا خلاف لغوي.
فالنبي ﷺ قال في حديث متفق عليه:

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.”
و"الآل" تشمل الأتباع والأهل، كما في قول العرب: آل فلان أي أسرته وأتباعه.

وبهذا يتبين أن التضييق في مفهوم "أهل البيت" وحصره في فئة محددة لا يتفق مع النصوص الشرعية ولا مع لسان العرب.

والروايات الشيعية نفسها – كما تقدّم – تؤكد دخول الزوجة في هذا المعنى، مما يُظهر تناقضًا بيّنًا بين الطرح العقدي والاستعمال الروائي.

الشبهة والردّ عليها

الشبهة:

يستدلّ بعض الكتّاب من الشيعة بأن آية التطهير نزلت في أهل الكساء فقط، وأن الزوجات غير داخلات في هذا الخطاب، مستندين إلى بعض الروايات في كتبهم.

الردّ:

1)           الآية في سياق خطاب نساء النبي ﷺ؛ فهي جاءت بعد قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ (الأحزاب: 33)، فالخطاب مستمر لنساء النبي، ثم قال بعدها: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ...﴾ مما يدل على شمول الزوجات في الآية.

2)           الروايات الشيعية نفسها تُظهر تناقضًا مع هذا الحصر، إذ إن الخوئي والكليني والمجلسي وغيرهم نقلوا نصوصًا تُثبت أن الزوجة من الأهل.

3)           اللغة العربية لا تفرّق في لفظ الأهل بين الذكور والإناث؛ فالزوجة والأولاد والقرابة يدخلون فيه جميعًا، وهو استعمال قرآني مستفيض.

شواهد من الروايات على استعمال "الأهل" بمعنى الزوجة:

في مستدرك الوسائل (ج14 ص220):

عن علي عليه السلام قال: “من أراد منكم التزويج فليصل ركعتين ثم ليقل: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم فيّ...” وهذا الحديث يوضح أن الزوجة هي المقصودة بالأهل.

وفي الجعفريات ص211:

لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب، قال رسول الله ﷺ لأهله – وبدأ بعائشة –: "اصنعوا طعامًا واحملوه إليهم."

وهذا دليل على أن أمهات المؤمنين داخلات في "أهل بيت النبي ﷺ".

الخلاصة

يتضح من مجموع النصوص أن الزوجة داخلة في معنى الأهل لغةً وشرعًا، وأن القرآن الكريم والحديث النبوي والسيرة كلّها تؤكد هذا المفهوم.

أما تخصيص "أهل البيت" ببعض الأشخاص فقط دون نساء النبي، فهو اجتهاد متأخر يتعارض مع سياق القرآن الكريم، ومع ما ورد في الروايات ذاتها في كتب الشيعة.

إن مراجعة النصوص تُظهر تناقضًا واضحًا بين المعنى القرآني العام والتأويل العقدي الضيق في بعض الروايات، مما يؤكد أن الفهم الصحيح لأهل البيت يشمل الزوجة والأسرة جميعًا، كما جاء في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ.

المصادر والمراجع

1)      الخوئي، أبو القاسم. صراط النجاة، ج2، ص426. الرابط

2)      الكليني، محمد بن يعقوب. الكافي، ج5، ص495-496. الرابط

3)      المجلسي، محمد باقر. مرآة العقول، ج20، ص303. الرابط

4)      الطبرسي، الميرزا النوري. مستدرك الوسائل، ج14، ص220. الرابط

5)      الصدوق، ابن بابويه. ثواب الأعمال، ص139. الرابط

6)      الجعفريات، ص211. الرابط

7)      القرآن الكريم سور: هود، القصص، يوسف، الأحزاب.

8)      الطبري، محمد بن جرير. تفسير الطبري، تفسير الآية (33) من سورة الأحزاب.