تُعدّ دراسة الألفاظ المشتركة في القرآن الكريم والسنة النبوية من أهم مجالات البحث اللغوي والعقدي، إذ إنّ بعض الألفاظ قد تثير خلافًا في الفهم أو في تأويل النصوص، كما هو الحال في لفظ العِلْج الذي ورد في بعض الروايات والآثار. وقد استغلّ بعض الكتّاب من المدارس الكلامية الشيعية بعض هذه الألفاظ لإثارة الشبهات أو الطعن في بعض الصحابة، دون النظر إلى القواعد الأصولية واللغوية في تفسير النصوص.

هذا المقال يهدف إلى بيان المعنى الصحيح للفظ "العِلْج" في ضوء اللغة العربية، واستخداماته في الحديث النبوي وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، مع عرض الروايات المتعلّقة بمعركة الجمل، وبيان موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه منها وفق ما ورد في كتب الحديث المعتبرة عند أهل السنة، بل وحتى في بعض مصادر الشيعة أنفسهم.

الاشتراك اللفظي وأثره في فهم النصوص:

هناك ألفاظ لها معاني مشتركة، فيجب تحديد المعنى على حسب السياق، والقرينة، وجمع الادلة الواردة في المسألة، وسوف اضرب مثالا على ذلك من القران الكريم لأبين من خلاله وجوب الانقياد لذلك، قال الله تعالى في القران الكريم عن الكليم موسى عليه السلام: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [(20): الشعراء] ، ومن المعلوم ان الضلال لفظ مشترك بين عدة معاني، وأحد معانيه طريق الكفار المخالف لطريق الانبياء وهو الهدى، ولهذا قال تعالى: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [(7): الفاتحة]، فمن حمل اللفظ الوارد عن الكليم موسى عليه السلام على هذا المعنى واطلق لفظ الضلال على موسى عليه السلام فقد كفر، وهلك، فاذا تبين ذلك فقد جاء عند ابي عبد الله الحاكم: " 8453 - أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْجَلَّابُ، بِهَمْدَانَ، ثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: بَعْضُنَا: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَوْ فَعَلْتُ لَرَجَمْتُمُونِي، قَالَ: قُلْنَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَنَحْنُ نَفْعَلُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِكُمْ تَأْتِيكُمْ فِي كَتِيبَةٍ كَثِيرٍ عَدَدُهَا، شَدِيدٍ بَأْسُهَا صَدَقْتُمْ بِهِ؟» قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَمَنْ يُصَدِّقُ بِهَذَا؟ ثُمَّ قَالَ حُذَيْفَةُ: «أَتَتْكُمُ الْحُمَيْرَاءُ فِي كَتِيبَةٍ يَسُوقُهَا أَعْلَاجُهَا حَيْثُ تَسُوءُ وُجُوهَكُمْ» ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ مَخْدَعًا «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ»

[التعليق - من تلخيص الذهبي]:

8453 - على شرط البخاري ومسلم "المستدرك على الصحيحين مع تعليق الإمام  الذهبي في التلخيص - أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم - ج 4 ص 517

سياق كلام حذيفة رضي الله عنه يدل وبكل وضوح على ان المراد بكلامه هذا هو القوة، والشدة، والغلظة فيمن كان مع ام المؤمنين رضي الله عنها في معركة الجمل، حيث قال (تَسُوءُ وُجُوهَكُمْ) وسوف ابين معنى كلمة العلج في اللغة، واستخدام علي رضي الله عنه لها من غير تكفير للمسمى، او الموصوف لها.

يستشكل الرافضة في هذا الاثر على كلمة (اعلاجها)، وإشكالهم هذا باطل حيث ان لفظ العلج لفظ مشترك يحتمل عدة معاني، ويطلق على المسلم، والكافر، وذلك لان معناه القوة، والشدة، والغلظة.

قال ابن منظور:

"(علج) العِلْج الرجل الشديد الغليظ وقيل هو كلُّ ذي لِحْية والجمع أَعْلاج وعُلُوج ومَعْلُوجَى مقصور ومَعْلُوجاء ممدود اسم للجمع يُجري مَجْرَى الصفة عند سيبويه واسْتَعْلَج الرجل خرجت لحيته وغَلُظ واشتدَّ وعَبُل بدنه وإِذا خرج وجهُ الغلام قيل قد اسْتَعْلَج واسْتَعْلَج جلد فلان أَي غلُظ والعِلْج الرجل من كفَّار العجم والجمع كالجمع والأُنثى عِلْجة وزاد الجوهري في جمعه عِلَجة والعِلْج الكافر ويقال للرجل القويّ الضخم من الكفار عِلْج ...."

لسان العرب - محمد بن مكرم بن منظور - ج 2 ص 326

فالوصف الجامع لهذا اللفظ على المسلم، والكافر هو الشدة، والغلظة، والقوة وهذا اللفظ لا يدل على تكفير من أُطلق عليه، إلا إذا عرفنا عقيدة من أُطلق عليه اللفظ، فمجرد لفظ العلج لا يدل على التكفير، وقد ورد عن لسان علي رضي الله عنه هذا اللفظ على اثنين ممن كان معه حينما وجههما لمكان.

 ففي مسند الإمام أحمد:

" 840 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَا وَرَجُلانِ: رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ - أَحْسَبُ - فَبَعَثَهُمَا وَجْهًا، وَقَالَ: أَمَا إِنَّكُمَا عِلْجَانِ، فَعَالِجَا عَنْ دِينِكُمَا، ثُمَّ دَخَلَ الْمَخْرَجَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَسَّحَ بِهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ رَآنَا أَنْكَرْنَا ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ، لَيْسَ الْجَنَابَةَ "[1].

فهذا علي رضي الله عنه يطلق كلمة العلج على اثنين من المسلمين عندما وجههما الى مكان ما، والمعنى واضح من السياق انه اراد منهما الحرص.

 قال العلامة الازهري: "وفي حديث علي رضى الله عنه انه بعث رجلين وقال لهما: "إنكما عِلجان فعالجا".

 العِلج: الرجل القوي الضّخم. وقد استعلجَ الغلامُ، إذا خرج وجههُ وعَبُل بدنُه. وقوله " فعالجا "، أي حارسا العَمل الذي ندبتكما له وزاولاه "

تهذيب اللغة -، أبو منصور، محمد بن أحمد الازهري - ج 1 ص 112

وقال ابن منظور في اللسان:

" وفي حديث عليّ رضي الله عنه انه بعَث رجُلَين في وجه وقال إِنَّكما عِلْجانِ فعالِجا عن دينِكُما العِلْج الرَّجُل القويّ الضخم وعالجا أَي مارِسَا العمَل الذي نَدَبْتُكما إِليه واعْمَلا به وزاوِلاه "

لسان العرب – محمد بن مكرم بن منظور - ج 2 ص 326

ومن القرائن الواضحة على ان المراد من الاثر القوة، والشدة ما ثبت عند الامة من ايمان اهل الجمل، وعدم تكفيرهم، وعلى راس الامة الخليفة الراشد الرابع امير المؤمنين علي رضي الله عنه.

 قال الإمام  البيهقي:

 "  16529 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا حفص بن غياث عن عبد الملك بن سلع عن عبد خير قال: سئل علي رضي الله عنه عن أهل الجمل فقال إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم وقد فاءوا وقد قبلنا منهم "

السنن الكبرى - أبو بكر احمد بن الحسين البيهقي -  ج 8  ص 182

وفي المصنف: " 38919- حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ عْن شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَسْبِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَلَمْ يَقْتُلْ جَرِيحًا.

38920- حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ عْن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَلْعٍ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَسْبِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَلَمْ يُخَمِّسْ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ تُخَمِّسُ أَمْوَالَهُمْ، قَالَ: فَقَالَ: هَذِهِ عَائِشَةُ تَسْتَأْمِرُهَا، قَالَ: قَالُوا: مَا هُوَ إِلاَّ هَذَا، مَا هُوَ إِلاَّ هَذَا "

مصنف ابن ابي شيبة - أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة - ج 15 ص 256

وفي المستدرك:

" 5613 - حَدَّثَنَا أبو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ الطَّنَافِسِيُّ، ثَنَا أبو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ، مَوْلَى طَلْحَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ مَعَ عُمَرَ بْنِ طَلْحَةَ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ، قَالَ: فَرَحَّبَ بِهِ وَأَدْنَاهُ، قَالَ: "إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ وَأَبَاكَ مِنَ الَّذِينَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غَلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرَرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47] " فَقَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي، كَيْفَ فُلَانَةُ كَيْفَ فُلَانَةُ؟» قَالَ: وَسَأَلَهُ عَنْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ أَبِيهِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «لَمْ نَقْبِضْ أَرَاضِيَكُمْ هَذِهِ السَّنَةَ إِلَّا مَخَافَةَ أَنْ يَنْتَهِبَهَا النَّاسُ، يَا فُلَانُ انْطَلِقْ مَعَهُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَمُرْهُ فَلْيُعْطِهِ غَلَّتَهُ هَذِهِ السَّنَةَ، وَيَدْفَعُ إِلَيْهِ أَرْضَهُ»، فَقَالَ رَجُلَانِ جَالِسَانِ إِلَى نَاحِيَةٍ، أَحَدُهُمَا الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ: اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ نَقْتُلَهُمْ وَيَكُونُوا إِخْوَانَنَا فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: «قَوْمًا أَبْعَدُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَسْحَقُهَا فَمَنْ هُوَ إِذا لَمْ أَكُنْ أَنَا وَطَلْحَةُ يَا ابْنَ أَخِي إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَأْتِنَا» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "

[التعليق - من تلخيص الذهبي] 5613 :

- صحيح " المستدرك على الصحيحين مع تعليق الإمام  الذهبي في التلخيص - محمج بن عبد الله الحاكم - ج 3 ص 424، والسنن الكبرى - أبو بكر احمد بن الحسين البيهقي -  ج 8  ص 173

ونقل الإمام ابن ابي شيبة قول الإمام أبو جعفر الباقر في ايمان اهل الجمل.

 فقال: " 38923- حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، قَالَ: حدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ: لَمْ يَكْفُرْ أَهْلُ الْجَمَلِ " مصنف ابن ابي شيبة - أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة - ج 15 ص 257، وتعظيم قدر الصلاة - محمد بن نصر المروزي - ج 2 ص 547

وفي كتب الرافضة، بأسناد معتبر في كتاب قرب الاسناد للحميري:

" 282 - الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه: أن عليا عليه السلام ................

318 - جعفر، عن أبيه عليه السلام: أن عليا عليه السلام لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه كان يقول: "هم إخواننا بغوا علينا"

قرب الاسناد - الحميري القمي - ص 86 – 94

وفيه ايضا: " 282 - الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه: أن عليا عليه السلام ................

313 - جعفر، عن أبيه: أن عليا عليه السلام كان يقول لأهل حربه: "إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنا على حق، ورأوا أنهم على حق"

قرب الاسناد - الحميري القمي - ص 86 – 93

وفي مسند زيد بن علي رحمه الله تبين عدم تكفير علي رضي الله عنه لمن قاتله: " حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام انه أتاه رجل فقال يا أمير المؤمنين أكفر أهل الجمل وصفين وأهل النهروان؟

 قال لا، هم إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم حتى يفيئوا إلى امر الله عز وجل"

مسند زيد بن علي - زيد بن علي - ص 410

 

[1] إسناده حسن. وإخرجه الحاكم 4/107 من طريق أحمد بن حنبل، بهذا الإسناد، وصحح إسناده ووافقه الذهبي... " مسند الامام احمد - تحقيق شعيب الارناؤوط - ج 2 ص 204