كثيرٌ من الكتّاب والمراجع الشيعية دأبوا على نسبة أقوالٍ وأحاديث باطلة إلى الإمام عليٍّ رضي الله عنه وإلى آل البيت الكرام، في محاولةٍ لتثبيت مواقف عقدية أو سياسية تُبرّر مذهبهم، غير أنَّ مراجعةَ المصادر الشيعية الأصيلة تكشف بوضوحٍ أنَّ الإمام عليًّا لم يكن يُكفِّر مخالفيه، بل كان يعتبرهم «إخوانًا في الدين»، وأنَّ خلافه معهم كان في الاجتهاد والتأويل، لا في أصل الإيمان.
لقد أراد الشيعةُ من وراء تلك الأحاديث المصطنعة ترسيخَ عقيدة «العداوة الأبدية» بين عليٍّ وسائر الصحابة، غير أنَّ كتبهم نفسها تنقض هذه المزاعم نقضًا تامًا. وفي هذا المقال سنعرض النصوصَ الموثقة من كتبهم المعتمدة - مثل بحار الأنوار ونهج البلاغة ووسائل الشيعة وقرب الإسناد- لنبيِّن بجلاءٍ أن الإمام عليًّا رضي الله عنه كان يرى في خصومه إخوةً مؤمنين أخطأوا في اجتهادهم، لا كفارًا ولا منافقين.
عليٌّ رضي الله عنه يصف مخالفيه بالإخوة لا بالكفار
روى المجلسي في بحار الأنوار (جـ32 صـ324) بإسناده:
«ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه أن عليًّا (عليه السلام) كان يقول لأهل حربه: إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنا على حق ورأوا أنهم على حق».
كما روى أيضًا: «إن عليًّا لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه كان يقول: هم إخواننا بغوا علينا».
(بحار الأنوار للمجلسي، جـ32 صـ324، نقلاً عن “قرب الإسناد” للحميري، صـ246)
الاختلاف في الرأي لا يخرج من الملة
وفي نهج البلاغة (جـ3 صـ114) ورد عن الإمام عليٍّ قوله واصفًا بداية القتال:
«وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام. والظاهر أن ربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، لا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ﷺ ولا يستزيدوننا. الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء».
وهذا تصريحٌ واضح بأن الإمام عليًّا لم يعتبر أهل الشام – وعلى رأسهم معاوية – كفارًا، بل مسلمين مؤمنين اختلف معهم في اجتهادٍ سياسيٍّ حول دم عثمان رضي الله عنه.
النصوص الشيعية المتواترة تؤكد موقف الإمام:
جاء في كشف الغمة للأصفهاني (صـ39)، وجواهر الكلام للجواهري (جـ12 صـ338)، وقرب الإسناد (صـ62)، ووسائل الشيعة (11/62) ما يؤكد المعنى ذاته.
كما رُوي عنه عليه السلام قوله في نهج البلاغة (4/3):
«كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ، لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَلاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ».
وهذا يدل على أن علياً لم يكن يرى بكفر معاوية أو نفاقه بل كان يراه مؤمناً لأنه قال عنه: ((هم إخواننا بغوا علينا)) وقد استدل علي على إيمان معاوية من قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا..}
كما أورد المجلسي في بحار الأنوار (32/399) ومستدرك الوسائل (12/306):
«قال عليٌّ عليه السلام: كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين».
وهذه النصوص مجتمعةٌ تؤكد بجلاء أن الإمام عليًّا كان يرفض التكفير واللعن والشتم، ويرى أن الخلاف بينه وبين مخالفيه من أهل الجمل وصفين هو اختلاف اجتهاد لا عقيدة.
اعتراف صريح من أئمة الشيعة بأن عليًّا لم يُكفِّر أحدًا:
ذكر الحميري في قرب الإسناد (صـ86–93):
«أن عليًّا عليه السلام لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه كان يقول: هم إخواننا بغوا علينا».
وقال أيضًا: «كان يقول لأهل حربه: إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنا على حق ورأوا أنهم على حق».
وفي وسائل الشيعة (جـ15 صـ83) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليٍّ عليه السلام أنه قال:
«القتل قتلان: قتل كفارة، وقتل درجة، والقتال قتالان: قتال الفئة الباغية حتى تفيء، وقتال الفئة الكافرة حتى تسلم».
وهذا يدلُّ صراحةً على أن معاوية وجنده ليسوا كفارًا، إذ لو كانوا كذلك لقاتلهم عليٌّ قتالَ الفتح لا قتالَ الفئة الباغية.
رؤية أهل السنة توافق ما ورد في كتب الشيعة
ثبت في مصنف ابن أبي شيبة (8/707):
عن طارق بن شهاب قال: كنت مع علي حين فرغ من قتال أهل النهروان، فقيل له: أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا. قيل: فمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم.
وهذا النص يتفق مع ما ورد في كتب الشيعة أنفسهم من أن الإمام عليًّا لم يكن يرى في مخالفيه كفارًا ولا منافقين، وإنما بغاة متأوّلين.
الإمام عليٌّ يمدح معاوية ويكشف خذلان الكوفيين
في نهج البلاغة (1/881) قال عليٌّ رضي الله عنه:
«لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلًا منهم. يا أهل الكوفة منيت بكم بثلاث واثنتين: صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمى ذوو أبصار. لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء. تربت أيديكم، يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها، كلما جمعت من جانب تفرقت من جانب آخر».
وهذا يدل على احترام الإمام عليٍّ لخصومه واعترافه بكفاءتهم، مقابل استيائه من ضعف أنصاره في الكوفة.
اعتراف شيعي تاريخي صريح: من قتل الحسين هم أهل الكوفة
يذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي في تاريخه (جـ1 صـ235):
أنه لما دخل علي بن الحسين الكوفة رأى نساءها يبكين ويصرخن، فقال: «هؤلاء يبكين علينا، فمن قتلنا؟ أي من قتلنا غيرهم!».
وهذا تصريح تاريخي دامغ بأن الذين غدروا بالحسين رضي الله عنه هم أهل الكوفة الذين ادعوا نصرته ثم خانوه.
خلاصة واستنتاج
تُجمِع النصوص الشيعية المعتبرة — قبل السنية — على أن الإمام عليًّا رضي الله عنه لم يكفّر مخالفيه، وأنه كان يرى فيهم إخوةً مؤمنين متأوّلين. فادعاءُ بعض المعاصرين من الشيعة أن عليًّا كان يكفّر معاوية أو الصحابة باطلٌ بنصوص أئمتهم أنفسهم. بل إن الإمام عليًّا وقف موقف العدل والرحمة، مؤكدًا أن الخلاف في الاجتهاد لا يُخرج من الملة.
المصادر والمراجع:
◘ بحار الأنوار – المجلسي – جـ32 صـ324، جـ23 صـ324، جـ32 صـ399.
◘ نهج البلاغة – جـ3 صـ114، جـ1 صـ881، جـ4 صـ3.
◘ قرب الإسناد – الحميري القمي – صـ86–94.
◘ وسائل الشيعة – جـ15 صـ83.
◘ تاريخ اليعقوبي – جـ1 صـ235.
◘ مصنف ابن أبي شيبة – جـ8 صـ707.
◘ كشف الغمة – الأصفهاني – صـ39.
◘ جواهر الكلام – الشيخ الجواهري – جـ12 صـ338.
◘ مستدرك الوسائل – جـ12 صـ306.