تعد مسألة الصفات الإلهية من أدق مسائل العقيدة، وقد ضلت فيها طوائف كثيرة بين التمثيل والتعطيل. ومن الروايات الغريبة التي وردت في مصادر الشيعة، روايات تفسر قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: 42]، على وجه يجري فيه ذكر الساق ورفع الإزار وكشفه، بل ورد فيها أن الإمام المعصوم أشار إلى ساقه فكشف عنها.
وقد استغل بعض علماء أهل السنة هذه الروايات لتبيين تناقض منهج الإمامية الذين يرمون أهل السنة بالتجسيم، بينما في كتبهم أوصاف ظاهرة الجسد، من كشف الساق ورفع الإزار، منسوبة إلى الله تعالى أو إلى الأئمة!
في هذا المقال نعرض نصوص رواياتهم كاملة من كتاب التوحيد للصدوق وبحار الأنوار للمجلسي، ثم نبيّن كيف فسّر بعض علمائهم هذه الروايات، وأنهم اختلفوا بين من حملها على التجسيم حقيقة، ومن أولها إلى المجاز والشدة، مع توضيح المعنى الصحيح للآية عند أهل السنة والجماعة.
نصوص الروايات من كتب الشيعة:
1) عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز وجل: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾، قال: تبارك الجبار، ثم أشار إلى ساقه فكشف عن الأزرار، وقال: ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون... (توحيد الصدوق، ص 155، ح2).
2) عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن البزنطي، عن الحسين بن موسى، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كشف إزاره عن ساقه ويده الأخرى على رأسه وقال: سبحان ربي الأعلى (توحيد الصدوق، باب 14، ص155).
3) وعن الحسين بن سعيد، عن أبي الحسن (عليه السلام) في قوله: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾، قال: حجاب من نور يُكشف فيقع المؤمنون سجدًا وتُدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود (بحار الأنوار، ج4، ص7).
تفسير علماء الشيعة للفظ الساق:
ذكر الخوئي في منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (ج8، ص347):
"الساق ما بين الركبة والقدم، وقيل: المراد بالساق الشدة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾، أي شدة الدنيا بشدة الآخرة."
معنى الساق:
اللغة (السّاق) ما بين الركبة والقدم والجمع سوق قال سبحانه: فطفق مسحا بالسّوق والأعناق، والسّاق أيضا الشدّة ومنه قوله تعالى: ويوم يكشف عن ساق، أي عن شدّة، قال الفيروز بادى: والتفت السّاق بالسّاق آخر شدّة الدّنيا بأوّل شدّة الآخرة و(النّواجذ) أقصى الأؤضراص و(الأخلاف) جمع الخلف بالكسر كحمل وأحمال وهو من ذوات الخف والظّلف كالثدى للإنسان و(العلقم) الحفظل وقيل قثاء الحمار ويقال لكلّ شيء مرّ للعلاّمة المؤيد المسدّد المتبحر الأديب الحاج مير حبيب اللّه بن السّيد محمّد الملقب بأمين الرعايا ابن السّيد هاشم بن السيّد عبد الحسين رضوان اللّه عليهم اجمعين.
الرد على الشبهة:
هذه الروايات لا يمكن حملها على المجاز بسهولة، إذ إن فيها أوصافًا حسية كالإشارة إلى الساق وكشف الإزار، وهي لا توافق التأويل اللغوي الذي ذكره المتأخرون. فإن قالوا إن المراد بها بيان الشدة، بطل معنى الإشارة والحركة المذكورة. وإن أقرّوا بظاهرها فقد أثبتوا لله تعالى ساقًا على النحو الذي يرمون به غيرهم بالتجسيم.
أما عند أهل السنة والجماعة فالمعنى واضح: نؤمن بأن لله ساقًا كما يليق بجلاله، من غير تمثيل ولا تكييف، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ [القلم: 42]، ولا نقول إنها شدة أو مجاز إلا بدليل صريح، مع تنزيه الله عن مشابهة خلقه.
المصادر:
◘ توحيد الصدوق، باب 14، ص155، مؤسسة مكتبة الصدوق، علي أكبر الغفاري.
◘ بحار الأنوار، ج4، باب 1، ص7، محمد باقر المجلسي.
◘ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج8، ص347، حبيب الله الأمين.
◘ القُرآن الكريم: [القلم-الشورى].