بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد...

ففي زمنٍ كثر فيه التشويش والتضليل، لا تزال الفرقة الضالة الشيعة الإمامية تسعى بكل وسيلة للطعن في علماء أهل السنة والجماعة، رغبةً في تشويه التراث الإسلامي الصحيح وهدم رموزه الفكرية والعقدية. ومن أحدث افتراءاتهم قولهم إن الإمام العلامة ابن القيم الجوزية رحمه الله – قد أباح للنساء استعمال ما يسمى بـ “الإكرنبج” (وهو قضيب صناعي مصنوع من الجلد أو الخشب) للاستمناء، وأنه أجاز للرجل الاستمناء في بطيخة! وهذه فرية باطلة، ومغالطة متعمدة، اقتُطع فيها كلام العالم من سياقه، وشُوِّه القصد الشرعي من وراء بحثه العلمي الدقيق.

إن هذا النوع من الشبهات ليس المقصود به البحث عن الحقيقة، وإنما الطعن في علماء الإسلام لإسقاط المصداقية عن منهج أهل السنة. وسنعرض في هذا المقال نصوص ابن القيم كاملة من كتابه بدائع الفوائد، ونبيّن وجه الحق في قوله، وكيف أنه صرّح بالتحريم لا الإباحة، ثم نكشف التناقض الفاضح عند الشيعة أنفسهم من خلال نصوصهم التي تبيح ما هو أشد من ذلك، ليتبين للقارئ المنصف أن القوم ليس قصدهم الدفاع عن الأخلاق، بل تدمير الإسلام باسمها.

في الآونة الأخيرة كثُر تداول بعض الشبهات التي يروجها أتباع الفرقة الضالة (الشيعة الإمامية) للطعن في علماء أهل السنة والجماعة، ومن تلك الشبهات الزعم الباطل أن الإمام العلامة ابن القيم الجوزية رحمه الله – أباح للمرأة استعمال ما يسمى بـ الإكرنبج (وهو قضيب صناعي مصنوع من الجلد أو الخشب) في الاستمناء، وأنه أجاز للرجل الاستمناء في بطيخة مقوّرة! وهذه فرية مكشوفة ومضللة تدل على جهل ناشريها وسوء قصدهم، إذ اقتطعوا كلام ابن القيم من سياقه وبتروا النصوص ليُلبسوا على الناس دينهم.

وفي هذا المقال نستعرض النص الكامل لكلام الإمام ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد، مع بيان مقصده الصحيح، ثم نُبرز تناقض الشيعة في هذا الباب من خلال نصوصهم الموثقة، لنظهر للقارئ الكريم زيف دعاواهم وبطلان طعنهم.

رأي ابن القيم في الاستمناء

هل أباح العلامة ابن القيم (الاكرنبج) للنساء؟

فلا زالت زوابع التشكيك تهجم بضراوة على أهل السنة والجماعة، باحثة عن القليل من الحجة والبرهان ولكن هيهات. فمثل المعاند للحق كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل ولعل من الشبهات الجديدة التي باتت تتكرر هذه الأيام ما ادعاه البعض من تجويز العلامة ابن القيم للاكرنبج المستخدم في الاستمناء، فوقع بين يدّي كلاماً للشيخ الفاضل عبد السلام المغربي بيّن فيه الحق في المسألة فأحببت أن أضم إلى كلامه بعض الاستشهادات من كتب الشيعة التي من شأنها أن تثري الموضوع، وتجلي الحق لكل منصف.

رأي ابن القيم رحمه الله في (الاستمناء): صدّر ابن القيم رحمه الله الفصلَ بذكر رأيه في مسألة الاستمناء، ألا وهو التحريم بقوله: (إذا قدر الرجل على التزوج أو التسري حرم عليه الاستمناء بيده) وهذا هو الحكم الشرعي الأصلي الذي ذهب إليه، فزيادة على أنه أورده بصيغة الجزم، فتصديره أيضاً بذلك يشير بقوة إلى ترجيحه، لما علم عند أهل العلم من أنّ التصدير يؤذن بالتشهير، ثم أورد كلام الفقهاء ومذاهبهم في المسألة، فما عدا قولَه من الآراء إنما أورده آثراً لا ذاكراً.

ثم أورد بعد ذلك قول ابن عقيل أنّ الأصحاب قالوا بكراهة الاستمناء، والكراهة في اصطلاح المتقدمين تعني غالباً التحريم، وإنما كانوا يتحرزون من التصريح بالتحريم توقياً من الدخول في قوله تعالى ﴿لا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب، وغير ذلك من النصوص، وهذا من عظيم ورع السلف الصالح وعلمهم. هل أجاز ابن القيم استخدام المرأة (الاكرنبج)؟

بعد أن أشار ابن القيم رحمه الله إلى حكم الاستمناء ورأي العلماء فيه نقل عن ابن عقيل أنّ أحمد بن حنبل نص على أنه يجوز ذلك عند الضرورة، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، لأنه قد اتفق العقلاء من أهل الكفر، فضلاً عن العلماء من أهل الإسلام أنّ الضرورات تبيح المحظورات.
ثم نقل عن ابن عقيل رحمه الله تعالى كلام بعض العلماء في جواز استعمال الإكرنبج وغيره للمرأة عند الاضطرار، وأردفه بترجيح الحرمة لكون ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل الثابت في السنة الصوم.

فقال في كتابه بدائع الفوائد 1471 (وإن كانت امرأة لا زوج لها واشتدت غلمتها فقال بعض أصحابنا يجوز لها اتخاذ الاكرنبج وهو شيء يعمل من جلود على صورة الذكر فتستدخله المرأة أو ما أشبه ذلك من قثاء وقرع صغار والصحيح عندي أنه لا يباح لأنّ النبي إنما أرشد صاحب الشهوة إذا عجز عن الزواج إلى الصوم).

وبالنظر إلى كلام ابن القيم رحمه الله نخلص إلى عدة فوائد هي:

أولا: هذا يبين لك كذب الشيعة الإثني عشرية في نسبة هذه الأقوال لابن القيم رحمه الله، وليس ذلك بغريب عن من كذب على أصحاب رسول الله وآل بيته الكرام. 

ثانيا: أما في صدور هذا القول عن بعض أهل العلم، ففيه أمور: فيه دلالة على اطلاع علماء أهل السنة على ما يجري بين الناس، وهو ميزة عظيمة، وشرط لابد منه في من يتصدى لإفتاء الناس في أمور دينهم، لأنّ الذي يفتي بغير اطلاع على الواقع يكون أقرب للخطأ من الصواب، لأنّ الحكم على الشيء فرع عن تصوره.ـ وفيه دلالة على أداء أهل العلم للأمانة التي حملهم الله تعالى إياها في قوله ﴿وإذ أخذنا ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عن الله)، وقال أيضاً: (من سئل عن علم فكتمه)، وفي رواية (من تعلم علماً فكتمه، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فليبلغ الشاهد الغائب)، والنصوص في ذلك متضافرة متواترة.

هل في ذكر (الاكرنبج) ما يعيب ابن القيم أو غيره من أهل العلم؟

كلام ابن القيم رحمه الله تعالى المذكور آنفاً فيه دلالة على أنّ أهل السنة يزنون الأمور بميزان العلم، لا بميزان العواطف الكاذبة، والشبهات الزائفة، فإنه من المتفق عليه بين أهل العلم أن لكل فعل من أفعال الناس حكم شرعي، وأنّ أهل العلم يجب عليهم أن يبينوا للناس حكم الله تعالى في أفعالهم، وأن يتناولوها بالبحث والدراسة، وإن كان في ذلك ما يستحيى منه في العادة، لأنّ الله لا يستحيي من الحق كما في السنة، والله تعالى في كتابه تحدث عن أفعال قوم لوط، فقال تعالى ﴿أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم، وقال ﴿إئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء، وليس الاكرنبج وشبهه بأقبح من فعل قوم لوط.

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفصل المسائل التي يستقبحها من الناس تفصيلاً، فقال: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل)، وقال: (إذا قعد بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)، وفي حديث عائشة عند البخاري: (جاءت امرأة رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت كنت عند رفاعة فطلقني فبَــتَّ طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك، قالت: وأبو بكر عنده وخالد بالباب ينتظر أن يؤذن له، فنادى: يا أبا بكر ألا تسمع هذه ما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وفي حديث أنس: (جاءت أم سليم وهي جدة إسحاق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: وعائشة عنده: يا رسول الله المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه، فقالت عائشة يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك فقال لعائشة بل أنت فتربت يمينك نعم فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذاك).

فانظر كيف شنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة عندما عابت فعل أم سليم، وبين أنّ ذلك هو الواجب، لأنّ الأمر دين، وليس يتعبد الله بالجهل، ومن لم يسأل لم يعلم، ومن لم يعلم عبد الله وهو جاهل، ومن كان هذا شأنه فهو على شفى هلكة، ولذلك كانت عائشة تقول: (رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين)، ومما يبين شدة حياء نساء الأنصار ما جاء في حديث عائشة: أنها (ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن وقالت لهن معروفاً وقالت لما نزلت سورة النور عمدن إلى حجوز فشققنهن فاتخذنه خمراً).

وعن أم سلمة قالت: (لما نزلت يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء الأنصار كأنّ على رؤوسهن الغربان من الأكسية).

فإن كان مجرد ذكر هذه الأمور في كتب الدين قبيح، فالطعن في كتاب الله أولى من الطعن في كتاب ابن القيم، والطعن في النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى من الطعن في شيخ الإسلام، وإن كانت المسألة إنما هي طعن في ابن القيم بسبب إيراد قول من يبيحها للضرورة، فهو طعن من جاهل بليد غبي مغرض، فلا يلتفت إليه، فقد أباح الله تعالى ما هو أشد من ذلك للمضطر: أباح أكل الميتة وشرب الخمر وغيرَها كما في قوله: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإنّ الله غفور رحيم).

ثم نقول لمن يستشنع ما ذهب إليه هؤلاء العلماء: إذا اشتد بالرجل أو المرأة الشبق، ولم ينفع معه الصيام، فما هو الأخف: أن نرخص لهما في الاستمناء والاكرنبج؟ أم نرخص لهما في الزنى؟ أفيدونا يا أهل العقل؟ 

أفيدونا يا من ورثتم علم الأئمة المعصومين الذين ورثوا علم الأوائل والأواخر حتى فاقوا أولي العزم من الرسل، بل حتى حووا علم اللوح المكنون؟

فإن قلتم: ليس في المسألة حكم لله ورسوله، ناديتم على أنفسكم بالجهل، وخالفتم قول الله تعالى: ﴿وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء.  وإن قلتم نسكت ولا نتكلم: خالفتم قوله تعالى ﴿لتبيننه للناس ولا تكتمونه.

وإن قلتم: الزنى أهون، فلا كلام معكم، فإنما أنتم زنادقة مكابرون، تخالفون العقل والنقل والإجماع والضرورة والحس، والمكابر يسقط معه الكلام رأساً.

وإن قلتم: الإكرنبج أهون، فقد وافقتم قولنا بعد أن شنعتم، فعاد الطعن عليكم، وشهدتم على أنفسكم بالجهل والظلم والتعصب والتسرع وقلة الحياء، وخرجتم من الدين والعلم والعقل والخلق، فاختاروا أي المذاهب أهونها شرا، فنحن راضون لكم بذلك.
فعلم من هذا أنّ أهل السنة أكثر الناس ديناً وعلماً وعقلاً وخلقاً، وما الشيعة في تشنيعهم إلا كقول الشاعر:

وكم من عائب قولا صحيحا،،، وآفته من الفهم السقيم

وقول الثاني: ومن يك ذا فم مر مريض،،،، يجد مرا به الماء الزلالا

وقول الثالث: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد،،، وينكر الفم طعم الماء من سقم