فضل أمة محمد ﷺ ومكانته بين الأنبياء: شرح حديث "أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة" و"أنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"
من الأحاديث العظيمة التي تُظهر مكانة أمة محمد ﷺ وفضله على سائر الأنبياء ما جاء في صحيح مسلم والبخاري من قوله ﷺ:
«أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ... إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»
وقوله ﷺ في الحديث الآخر: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا... فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ».
هاتان الروايتان تُجسّدان فضل الأمة المحمدية، وعلو مقام نبيها ﷺ، وتبيّنان بلاغته في ضرب الأمثال لتقريب المعاني للعقول، كما تؤكدان أنه خاتم الأنبياء، وأن الرسالة اكتملت ببعثته.
376 - (221) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟» قَالَ: فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟» قَالَ: فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، مَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْكُفَّارِ إِلَّا كَشَعْرَةٍ بَيْضَاءَ فِي ثَوْرٍ أَسْوَدَ، أَوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِي ثَوْرٍ أَبْيَضَ» صحيح مسلم
(كَشَعْرَةٍ بَيْضَاءَ فِي ثَوْرٍ أَسْوَدَ أَوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِي ثَوْرٍ أَبْيَضَ) هَذَا شك من الراوي
شرح النووي على صحيح مسلم ج 3 ص 95
(إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود) في الوراية الثانية " أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الاحمر " قال ابن التين: أطلق الشعرة، وليس المراد حقيقة الوحدة، لانه لا يكون ثور ليس في جلده غير شعرة واحدة من غير لونه. فالكلام كناية عن قلة المسلمين عددا بالنسبة لغيرهم من الامم.
[2287] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي إِلَى قَوْلِهِ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) فِيهِ فَضِيلَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَجَوَازُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ فِي الْعِلْمِ وغيره واللبنة بفتح اللام)
شرح النووي على مسلم ج 15 ص 51
5353 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ عبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ مَثَلِي ومثَلَ الأنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتَاً فأحْسَنَهُ وأجْمَلَهُ إلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ فجَعَلَ النَّاسَ يَطُوفُونَ بِهِ ويَعْجَبُونَ لَهُ ويَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنا اللَّبِنَةُ وأنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ.
قَوْله: (من زَاوِيَة)، قَالَ الدَّاودِيّ:
هِيَ الرُّكْن، وَفِي رِوَايَة همام عِنْد مُسلم: إلاَّ مَوضِع لبنة من زَاوِيَة من زواياها فَظهر أَن المُرَاد أَنَّهَا مكملة محسنة وإلاَّ لاستلزم أَن يكون الْأَمر بِدُونِهَا نَاقِصا وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن شَرِيعَة كل نَبِي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَامِلَة، فَالْمُرَاد مِنْهُ هُنَا النّظر إِلَى الْأَكْمَل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّرِيعَة المحمدية مَعَ مَا خص بِهِ من الشَّرَائِع.
وَفِيه: ضرب الْأَمْثَال للتقريب للأفهام، وَفضل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَائِر الْأَنْبِيَاء، وَأَن الله ختم بِهِ الْمُرْسلين وأكمل بِهِ شرائع الدّين.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج 16 ص 98
مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي إِلَى قَوْلِهِ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ
❗️الشبهة والرد عليها:
الشبهة:
زعم بعض المنحرفين أن تشبيه النبي ﷺ نفسه بـ"اللبنة" يدل على أن نبوته ناقصة أو أنه جزء من سلسلة لم تكتمل بعده، فيفتحون الباب لدعوى النبوة بعده.
الرد:
هذا باطل بإجماع المسلمين، بل الحديث نصٌّ قاطع في خَتْم النبوة به ﷺ، فقوله «وأنا خاتم النبيين» لا يحتمل التأويل، ومعناه أنه آخرهم لا نبي بعده.
وإنما ضرب المثل باللبنة لبيان تمام البناء به، لا لنقصٍ فيه. فالمبنى اكتمل بوضع تلك اللبنة، وبها اكتملت الرسالات وارتفع البناء شامخًا.