دأب الشيعة -وهم فرقة ضالّة خارجة عن الإسلام - على الطعن في أصحاب رسول الله ﷺ باستخدام أحاديث صحيحة أخرجوها عن سياقها أو أحاديث باطلة وضعوها بأيديهم، وذلك لتحقيق غاية خبيثة وهي تشويه صورة الصحابة الذين نقلوا الدين والقرآن والسنة إلى الأمة.
ومن أبرز ما يستدلون به زعمًا حديث البخاري في قوله ﷺ: «إنكُم محشورون إلى الله حفاة عراة غُرلا... فيؤخذ برجالٍ من أمتي ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي...»، فيحاولون جعله دليلاً على أن بعض الصحابة ارتدوا أو كفروا بعد النبي ﷺ، وهذا فهم باطل يدل على جهلٍ بالحديث، وجهلٍ بتعريف الصحبة في الشرع.
في هذا المقال نبيّن المعنى الصحيح للحديث، وندحض كذب الشيعة، ونوضح أن النبي ﷺ إنما يقصد المرتدين من الأعراب الذين كفروا بعد وفاته ﷺ، لا الصحابة الذين ثبتوا على الإيمان وقاتلوا المرتدين.
قال الامام البخاري:
" 4740 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، شَيْخٌ مِنَ النَّخَعِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ، وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 104]، ثُمَّ أن أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلاَ إِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا، مَا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ [المائدة: 117] إِلَى قَوْلِهِ ﴿شَهِيدٌ﴾ [المائدة: 117] فَيُقَالُ: أن هَؤُلاَءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ "
صحيح البخاري- بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ – ج 4 ص139
يحاول البعض أن يطعن بعدالة الصحابة الكرام من خلال هذا الحديث النبوي الشريف، فأقول أن هذا الحديث لا يوجد فيه اي مطعن بالصحابة الكرام، فالحديث فيه ردة بعض الناس بعد موت النبي صلى الله عليه واله وسلم،
وقد ذكرنا في التعريف الشرعي للصحابي وفق النصوص الشرعية، وفي اللغة ايضا بأن الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه واله وسلم مؤمنا به، ومات على الاسلام، ومن المعلوم أن المرتد لا يدخل في تعريف الصحبة الشرعية التي ذكرناها، وقد جاء حكم الردة والكفر على لسان ابي هريرة وانس بن مالك رضي الله عنهما، ومن هو المقصود بها بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.
ففي الصحيحين: "1399 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أن أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ "
صحيح البخاري - بَابُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ – ج 2 ص 104، وصحيح مسلم - بَابُ الْأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ – ج 1 ص 51
وفي سنن النسائي:
" 3969 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ أَبُو الْعَوَّامِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ الْعَرَبَ..... "
سنن النسائي - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي - ج 7 ص 76، وقال عنه الالباني في صحيح وضعيف سنن النسائي – حسن صحيح – ج 9 ص 41
فهذا قول أبي هريرة وانس رضي الله تعالى عنهما يبين أن الكفر، والردة قد تحققت في الذين قاتلهم ابا بكر والصحابة رضي الله تعالى عنهم، فالكلام واضح بأن هؤلاء قد ارتدوا بعد اسلامهم، واسلامهم كان في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وذلك لان ردتهم كانت بعد موته صلى الله عليه واله وسلم مباشرة.
ولهذا قال الامام ابن حجر:
" قَالَ الْفَرَبْرِيُّ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ هُمُ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي حَتَّى قُتِلُوا وَمَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَبِيصَةَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَرْتَدَّ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا ارْتَدَّ قوم من جُفَاة الاعراب مِمَّن لا نصرة لَهُ فِي الدِّينِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ قَدْحًا فِي الصَّحَابَةِ الْمَشْهُورِينَ ......"
فتح الباري – ابو الفضل احمد بن علي بن حجر – ج 11 ص 385
فتبين بعد بيان معنى الحديث بأنه لا يحق لاحد أن يطعن بالصحابة الكرام، أو يتعرض لجنابهم.