من أخطر ما ابتُليت به الأمة الإسلامية ظهور فرقٍ منحرفةٍ عن منهج النبي ﷺ وصحابته الكرام، تتخذ من الكذب على رسول الله ﷺ وسيلةً لنشر باطلها وتثبيت عقائدها الفاسدة. ومن أبرز هذه الفرق الشيعة الرافضة، الذين عُرفوا عبر التاريخ بتزييف الأحاديث ونسبة الأكاذيب إلى أئمة أهل البيت والصحابة الكرام، لخدمة أغراض سياسية ومذهبية، والطعن في كبار الصحابة الذين نقلوا الدين وحفظوا الشريعة.
فالشيعة – بجميع طوائفهم – ليسوا من جماعة المسلمين، لأنهم خرجوا عن عقيدة الإسلام الصافية، وابتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله، بل جعلوا الكذب دينًا، كما قال علماؤهم أنفسهم في "التقية" و"تحريف النصوص".
ومن صور هذا التزييف محاولتهم تحريف معنى كلام الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فحملوه على غير وجهه ليوهموا القارئ أنه كلام في "بيعة الخلافة"، بينما بيّن أئمة أهل السنة كالإمام النووي والعيني وغيرهما أن المراد به البيع والشراء والأمانة، لا المبايعة السياسية.
هذا المقال يكشف زيف استدلالات الشيعة بالروايات الضعيفة أو المحرّفة، ويفضح كيف يستخدمون النصوص الصحيحة على غير وجهها لتشويه الإسلام والصحابة، مع توثيقٍ دقيقٍ من كتب أهل السنة والجماعة.
الشيعة ووضع الأحاديث الباطلة:
في الصحيحين:
" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ: حَدَّثَنَا: «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ» وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: " يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ المَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلًا أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ " وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، فَأَمَّا اليَوْمَ: فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلَّا فُلاَنًا وَفُلاَنًا "
صحيح البخاري - بَابُ رَفْعِ الأَمَانَةِ – ج 8 ص 104، وصحيح مسلم - بَابُ رَفْعِ الْأَمَانَةِ وَالْإِيمَانِ مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَى الْقُلُوبِ – ج 1 ص 126
إن كلام حذيفة رضي الله عنه يتعلق بالبيع والشراء، ولا يمكن حمله على المبايعة على الخلافة، وذلك لان النصراني لا تنعقد له بيعة، وكذلك لا تصح البيعة لأكثر من شخص، فالكلام يتعلق بالبيع والشراء لأنه مرتبط بالأمانة، ومن الادلة على ذلك قوله في نفس الاثر (فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلًا أَمِينًا) فالسياق واضح بمراد البيع والشراء.
قال الإمام النووي:
" وَأَمَّا قَوْلُ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (ولقد أتى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لِأُبَايِعَ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا) فَمَعْنَى الْمُبَايَعَةِ هُنَا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ الْمَعْرُوفَانِ وَمُرَادُهُ أَنِّي كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ الْأَمَانَةَ لَمْ تَرْتَفِعْ وَأَنَّ فِي النَّاسِ وَفَاءً بِالْعُهُودِ فَكُنْتُ أُقْدِمُ عَلَى مُبَايَعَةِ مَنِ اتَّفَقَ غَيْرَ بَاحِثٍ عَنْ حَالِهِ وُثُوقًا بِالنَّاسِ وَأَمَانَتِهِمْ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَدِينُهُ وَأَمَانَتُهُ تَمْنَعُهُ مِنَ الْخِيَانَةِ وَتَحْمِلُهُ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَسَاعِيهِ وَهُوَ الْوَالِي عَلَيْهِ كَانَ أَيْضًا يَقُومُ بِالْأَمَانَةِ فِي وِلَايَتِهِ فَيَسْتَخْرِجُ حَقِّي مِنْهُ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ ذَهَبَتِ الْأَمَانَةُ فَمَا بَقِيَ لِي وُثُوقٌ بِمَنْ أُبَايِعُهُ وَلَا بِالسَّاعِي فِي أَدَائِهِمَا الْأَمَانَةَ فَمَا أُبَايِعُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْنِي أَفْرَادًا مِنَ النَّاسِ أَعْرِفُهُمْ وَأَثِقُ بِهِمْ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَحَمَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُبَايَعَةَ هُنَا عَلَى بَيْعَةِ الْخِلَافَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُعَاقَدَةِ وَالتَّحَالُفِ فِي أُمُورِ الدِّينِ قَالَا وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ قَائِلِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَوَاضِعُ تُبْطِلُ قَوْلَهُ مِنْهَا قَوْلُهُ وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ وَالْيَهُودِيَّ لَا يُعَاقَدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ والله اعلم "
شرح صحيح مسلم – يحيى بن شرف النووي – ج 2 ص 169 – 170
وقال العلامة العيني:
" قَوْله: (وَمَا أُبَالِي أَيّكُم بَايَعت) وَقَالَ ابْن التِّين: تَأَوَّلَه بعض النَّاس على بيعَة الْخلَافَة، وَهُوَ خطأ، فَكيف يكون ذَلِك وَهُوَ يَقُول: لَئِن كَانَ نَصْرَانِيّا ... إِلَى آخِره؟ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور وَهُوَ الصَّحِيح أَنه أَرَادَ بِهِ البيع وَالشِّرَاء المعروفين، يَعْنِي: كنت أعلم أَن الْأَمَانَة فِي النَّاس: فَكنت أقدم على مُعَاملَة من أَثِق غير باحث عَن حَاله وثوقاً بأمانته، فَإِنَّهُ إِن كَانَ مُسلما فدينه يمنعهُ من الْخِيَانَة ويحمله على أَدَاء الْأَمَانَة. وَإِن كَانَ كَافِرًا فساعيه، وَهُوَ الْوَالِي الَّذِي يسْعَى لَهُ. أَي الْوَالِي عَلَيْهِ يقوم بالأمانة فِي ولَايَته فينصفني ويستخرج حَقي مِنْهُ، وكل من ولى شَيْئا على قوم فَهُوَ ساعيهم مثل سعاة الزَّكَاة "
عمدة القاري – بدر الدين محمود بن احمد العيني – ج 23 ص 85