من المعلوم أن الشيعة الاثني عشرية لطالما سعوا إلى تشويه رموز الإسلام من الصحابة الكرام الذين نقلوا إلينا الدين والقرآن والسنة. ولا عجب في ذلك، فهم فرقة ضالة منحرفة عن الإسلام الحق، لا تمت إلى أهل السنة والجماعة بصلة. ومن أبرز أساليبهم بثّ الأحاديث الموضوعة والروايات المختلقة التي تهدف إلى إسقاط مكانة الصحابة، خاصة أولئك الذين كان لهم دور كبير في جمع القرآن الكريم، كزيد بن ثابت رضي الله عنه.
ومن بين الأكاذيب التي روجها بعض دعاة الشيعة –وعلى رأسهم علي الكوراني– نسبة رواية باطلة تزعم أن زيد بن ثابت كان يهوديًا، وهي فرية خطيرة تهدف إلى الطعن في القرآن الكريم ومصداقية نقله. وفي هذا المقال سنفند هذه الرواية تفنيدًا علميًا، ونكشف ضعف سندها وبطلان متنها، ونُظهر تدليس القوم وافتراءهم على علماء المسلمين.
وإن زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان
نص الشبهة كما أوردها الرافضي علي الكوراني:
قال الكوراني في كتابه الانتصار (ج3/ص165) ناقلًا رواية باطلة:
«حدثنا الحماني قال حدثنا شريك عن ابن إسحاق عن أبي الأسود أو غيره قال: قيل لفلان ألا تقرأ على قراءة زيد؟ فقال: ما لي ولزيد ولقراءة زيد، لقد أخذت من في رسول الله ﷺ سبعين سورة، وإن زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان».
وادعى الكوراني أن هذه الرواية موجودة في كتب أهل السنة، محاولًا من خلالها أن يشكك في نزاهة زيد بن ثابت، الصحابي الجليل الذي جمع القرآن بأمر النبي ﷺ ثم بأمر أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما.
التحقيق العلمي في الرواية
-1 عدم وجود الرواية بلفظ (يهودي) في كتب الحديث المعتبرة
لم ترد هذه الرواية بلفظ "يهودي" في أي كتاب من كتب الحديث المعتبرة لدى أهل السنة. واللفظ المذكور لم يُعرف إلا في كتاب أخبار المدينة (2/126)، وهو كتاب ليس من كتب الحديث المعتمدة في التوثيق، بل من كتب الأخبار والآثار التي لا يُحتج بها في العقيدة.
أما الرواية الصحيحة المعروفة فهي خالية من هذا اللفظ، كما في:
◘ مسند أحمد (1/411)
◘ سنن النسائي (8/124)
◘ فتح الباري (10/308)
◘ طبقات ابن سعد (2/343)
◘ سير أعلام النبلاء (1/473)
كل هذه المصادر المعتبرة ذكرت الرواية دون أي إشارة إلى أن زيدًا كان يهوديًا، مما يثبت أن هذه الزيادة مكذوبة ومُدرجة من جهة المغرضين.
-2 الرواية موجودة بغير هذا اللفظ في كتب الشيعة أنفسهم
العجيب أن الرواية موجودة في مصادر الشيعة مثل:
◘ الأمالي للطوسي (ص387)
◘ بحار الأنوار (22/108)
لكنها خالية تمامًا من لفظ (يهودي).
فلماذا أضاف الكوراني هذا اللفظ المكذوب؟
الجواب واضح: لإحداث شكوك في نفوس العامة حول نزاهة من جمع القرآن الكريم، وبالتالي الطعن في أصل الدين.
-3 ضعف السند وسقوط الرواية
الرواية ساقطة من عدة أوجه:
فيها يحيى بن عبد الحميد الحماني:
قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (1/593 ترجمة 5791): "كان يسرق الحديث".
فهو متهم بالكذب وسرقة الروايات، فلا يُقبل خبره في مثل هذا الباب العظيم.
في السند شكّ صريح:
ورد في السند: «عن أبي الأسود أو غيره»، وهذا من أفحش أنواع الاضطراب في الإسناد، مما يجعل الرواية ساقطة لا يُحتج بها.
فيه شريك بن عبد الله القاضي
قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (رقم 2787):
"مدلس، سيئ الحفظ، وما انفرد به يُعد منكرًا".
فالرواية من طريقه لا تثبت، خاصة إن انفرد بها دون غيره.
د. فيه محمد بن إسحاق
وهو مدلس معروف، وقد عنعن في هذه الرواية، أي لم يصرح بالسماع، مما يسقط الاحتجاج بها.
-4 وقد أورد علي الكوراني هذه الرواية ليثبت للناس أنه غير نزيه ولا مؤتمن علميا فيما ينقل لما يلي:
أولا: فيه يحيى بن عبد الحميد الحماني: كان يسرق الحديث (1/593 ترجمة5791).
ثانيا: ورد في السند الشك بين أن يكون الراوي هو أبو الأسود أو غيره. هكذا « عن أبي الأسود أو غيره». فكيف يقبل مثل هذا السند للطعن بزيد جامع القرآن؟
ثالثا: فيه شريك بن عبد الله القاضي وهو مدلس وضعيف وما انفرد به يعد منكرا كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (تقريب التهذيب2787).
رابعا: فيه ابن إسحاق. وهو مدلس وقد عنعن.
خامسا: أن الرواية الأصح والأشهر لم تتضمن هذا اللفظ (يهودي) (أنظر مسند أحمد1/411 أنظر سنن النسائي 8/124 فتح الباري10/308 طبقات ابن سعد2/343 سير أعلام النبلاء1/473).
فويل لهذا الرافضي الذي يطعن في أصل القرآن ومصداقيته عن طريق استساغة وصف جامع القرآن (زيد) بأنه يهودي بما يفتح بابا أمام اليهود والنصارى للطعن في القرآن.
الرد على الهدف من هذه الرواية المكذوبة
إن الهدف من نشر هذه الرواية ليس مجرد طعن في زيد بن ثابت، بل هو طعن غير مباشر في القرآن الكريم الذي جمعه الصحابي الجليل بأمر النبي ﷺ ثم في عهد الخلفاء الراشدين.
فإذا تم تشويه صورة من جمع القرآن، انفتح الباب للطعن في مصداقية القرآن نفسه، وهو ما يسعى إليه أعداء الإسلام من الرافضة وغيرهم.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ⦗الحجر: 9⦘
فحفظ الله لكتابه لا يمكن أن يعبث به كاذب أو مدلس، ولو اجتمع أهل الباطل على ذلك.
المصادر والمراجع
1) الانتصار لعلي الكوراني (3/165).
2) مسند الإمام أحمد (1/411).
3) سنن النسائي (8/124).
4) فتح الباري لابن حجر (10/308).
5) طبقات ابن سعد (2/343).
6) سير أعلام النبلاء (1/473).
7) ميزان الاعتدال للذهبي (1/593).
8) تقريب التهذيب لابن حجر (رقم 2787).
9) الأمالي للطوسي (ص387).
10) بحار الأنوار للمجلسي (22/108).
11) أخبار المدينة (2/126).