من أخطر ما تفعله الفرق الضالة وعلى رأسها الشيعة الإمامية أنهم يلجأون إلى تحريف الأحاديث النبوية أو اقتطاع النصوص من سياقها للطعن في أصحاب النبي ﷺ، وخاصة الصحابة الكرام الذين نقلوا الدين وحفظوا السنة. فترى الرافضة يروّجون أحاديث موهمة أو موضوعة يزعمون أنها من كتب أهل السنة، ثم يستدلّون بها على اتهام الصحابة بالنفاق أو الخيانة، مع إن علماء الحديث بيّنوا ضعفها أو فسّروها بما يوافق العقيدة الصحيحة.
وفي هذا المقال سنعرض مثالًا على ذلك من خلال الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن المنافقين الاثني عشر، وهو الحديث الذي يتشبّث به بعض الشيعة للطعن في الصحابة، بينما الحقيقة أنه لا علاقة له بهم أصلًا، وإنما الحديث يتناول فئة من المنافقين الذين ادّعوا الصحبة ظاهرًا لا حقيقة، وقد بيّن الأئمة معنى “أصحابي” في هذا الحديث، ووضحوا أنه لا يعني الصحابة الإيمانيين الذين أثنى الله عليهم في القرآن، بل يعني من انتسب للصحبة بالزمان لا بالإيمان.
وكذلك يستشكل البعض بحديث قد ورد في صحيح الإمام مسلم:
"حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَمَّارٍ: أَرَأَيْتُمْ صَنِيعَكُمْ هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ فِي أَمْرِ عَلِيٍّ، أَرَأْيًا رَأَيْتُمُوهُ أَوْ شَيْئًا عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَلَكِنْ حُذَيْفَةُ أَخْبَرَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا، فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ وَأَرْبَعَةٌ» لَمْ أَحْفَظْ مَا قَالَ شُعْبَةُ فِيهِمْ "
صحيح مسلم - كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ – ج 4 ص 2143
والجواب على ذلك:
ان هذا الحديث له لفظ اخر من حديث قيس بن عباد عن عمار رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: " فِي أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدُونَ رِيحَهَا، حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ، سِرَاجٌ مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِي أَكْتَافِهِمْ، حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ»"
صحيح مسلم - كِتَابُ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ – ج 4 ص 2143
قال الإمام النووي:
" أما قوله صلى الله عليه وسلم في أَصْحَابِي فَمَعْنَاهُ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إِلَى صُحْبَتِي كَمَا قال فى الرواية الثانية فى أمتى "
شرح صحيح مُسلم - أبو زكريا يحيى بن شرف النووي - ج 17 ص 125
فتحمل الصحبة في هذا الحديث على الصحبة اللغوية لا الشرعية، وذلك لان ذكر هؤلاء الأنثى عشر بصفة المنافقين لا يدخلون بتعريف الصحبة الشرعية التي يقول بها اهل السنة، قال الله تعالى: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2): النجم﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ [التكوير: 22]، وقال تعالى: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39): يوسف﴾، وقال تعالى: ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ [الكهف: 37] فهذه الصحبة المذكورة كلها صحبة زمانية، او مكانية، ولا علاقة لها بالصحبة الايمانية التي يدخل فيها تعريف الصحابي اصطلاحا عند اهل السنة .
ونقول إن المنافقين لم يكونوا هم السواد الاعظم في مجتمع الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم بل إن الله تعالى يقول: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60):﴾ [الأحزاب: 60].
قال الحافظ ابن كثير:
" ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أي: لنسلطنَّك عليهم "
تفسير ابن كثير - أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير - ج 6 ص 483
فنقول إن هؤلاء المنافقين لو كان منهم خطر على الامة لبين النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم اعيانهم، وكذلك لسلط الله تعالى عليهم نبيه فلا يجاورونه فيها لا قليلا.
قال الحافظ ابن كثير:
"﴿ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا﴾ أي: في المدينة ﴿إِلا قَلِيلا * مَلْعُونِينَ﴾ حال منهم في مدة إقامتهم في المدينة مدة قريبة مطرودين مبعدين، ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا﴾ أي: وجدوا، ﴿أُخِذُوا﴾ لذلتهم وقلتهم، ﴿وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا﴾ "
تفسير ابن كثير - أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير - ج 6 ص 483
ومن المعلوم إن الصحابة الكرام هم من اعلى الله تعالى بهم الدين، وهم الذين قاتلوا المرتدين بعد موت رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم، فلا يمكن حمل الحديث النبوي الشريف على الصحابة الكرام الذين تعظمهم الامة، فمن حمل الحديث على الصحابة الكرام واراد الطعن بهم فهو اما جاهل لا يعرف طريقة الاستدلال الصحيح، او زنديق يريد الطعن برموز الاسلام لينشر كفره، وزندقته.