من أخطر ما واجه الأمة الإسلامية عبر التاريخ هو تحريف النصوص والأحاديث النبوية لخدمة أغراض مذهبية وسياسية بعيدة عن روح الإسلام الصحيح. وقد اشتهر الشيعة الإمامية وفرقهم المنحرفة بإيراد أحاديث موضوعة ومكذوبة على لسان الصحابة الكرام وأئمة الإسلام، لتشويه صورة أهل السنة والجماعة، وإحداث الفتنة بين المسلمين.
فالشيعة – بما فيهم الإثنا عشرية والاثنا عشرية والرافضة – فرقة ضالة خارجة عن جماعة المسلمين، لا تمت لمنهج النبي ﷺ وأصحابه بصلة، بل اعتمدت على الروايات الموضوعة والتفاسير الباطلة لتبرير معتقداتهم في الإمامة والعصمة والطعن في الصحابة.
وفي هذا المقال نسلط الضوء على مثال من الأحاديث التي يتداولها الشيعة للطعن في الصحابة الكرام، وهو أثر يُنسب إلى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وقد تبيّن عند أهل التحقيق من أئمة السنة بطلان سنده وانقطاعه، كما أن متنه له تأويل صحيح ومعنى مستقيم لا يدعم أبداً مزاعم الشيعة.
فمن الواجب على كل مسلم باحث عن الحق أن يتحقق من صحة الأحاديث قبل نشرها أو اعتمادها في العقيدة، حتى لا يقع فريسة للتزييف الذي تبثه هذه الطائفة المنحرفة.
قال الامام ابن ابي شيبة:
"33720- حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: إنِّي أَشْتَرِي دِينِي بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مَخَافَةَ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّهُ.
33721- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ عُثْمَان لِحُذَيْفَةَ: بَلَغَنِي أَنَّك قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: لاَ وَاللهِ مَا قُلْته، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: سألك فَلَمْ تقر له ما سَمِعَتُكَ تَقُولُ، فقَالَ: إنِّي أَشْتَرِي دِينِي بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مَخَافَةَ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّهُ "
المصنف – ابو بكر عبد الله بن محمد بن ابي شيبة - ج 12 ص 360
والأثران لا يصحان، فعلة الأول الانقطاع فإن أبا قلابة لم يدرك حذيفة رضي الله عنه.
قال الحافظ الذهبي:
" 178 - أَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدِ .....
حَدَّثَ عَنْ: ثَابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ فِي الكُتُبِ كُلِّهَا.
وَعَنْ: أَنَسٍ كَذَلِكَ، وَمَالِكِ بنِ الحُوَيْرِثِ كَذَلِكَ.
وَعَنْ: حُذَيْفَةَ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) - وَلَمْ يَلْحَقْهُ – "
سير اعلام النبلاء – محمد بن احمد الذهبي – ج 4 ص 468
وقال الحافظ ابن حجر:
" 388 - ع (الستة) عبدالله بن زيد بن عمرو ويقال عامر بن نابل بن مالك بن عبيد بن علقمة ابن سعد أو قلابة الجرمي البصري أحد الاعلام.
روى عن ثابت الضحاك الانصاري وسمرة بن جندب ..... وأرسل عن عمر وحذيفة وعائشة "
تهذيب التهذيب – احمد بن علي بن حجر – ج 5 ص 197
وقال في الاصابة: " لأن أبا قلابة لم يدرك حذيفة "
الاصابة - احمد بن علي بن حجر – ج 7 ص 216
من ناحية السند:
فهذا الاثر منقطع ولا يصح، وذلك لان أبا قلابة لم يدرك حذيفة رضي الله عنه اصلا.
وأما الأثر الأخر فعلته عنعنة الاعمش، والأعمش لا يُقبل منه إلا إذا صرح بالتحديث.
قال الامام الخطيب:
" أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَلَّانَ الْوَرَّاقُ، قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ الْحَافِظُ: " قَدْ كَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِثْلُ شُعْبَةَ وَغَيْرِهِ التَّدْلِيسَ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَبِيحٌ وَمَهَانَةٌ، وَالتَّدْلِيسُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، فَإِنْ كَانَ تَدْلِيسًا عَنْ ثِقَةٍ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُوقَفَ عَلَى شَيْءٍ وَقُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ كَانَ يُدَلِّسُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الْحَدِيثُ إِذَا أَرْسَلَهُ حَتَّى يَقُولَ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ، أَوْ سَمِعْتُ، فَنَحْنُ نَقْبَلُ تَدْلِيسَ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَنُظَرَائِهِ لِأَنَّهُ يُحِيلُ عَلَى مَلِيءٍ ثِقَةٍ، وَلَا نَقْبَلُ مِنَ الْأَعْمَشِ تَدْلِيسَهُ لِأَنَّهُ يُحِيلُ عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ، وَالْأَعْمَشُ إِذَا سَأَلْتَهُ: عَمَّنْ هَذَا؟ قَالَ: عَنْ مُوسَى بْنِ طَرِيفٍ، وَعَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، إِذَا وَقَّفْتَهُ، قَالَ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، وَنُظَرَائِهِمَا، فَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْلِيسَيْنِ "
الكفاية – ابو بكر احمد بن علي بن ثابت البغدادي – ج 1 ص 362
وقال الامام ابن حبان:
" وأما المدلسون الذين هم ثقات وعدول، فإنا لا نحتج بأخبارهم إلا ما بينوا السماع فيما رووا مثل الثوري، والاعمش .... "
صحيح ابن حبان – محمد بن حبان البستي - ج 1 ص 161
وقال الامام ابن حجر:
" الثالثة: من أكثروا من التدليس وعرفوا به وهم: ..............................
37- وسليمان الاعمش "
النكت على كتاب ابن الصلاح – احمد بن علي بن حجر – ج 2 ص 640
فعنعنة الاعمش غير مقبولة عند اهل العلم كما بينت من كلامهم، ولهذا اقول ان الاثر الثاني لا يصح، وعلته عنعنة الاعمش.
من ناحية المتن:
فقد قال الامام ابن قتيبة:
" كَأَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ: وَالنَّاسُ يَقُولُونَ عِنْدَ الْغَضَبِ، أَقْبَحَ مَا يَعْلَمُونَ، وَعِنْدَ الرِّضَا أَحْسَنَ مَا يَعْلَمُونَ.
إِنَّ عُثْمَانَ خَالَفَ صَاحِبَيْهِ، وَوَضَعَ الْأُمُورَ غَيْرَ مَوَاضِعِهَا، وَلَمْ يُشَاوِرْ أَصْحَابَهُ فِي أُمُورِهِ، وَدَفَعَ الْمَالَ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ. هَذَا وَأَشْبَاهُهُ.
فَوَشَى بِهِ إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ واشٍ، فَغَلَّظَ الْقَوْلَ وَقَالَ: ذُكِرَ أَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي ظَالِمٌ خَائِنٌ، هَذَا وَمَا أَشْبَهُهُ.
فَحَلَفَ حُذَيْفَةُ بِاللَّهِ تَعَالَى مَا قَالَ ذَلِكَ، وَصَدَقَ حُذَيْفَة أَنه لم يقل: إِن عُثْمَان خَائِنٌ ظَالِمٌ، وَأَرَادَ بِيَمِينِهِ اسْتِلَالَ سَخِيمَتِهِ، وَإِطْفَاءَ سَوْرَةَ غَضَبِهِ وَكَرِهَ أَنْ يَنْطَوِيَ عَلَى سُخْطِهِ عَلَيْهِ "
تأويل مختلف الحديث – عبد الله بن مسلم بن قتيبة – ص 88 – 89
فالكلام له توجيه كما قال الامام ابن قتيبة.