من المعلوم أن فرقة الشيعة - وهي فرقة ضالة خرجت عن جماعة المسلمين - درجت عبر التاريخ على بث الشبهات والطعن في أصحاب رسول الله ﷺ، مستخدمةً أحاديث باطلة ومكذوبة ومرويات منكرة لا أصل لها، لتقويض الثقة في نقلة الدين ورواة السنة. والغرض من هذه الأكاذيب الطائفية هو زعزعة مكانة الصحابة الكرام رضي الله عنهم في قلوب المسلمين، وفتح الباب للتشكيك في القرآن والسنة.
إلا أن علماء أهل السنة والجماعة قد نقلوا الإجماع القطعي على عدالة الصحابة جميعًا، وأنهم كلهم ثقات عدول، شهد الله لهم بالطهارة في كتابه، وزكاهم نبيه ﷺ في سنته، وأجمع المسلمون على فضلهم ونزاهتهم وعدالتهم.
وفي هذا المقال نعرض أقوال كبار الأئمة من السلف والخلف، ممن نقلوا هذا الإجماع وقرروه، ليتبين بطلان دعوى الرافضة، وأن طعنهم في الصحابة إنما هو طعن في الدين نفسه، إذ هم نقلة الوحي وحملة الشريعة.
لقد نقل علماء اهل السنة والجماعة الاجماع على عدالة الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعا، والاجماع حجة شرعية عند اهل السنة والجماعة.
قال الإمام الخطيب البغدادي:
بعد ان ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على عدالة الصحابة وأنهم كلهم عدول: "وَجَمِيعُ ذَلِكَ يَقْتَضِي طَهَارَةَ الصَّحَابَةِ، وَالْقَطْعَ عَلَى تَعْدِيلِهِمْ وَنَزَاهَتِهِمْ، فَلَا يَحْتَاجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ تَعْدِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمُ الْمُطَّلِعِ عَلَى بَوَاطِنِهِمْ إِلَى تَعْدِيلِ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ لَهُمْ، فَهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَى أَحَدِهِمْ ارْتِكَابُ مَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا قَصْدَ الْمَعْصِيَةِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ بَابِ التَّأْوِيلِ، فَيُحْكَمُ بِسُقُوطِ عَدَالَتِهِ، وَقَدْ بَرَّأَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَرَفَعَ أَقْدَارَهُمْ عَنْهُ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ فِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لَأَوْجَبَتِ الْحَالُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، مِنَ الْهِجْرَةِ، وَالْجِهَادِ، وَالنُّصْرَةِ، وَبَذْلِ الْمُهَجِ وَالْأَمْوَالِ، وَقَتْلِ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ، وَالْمُنَاصَحَةِ فِي الدِّينِ، وَقُوَّةِ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ - الْقَطْعَ عَلَى عَدَالَتِهِمْ وَالِاعْتِقَادَ لِنَزَاهَتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْمُعَدَّلِينَ وَالْمُزَكَّيْنَ الَّذِينَ يَجِيؤُنَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَبَدَ الْآبِدِينَ. هَذَا مَذْهَبُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ "
الكفاية– احمد بن علي بن ثابت البغدادي- ج 1 ص 48 – 49
وقال الإمام ابن عبد البر:
"ونحن وإن كان الصحابة رضي الله عنهم قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أنهم عدول فواجب الوقوف على أسمائهم "
الاستيعاب – ابو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر – المقدمةج 1 ص 7
وقال الإمام السخاوي:
" وَمِمَّنْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَالَتِهِمْ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، قَالَ: وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِيهِ أَنَّهُمْ نَقَلَةُ الشَّرِيعَةِ، فَلَوْ ثَبَتَ تَوَقُّفٌ فِي رِوَايَتِهِمْ لَانْحَصَرَتِ الشَّرِيعَةُ عَلَى عَصْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمَا اسْتَرْسَلَتْ عَلَى سَائِرِ الْأَعْصَارِ"
فتح المغيث شرح ألفية الحديث - شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي - ج 3 ص 112
وقال الإمام الغزالي:
" [الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي عَدَالَة الصَّحَابَة] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَاَلَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، وَجَمَاهِيرُ الْخَلَفِ، أَنَّ عَدَالَتَهُمْ مَعْلُومَةٌ بِتَعْدِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهُمْ وَثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ، فَهُوَ مُعْتَقَدُنَا فِيهِمْ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِطَرِيقٍ قَاطِعٍ ارْتِكَابُ وَاحِدٍ لِفِسْقٍ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إلَى التَّعْدِيلِ "
المستصفى في علم الاصول – ابو حامد محمد بن محمد الغزالي – ج 1 ص 130
وقال الإمام ابن الصلاح:
"لِلصَّحَابَةِ بِأَسْرِهِمْ خَصِيصَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، لِكَوْنِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ مُعَدَّلِينَ بِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ مِنَ الْأُمَّةِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ الْآيَةَ، قِيلَ: اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ وَارِدٌ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾. وَهَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمَوْجُودِينَ حِينَئِذٍ.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾ الْآيَةَ.
وَفِي نُصُوصِ السُّنَّةِ الشَّاهِدَةِ بِذَلِكَ كَثْرَةٌ، مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ".
ثُمَّ إِنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى تَعْدِيلِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ لَابَسَ الْفِتَنَ مِنْهُمُ فَكَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ، إِحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمْ، وَنَظَرًا إِلَى مَا تَمَهَّدَ لَهُمْ مِنَ الْمَآثِرِ، وَكَأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَتَاحَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ نَقَلَةَ الشَّرِيعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ "
مقدمة ابن الصلاح – ابو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح - ص 171
وقال: "وَالْجَهَالَةَ بِالصَّحَابِيِّ غَيْرُ قَادِحَةٍ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ"
مقدمة ابن الصلاح – ابو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح - ص 31
وقال الإمام النووي:
" وبكون أصحابه رضي الله عنهم خير القرون الكائنين وبأنهم كلهم مقطوع بعدالتهم عند من يعتد به من علماء المسلمين "
شرح صحيح مسلم – ابو زكريا يحيى بن شرف النووي – ج 1 ص 3
وقال: " وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَقِّ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَاتِهِمْ وَرِوَايَاتِهِمْ وَكَمَالِ عَدَالَتِهِمْ رَضِيَ الله عنهم اجمعين "
شرح صحيح مسلم – ابو زكريا يحيى بن شرف النووي – ج 15 ص 149
وقال ايضا: " الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به "
التقريب والتيسير - ابو زكريا يحيى بن شرف النووي – ص 21
وقال الحافظ ابن كثير:
"((والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل والجزاء لجميل)) ..............
وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل علياً -: قول باطل مرذول ومردود"
اختصار علوم الحديث – عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير الشافعي – ص 24
وقال الإمام ابن حجر:
" في بيان حال الصحابة من العدالة
اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة "
الاصابة – احمد بن علي بن حجر – ج 1 ص 23
وقال الإمام ابو الحسن الاشعري:
"وأجمعوا على أن الخيار بعد العشرة في أهل بدر من المهاجرين والأنصار على قدر الهجرة والسابقة وعلى أن كل من صحب النبي ولو ساعة أو رآه ولو مرة مع إيمانه به وبما دعا إليه أفضل من التابعين بذلك "
رسالة إلى أهل الثغر – الإمام ابو الحسن علي بن اسماعيل الاشعري - ص 302