الشيعة واختلاق الأحاديث لتبرير الباطل:
من أخطر ما وقعت فيه الفرق الضالة - ومنهم الشيعة الروافض - هو اختلاق الأحاديث ونسبتها زورًا إلى الصحابة والتابعين، لتمرير معتقداتهم الفاسدة وتبرير انحرافاتهم العقدية والسلوكية. فهم يضعون أحاديث باطلة لا أصل لها في كتب السنة، أو يحرّفون معاني الروايات الصحيحة لتأييد بدعهم. ومن تلك الأكاذيب ما نسبوه إلى الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، من أنه أجاز وطء النساء في الأدبار - وهو أمر منكر مخالف للشرع وإجماع الأمة.
هذا المقال يسلّط الضوء على هذه الرواية الباطلة، ويُبيّن بالدلائل الموثقة من كتب الحديث والتفسير أن ابن عمر كان من أشدّ منكرِي هذا الفعل، بل وصف فاعله بأنه ليس من المسلمين.
الرواية الباطلة المنسوبة إلى ابن عمر رضي الله عنه
لقد اشتهر عند بعض المغرضين - وعلى رأسهم الروافض - أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أفتى بجواز إتيان النساء في الأدبار، واستندوا إلى رواية مبهمة أوردها الإمام البخاري دون تصريح. غير أن الرواية عنه مشكوك فيها، ولذلك ذكرها الإمام البخاري مبهمة، وثبت عن ابن عمر عكس ذلك تمامًا، بل ثبت عنه تكفير من يأتي النساء في أدبارهن.
قال العلماء:
[1164] أي الإيلاج في الدبر وهو حرام بإجماع الأمة لا يشذ عنهم شاذ، وجوزه الروافض الملاعنة. وقالوا: إن هذا الفعل ليس في الحيوانات أيضاً إلا في الحمار والكلب والله أعلم.
ثم قال صاحب العرف الشذي شرح سنن الترمذي:
وهاهنا مغلظة شديدة تخرب البلاد وتدعها بلاقع، فإنه نسب إلى ابن عمر جواز الإدبار في النسوان وهذه نسبة ما تدع البلاد بلاقع، وقد ذكر الإمام الهمام البخاري أيضاً في هذه المسألة حيث روى عن نافع عن ابن عمر وذكر: (ويأتيها في...) ولم يذكر مدخول (في).
أقول: إن هذه النسبة إليه محض افتراء عليه، ومنشأ الغلط أنه يجوز أن يأتي الزوج من جانب الدبر والحال أن غرضه أن يكون الإيلاج في القبل لا في الدبر. وقد صرح ابن عمر خلاف ما نسب إليه كما رواه الطحاوي في باب "وطء النساء في أدبارهن إن حمض لهن"، قال ابن عمر: وما التحميض؟ فذكرت الدبر، فقال ابن عمر: وهل يفعل هذا من المسلمين؟
المصدر: العرف الشذي شرح سنن الترمذي (ج2، ص405).
الروايات الصحيحة الثابتة عن ابن عمر رضي الله عنه
1- رواية الدارمي بإسناد صحيح
قال الإمام الدارمي في "مسنده":
حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث، عن الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجوارى، أَنُحَمِّضُ لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكر الدُّبُر، فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين؟
قال ابن كثير في تفسيره (1/388):
هذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك، فكل ما ورد عنه مما يحمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم.
2- رواية نافع الموثقة في تفسير ابن كثير
روى النسائي عن علي بن عثمان النفيلي، عن سعيد بن عيسى، عن الفضل بن فضالة، عن عبد الله بن سليمان الطويل، عن كعب بن علقمة، عن أبي النضر، أنه قال لنافع مولى ابن عمر:
إنه قد أكْثِرَ عليك القول، إنك تقول عن ابن عمر إنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن، قال: كذبوا عليّ، ولكن سأحدثك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض المصحف يوماً وأنا عنده حتى بلغ قوله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾
فقال: يا نافع، هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا.
قال: إنا كنا معشر قريش نَجْبِي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود، إنما يُؤتين على جنوبهن، فأنزل الله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ أي في القُبُل من أي جهة شئت، وليس في الأدبار.
قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح. (تفسير ابن كثير 1/384)
3- إجماع العلماء على التحريم
قال الإمام الشنقيطي في "العذب المنير من مجالس التفسير" (ج3 ص556):
وما اشتهر عن عبد الله بن عمر أنه أذن ورخص في ذلك فهو باطل، بدليل ما رواه الدارمي بإسناد صحيح، أنه لما سُئل عن التحميض قال: وهل يفعل هذا أحد من المسلمين؟
فهذا نصٌّ صريح في التحريم، وأن ما نسب إليه كذب وافتراء.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز (2/183):
ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه، والله المرشد لا رب غيره.
الرد على الشبهة
إن هذه الشبهة من اختلاق الشيعة الروافض، الذين يسعون للطعن في الصحابة ونشر الفاحشة بين المسلمين.
فقد استغلوا رواية مبهمة وردت في صحيح البخاري، ليوهموا الناس بأن ابن عمر رضي الله عنه أجاز ما حرمه الله. لكن الحقيقة الثابتة أن الإمام البخاري لم يصرّح بشيء في الرواية، وأن كلمة (في...) التي لم تُذكر مدخولها، لا يمكن حملها على الدبر قطعًا، لأن النصوص الصحيحة المفسرة وردت بخلاف ذلك.
وقد أجمع العلماء من السلف والخلف على أن إتيان النساء في الأدبار من الكبائر، وأن من نسب إلى الصحابة غير ذلك فهو مفترٍ كاذب.
الآية الكريمة محل الاستدلال:
قال الله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ (البقرة: 223)
أي: في القبل من أي جهة شئت - أمامًا أو من الخلف - ما دام في محل الحرث، أي في موضع الولد لا في الدبر.
النتيجة:
ثبت يقينًا أن:
- ما نسب إلى ابن عمر من جواز الوطء في الدبر كذبٌ صريح.
 - أنه صرّح بتحريمه أشد التصريح.
 - أن الشيعة الروافض هم الذين نشروا هذه الأكاذيب لتشويه صورة الصحابة.
 - وأن الأمة مجتمعة على تحريم هذا الفعل الشنيع، كما نقل ابن كثير والشنقيطي وغيرهما.
 
المصادر والمراجع:
1) العرف الشذي شرح سنن الترمذي (ج2، ص405)
2) مسند الدارمي (1/260)
3) تفسير ابن كثير (1/383–389)
4) العذب المنير من مجالس الشنقيطي في التفسير (ج3 ص556)
5) المحرر الوجيز لابن عطية (2/183–184)
6) الطحاوي: شرح معاني الآثار (2/23)