لقد اشتهر عن الفرقة الضالة المسماة بالشيعة أنهم يحرّفون الكلم عن مواضعه، ويضعون الأحاديث الباطلة والتفسيرات الفاسدة خدمةً لأهوائهم العقائدية، لا سيما في آيات الصفات التي تتعلق بعظمة الله سبحانه وتعالى. فهم يتأولون النصوص الواضحة، ويزعمون ما لا يدل عليه اللفظ ولا تحتمله لغة العرب، كما يفعلون في قول الله جل وعلا﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [يس: 71].
ويزعم بعضهم أن ظاهر الآية أن الله خلق الأنعام بيده كما خلق آدم، فيحملون النصوص على غير وجهها دون فهمٍ للسان العرب ولا قواعد البيان.

الشبهة المثارة:

استدل بعض أهل البدع من الشيعة بهذه الآية:

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا

وقالوا إن ظاهرها أن الله سبحانه خلق الأنعام بيده، كما قال في خلق آدم:

﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: 75].

وزعموا أن كل ما أُضيف إلى اليد في القرآن يقتضي المباشرة الحسية، فحملوا النص على ظاهرٍ لم يدل عليه السياق ولا اللغة، متجاهلين أساليب العرب في البيان.

الرد على الشبهة وبيان المعنى الصحيح

يقول الإمام ابن عثيمين رحمه الله تعالى في القواعد المثلى (ص 94):

والجواب: أن يقال ما هو ظاهر هذه الآية وحقيقتها، حتى يقال: إنها صرفت عنه؟
هل يقال: إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام بيده، كما خلق آدم بيده؟
أو يقال: إن ظاهرها أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها، لم يخلقها بيده، لكن إضافة العمل إلى اليد والمراد صاحبها؛ معروف في اللغة العربية التي نزل بها القرآن؟

أما القول الأول فليس هو ظاهر اللفظ لوجهين:

أحدهما: أن اللفظ لا يقتضيه بمقتضى اللسان العربي الذي نزل القرآن به، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾، وقوله: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، وقوله: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾، فإن المراد: ما كسبه الإنسان نفسه وما قدمه وإن عمله بغير يده، بخلاف ما إذا قال: عملته بيدي، كما في قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾، فإنه يدل على مباشرة الشيء باليد.

الثاني: أنه لو كان المراد أن الله تعالى خلق هذه الأنعام بيده، لكان لفظ الآية: خلقنا لهم بأيدينا أنعاما. كما قال الله تعالى في آدم: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ﴾، لأن القرآن نزل بالبيان لا بالتعمية، لقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾.

وإذا ظهر بطلان القول الأول، تعين أن يكون الصواب هو القول الثاني، وهو: أن ظاهر اللفظ أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها، ولم يخلقها بيده، لكن إضافة العمل إلى اليد كإضافته إلى النفس بمقتضى اللغة العربية، بخلاف ما إذا أضيف إلى النفس وعدي بالباء إلى اليد، فتنبه للفرق، فإن التنبه للفروق بين المتشابهات من أجود أنواع العلم، وبه يزول كثير من الإشكالات.

القواعد المثلى للامام ابن عثيمين ص 94

النتيجة والبيان الصحيح

بعد إبطال القول الأول، يتعيّن أن الصواب هو القول الثاني:

أن الله تعالى خلق الأنعام كما خلق غيرها، ولم يخلقها بيده، لكن إضافة العمل إلى اليد كإضافته إلى النفس من باب الأسلوب العربي الفصيح، بخلاف ما إذا أُضيف العمل إلى النفس وعدي بالباء إلى اليد، كما في قوله: ﴿بِيَدَيَّ﴾ في خلق آدم، فهذا يدل على المباشرة.

وهذا الفرق الدقيق بين المتشابهات من النصوص هو من أنفع أبواب العلم، وبه تزول كثير من الشبهات التي يثيرها أهل الضلال.

خلاصة المقال

إنّ حمل آيات الصفات على غير مرادها خطأٌ عظيم يؤدي إلى فساد في العقيدة، كما يفعل الشيعة في تأويلاتهم. والواجب هو فهم النصوص بما يليق بجلال الله تعالى ووفق لغة العرب التي نزل بها القرآن، دون تعطيل ولا تمثيل ولا تحريف.