من أعظم ما ابتُلي به المسلمون في هذا الزمان ظهور الفرقة الضالة المسماة بالشيعة، الذين لم يكتفوا بتحريف معاني القرآن الكريم، بل نسبوا إلى النبي ﷺ أحاديث باطلة، وضعوها لخدمة عقائدهم المنحرفة، ومناهجهم التي تقوم على الغلو والتأويل الفاسد. ومن تلك الأحاديث التي تداولها بعضهم دون تثبت، حديث نزول سورة الإخلاص بسبب قول المشركين للنبي ﷺ: «أنسب لنا ربك».
ولأنّ هذا الحديث يتكرر في كتبهم وفي بعض المواقع المشبوهة لتثبيت مفاهيم خاطئة حول صفات الله تعالى، وجب بيان درجة الحديث من حيث الصحة، وبيان ما قرّره المحدثون كالإمام البخاري والألباني وغيرهما، ليكون القارئ على بصيرة من أمر دينه.
نبذة عن الحديث ومضمونه:
عن أبى جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبى العالية عن أبى بن كعب قال المشركون للنبي  «أنسب لنا ربك فنزلت قل هو الله أحد أو كما قال».
قال البخاري «فاستغربناه حتى وجدناه عن أبى جعفر عن النبي  مرسل»
أي أن الحديث منقطع السند بين أبي جعفر والنبي ﷺ، وهو من علامات ضعف الحديث.
أقوال العلماء في سند الحديث
1- قول الإمام البخاري
أشار البخاري إلى أن الحديث مرسل، أي لم يثبت فيه سماع أبي جعفر أو من دونه عن النبي ﷺ، بل انقطع الإسناد.
2- قول الإمام الألباني:
قال الألباني «إسناده ضعيف لسوء حفظ أبي جعفر الرازي وأبو سعد الخراساني هو محمد بن ميسر الجعفي الصاغاني البلخي الضرير واحد ولكنه قد توبع كما يأتي. والحديث أخرجه أحمد5/133 والترمذي 2/2401 وابن جرير 30 /221 من طرق أخرى عن أبي سعد به لكن ليس ثم الأولين قوله قال فالصمد وتابعه محمد بن سابق ثنا أبو جعفر الرازي بتمامه أخرجه الحاكم2/540 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقد عرفت أنه ليس كذلك لضعف الرازي.
3- قول الإمام الترمذي:
على أن الترمذي قد أعله بعلة أخرى وهي الارسال، فإنه رواه من طريق عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي فذكره دون قوله عن أبي بن كعب يعني أنه أرسله. قلت وأشار البخاري في التاريخ الصغير إلى إرساله (2/280).
وقال الترمدي: وهذا أصح من حديث أبي سعد.
روايات أخرى في نفس المعنى
وردت روايات أخرى مشابهة في المضمون، لكنها لا تخلو من ضعفٍ في الأسانيد:
رواية عبد الله بن سلام:
عن محمد بن مصفى، عن الوليد بن مسلم، عن محمد بن حمزة بن يوسف بن سلام، عن أبيه أن عبد الله بن سلام قال لأحبار اليهود:
«إني أريد أن أحدث بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهدًا».
فلما نظر إليه رسول الله ﷺ قال:
«أنت عبد الله بن سلام؟»
قال: نعم، فقلت: «فانعت لنا ربك».
فقال النبي ﷺ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  اللَّهُ الصَّمَدُ  لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ  وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾.
قال المحدثون: إسناده ضعيف لأن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام لم يوثق، ولم يلقَ جده عبد الله بن سلام.
رواية جابر بن عبد الله:
روى محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا سريج بن يونس، قال: حدثنا إسماعيل بن مجالد عن أبيه مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال:
«قالوا: يا رسول الله أنسب لنا ربك، فنزلت ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ إلى آخرها».
قال الطبراني في المعجم الأوسط (12/426):
«لم يرو هذا الحديث عن مجالد إلا ابنه إسماعيل، تفرد به سريج بن يونس، ولا يُروى عن جابر إلا بهذا الإسناد».
والتفرد مع ضعف مجالد وابنه يدل على ضعف الحديث.
النتيجة والتحقيق العلمي
بناءً على أقوال الأئمة:
الحديث مرويٌّ بعدة طرق، لكنها جميعًا ضعيفة بسبب ضعف الرواة أو الانقطاع (الإرسال).
ولا يصح الاعتماد على شيء منها في تقرير سبب نزول سورة الإخلاص.
والسورة الكريمة نزلت لإثبات توحيد الله وتنزيهه عن الشركاء والأنداد، سواء سأل المشركون عن نسبه أو لم يسألوا، فالمعنى قائم بذاته.
الرد على شبهات الشيعة
يستغل الشيعة هذه الروايات الضعيفة ليزعموا أن السورة نزلت تأييدًا لعقيدةٍ مخصوصة في "الذات الإلهية"، فيحمّلون النص ما لا يحتمل.
لكنّ علماء الأمة بيّنوا أن الحديث ضعيف الإسناد، وأن السورة تثبت التوحيد الخالص الذي يخالف تمامًا عقائدهم المبنية على الشرك في الأئمة والغلو في آل البيت.
فمن زعم أن الحديث صحيح أو بنى عليه عقيدة فهو جاهل بالحديث ورجاله، مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة.
خلاصة المقال
رواية: «أنسب لنا ربك فنزلت قل هو الله أحد» ضعيفة الإسناد.
جميع طرقها إما مرسلة أو فيها رواة ضعفاء.
الصحيح أن سورة الإخلاص نزلت بيانًا لتوحيد الله وتنزيهه عن الولد والشريك والكفء.
أما الشيعة فاستغلوا ضعف هذه الروايات لترويج تأويلاتهم الفاسدة في صفات الله تعالى، وهو من انحرافهم العقدي الواضح.
المصادر
◘ التاريخ الأوسط للإمام البخاري (2/280).
◘ سنن الترمذي (2401).
◘ مسند أحمد (5/133).
◘ تفسير الطبري (30/221).
◘ المعجم الأوسط للطبراني (12/426).
◘ القواعد المثلى لابن عثيمين.
◘ السلسلة الضعيفة للألباني.