كثُرت في الآونة الأخيرة محاولات فرقة الشيعة – وهي فرقة ضالّة خرجت عن جماعة المسلمين – لاختلاق أحاديث باطلة ونسبتها إلى النبي ﷺ أو إلى الصحابة الكرام، في محاولة لتشويه عقيدة أهل السنة والجماعة وإثبات تصوّراتهم الباطلة في صفات الله أو مقام الأئمة. ومن بين تلك الأحاديث المختلقة ما يُعرف بـ"حديث الاستلقاء"، الذي يزعمون فيه أن الله تعالى استلقى ووضع إحدى رجليه على الأخرى بعد أن فرغ من خلقه!
هذا المقال يتناول نصّ الحديث كاملاً، ثم يعرض موقف أئمة الحديث من سنده ومتنِه، ويوضح تهافت استدلال الشيعة به، مع بيان تناقضهم حين يروون الحديث نفسه في كتبهم الصحيحة، ثم يطعنون فيه عند أهل السنة.
نص الحديث كاملاً كما ورد:
حدثنا جعفر بن سليمان النوفلي وأحمد بن رشدين المصري وأحمد بن داود المكي قالوا:
ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: ثنا محمد بن فليح بن سليمان عن أبيه عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين قال:
بينا أنا جالس إذ جاءني قتادة بن النعمان فقال: انطلق بنا يا ابن جبير إلى أبي سعيد، فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد الخدري، فوجدناه مستلقياً رافعاً رجله اليمنى على اليسرى، فسلّمنا وجلسنا، فرفع قتادة بن النعمان يده إلى رجل أبي سعيد فقرصها قرصة شديدة، فقال أبو سعيد: سبحان الله يا ابن أم لقد أوجعتني! فقال له ذلك أردت، إن رسول الله ﷺ قال:
«إن الله لما قضى خلقه استلقى فوضع رجله على الأخرى وقال: لا ينبغي لأحدٍ من خلقي أن يفعل هذا»
فقال أبو سعيد: والله لا أفعله أبداً.
تخريج الحديث وحكم العلماء عليه:
قال الهيثمي:
«رواه الطبراني عن مشايخ ثلاثة: جعفر بن سليمان النوفلي، وأحمد بن رشدين المصري، وأحمد بن داود المكي، فأحمد بن رشدين ضعيف، والاثنان لم أعرفهما، وبقية رجاله رجال الصحيح».
(مجمع الزوائد 8/100)
وقال الألباني رحمه الله:
«منكر جداً» (سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/177 حديث رقم 755)
شبهة الشيعة في الاحتجاج بالحديث:
احتجّ الرافضي حسين الأسدي بهذه الرواية في مداخلته على قناة "المستقلة"، ولكنه تعمّد أن لا يذكر موقف علماء أهل السنة من تضعيف الحديث، مع علمه التام أن الحديث ضعيف جداً بل منكر.
ويعلم الرافضة كذلك أن هذا الحديث مروي عندهم بإسنادٍ صحيح في كتبهم، ومع ذلك يتجاهلون ذلك ويطعنون في أهل السنة.
الردّ على الشبهة وبيان تناقض الشيعة:
يستغلّ الرافضة جهالة عبد المغيث بن زهير الحربي، حيث قال بصحة الرواية. ولكن أهل السنة لم يتركوه دون بيان، بل حكموا على جهله بسبب قوله هذا.
قال الإمام الذهبي رحمه الله:
«ولعبد المغيث غلطات تدل على قلّة علمه؛ قال مرة: مسلم بن يسار صحابي، وصحح حديث الاستلقاء وهو منكر، فقيل له في ذلك، فقال: إذا رددناه كان فيه إزراء على من رواه».
(سير أعلام النبلاء 21/161)
وهذا النصّ الذي يُخفيه الرافضة عمداً، لأن فيه تصريحاً من الذهبي بأن عبد المغيث قليل العلم، وأن تصحيحه للحديث لا يُعتدّ به.
ثم يروون هم الحديث نفسه في كتبهم! فقد ورد في الكافي للكليني:
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي حمزة الثمالي، قال:
«رأيت علي بن الحسين عليهما السلام قاعداً واضعاً إحدى رجليه على فخذه، فقلت: إن الناس يكرهون هذه الجلسة ويقولون إنها جلسة الرب. فقال: إني إنما جلست هذه الجلسة للملالة، والرب لا يمل ولا تأخذه سنة ولا نوم» (الكافي 2/661)
ولكن الرافضة يخفون قول الذهبي في عبد المغيث أنه جاهل ويكتمون إيراده لقوله هذا كدليل على قلة علمه. فسحقا لمن ورث خصال اليهود في الدس والتدليس.
وقد صححه المجلسي وقال عنه:
«حديث حسن» (مرآة العقول 12/563)
ثم جاءوا إلى رواية أخرى ضعيفة وردت عندهم أيضًا:
«جلس أبو عبد الله عليه السلام متورّكاً رجله اليمنى على فخذه اليسرى، فقال له رجل: جعلت فداك هذه جلسة مكروهة. فقال: لا، إنما هو شيء قالته اليهود لما أن فرغ الله عز وجل من خلق السماوات والأرض واستوى على العرش جلس هذه الجلسة ليستريح، فأنزل الله عز وجل: ﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾، وبقي أبو عبد الله عليه السلام متوركاً كما هو».
(الكافي 2/661)
وقد ضعف المجلسي هذه الرواية في (مرآة العقول 12/564).
تناقضهم في الحكم على الروايات:
من جهل الرافضة أنهم يجعلون الحديث الضعيف مقدماً على الحديث الصحيح عندهم، فإذا خدم غايتهم قبلوه، وإذا خالفها ردّوه، مع أن الصحيح عندهم مقطوع به، والضعيف مظنون. فكيف يغلب المظنون المقطوع به؟ هذا من الجهل البين.
ثم إن جعفر بن محمد لم ينزّه الله عن الاستلقاء في روايتهم، بل قال: "إنما جلست هذه الجلسة للملالة، والرب لا يمل"، ولم ينفِ عنه الجلسة نفسها!
موقف أهل السنة من الحديث:
أهل السنة لم يتركوا أبا يعلى الفراء ولا عبد المغيث الحربي ليصححا الحديث، بل سارعوا إلى انتقادهما، وأوضحوا ضعفه ونكارته، وبيّنوا مخالفته لما ثبت من صفات الله التي تليق بجلاله.
قال الخلال: «رجاله ثقات». ولكن هذا لا يكفي في تصحيح الحديث؛ فقد يتضمّن علة خفية، كما بيّنه الشيخ الألباني رحمه الله.
🟣 الخلاصة:
حديث "الاستلقاء" حديث باطل ومنكر لا يصح عن النبي ﷺ، وقد اتفق كبار المحدّثين على تضعيفه. وأما احتجاج الشيعة به فمجرد تدليس وتلبيس، إذ يروونه في كتبهم بإسناد صحيح، ثم يطعنون في أهل السنة إذا ورد في مصادرهم بسند ضعيف. وهذا من تناقضهم المشهور وجهلهم بأبسط قواعد النقد الحديثي.
المصادر:
1)مجمع الزوائد، الهيثمي، ج 8 ص 100.
2)سلسلة الأحاديث الضعيفة، محمد ناصر الدين الألباني، ج 2 ص 177، حديث رقم 755.
3)سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج 21 ص 161.
4)الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج 2 ص 661.
5)مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، محمد باقر المجلسي، ج 12 ص 563–564.
6)فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني.
7)شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، عبد الله بن محمد الغنيمان.