من أبرز الانحرافات العقدية التي اشتهرت بها الفرقة الشيعية عبر تاريخها الطويل القول بالرجعة، وهي عقيدة فريدة لا نظير لها بين فرق الأمة، تقوم على الزعم بأن الله سيُعيد إلى الحياة قبل يوم القيامة طائفة من الأموات؛ من شيعتهم وأنصارهم لينالوا النصر، ومن أعدائهم لينتقموا منهم في الدنيا.
وهذه الفكرة الغريبة لم تأتِ إلا نتيجة تراكم الغلوّ في الأئمة والإيمان بالخرافات التي تتنافى مع صريح القرآن والعقل السليم. وقد أقرّ بها كبار علمائهم كالمفيد، والصدوق، والمجلسي، حتى عدّوها من أصول مذهبهم، وأكدوا أن الشيعة في جميع العصور قد أجمعوا على الإيمان بها.
إن القول بالرجعة لا يعني الإيمان بالبعث يوم القيامة الذي أقرّته جميع الرسالات، بل هو اعتقاد بعودة بعض الأموات قبل الساعة، وهو ما لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، بل يُناقض النصوص القرآنية الصريحة التي تؤكد أن البعث لا يكون إلا يوم القيامة الكبرى.
ويكشف هذا المقال جذور هذه العقيدة ومصادرها في كتبهم، ويبيّن كيف لجأت الفرقة الضالّة إلى التقية لإخفاء هذا الاعتقاد عن عموم الناس، حتى لا تُفتضح خرافاتهم أمام أهل الإسلام والحق.
القول بالرجعة عند الشيعة:
وهذا فضلاً عن عقائد أخرى ما أنزل الله بها من سلطان، كالقول بالرجعة:
◘ فقد قال المفيد: اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة[1].
◘ ويقول الصدوق: واعتقادنا في الرجعة أنها حق[2].
◘ ويقول المجلسي: اعلم - يا أخي - أني لا أظنك ترتاب بعد ما مهدت وأوضحت لك في القول بالرجعة التي أجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار، حتى نظموها في أشعارهم، واحتجوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم، وشنع المخالفون عليهم في ذلك، وأثبتوه في كتبهم وأسفارهم...وكيف يشك مؤمن بحقية الأئمة الأطهار عليهم السلام فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام، والعلماء الأعلام، في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم، كثقة الإسلام الكليني، والصدوق محمد ابن بابويه، والشيخ أبي جعفر الطوسي، والسيد المرتضى، والنجاشي، والكشي، والعياشي، وعلي بن إبراهيم، وسليم الهلالي، والشيخ المفيد، والكراجكي والنعماني، والصفار... إلخ.
وذكر عشرات الأسماء، ثم قال: وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أي شئ يمكن دعوى التواتر، مع ما روته كافة الشيعة خلفاً عن سلف[3].
وعقيدة الرجعة عند الشيعة بإيجاز شديد هي:
أن الله سيعيد عند قيام القائم قوماً ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد - أيضاً - قوماً من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب بالقتل على أيدي شيعته، وليبتلوا بالذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته[4].
ويروون عن الصادق رحمه الله قوله:
ليس أحد من المؤمنين قتل إلا سيرجع حتى يموت، ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل[5].
والأمر فيه طول، ولا يسعنا تفصيله هنا، وهي كبقية العقائد التي يتكتمون عليها تقيةً، حتى رووا عن الأئمة أنهم قالوا في ذلك صراحةً: لا تقولوا الجبت والطاغوت، وتقولوا الرجعة، فإن قالوا: قد كنتم تقولون! فقولوا: الآن لا نقول، وهذا من باب التقية التي تعبد الله بها عباده في زمن الأوصياء[6].
[1] أوائل المقالات، للمفيد (46، 292).
[2] الاعتقادات في دين الإمامية، للصدوق (60).
[3] بحار الأنوار للمجلسي (53/122).
[4] رسائل المرتضى، للشريف المرتضى (1/125)، بحار الأنوار للمجلسي (53/126، 138)، مستدرك سفينة البحار، لعلي النمازي (4/87)، تفسير مجمع البيان، للطبرسي (7/405)، التفسير الصافي، للفيض الكاشاني (4/76)، تفسير نور الثقلين، للحويزي (4/100)، الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، للحر العاملي (64، 80، 238)، أضواء على عقائد الشيعة الإمامية، لجعفر السبحاني (463)، الرجعة أو العودة إلى الحياة الدنيا بعد الموت، لمركز الرسالة (35)، بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية، لمحسن الخزازي (2/175)، مأساة الزهراء (ع)، لجعفر مرتضى (1/103)، محاضرات في الإلهيات، لجعفر السبحاني (429)، مناظرات في العقائد والأحكام، لعبد الله الحسن (1/417).
[5] مختصر البصائر، للحسن بن سليمان الحلى (126)، بحار الأنوار للمجلسي (53/40)، الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة (شرح آل كاشف الغطاء)، لعبد الله الشبر (166)، ميزان الحكمة، لمحمد الريشهري (2/1038)، تأويل الآيات، لشرف الدين الحسيني (1/409)، الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، للحر العاملي (262)، إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب لعلي اليزدي الحائري (2/305).
[6] مختصر بصائر الدرجات، للحسن بن سليمان الحلي (24، 212)، بحار الأنوار للمجلسي (53/39، 115)، الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، للحر العاملي (348).