يُعَدّ ما يُعرف بـ"حديث الطير" من أكثر الأحاديث التي يستدلّ بها الشيعة على تفضيل علي بن أبي طالب رضي الله عنه على سائر الصحابة، بل وعلى أحقيته بالخلافة بعد رسول الله ﷺ. وقد اشتهر هذا الحديث في كتب المتأخرين من الشيعة، وروجوا له بشتى الطرق، وجعلوه من الأدلة الكبرى في إثبات إمامة علي. غير أن علماء أهل السنة والجماعة تكلّموا في هذا الحديث من جميع جوانبه سندًا ومتنًا، وبينوا علله وأسباب ضعفه، وأنه لا يصح بحالٍ من الأحوال عن النبي ﷺ.
وفي هذا المقال نعرض نص الحديث، ثم نبيّن أقوال الأئمة في تضعيفه، ونفند ما يُثار حوله من شبهات باختصارٍ وتحقيقٍ علميٍّ دقيق.
الشبهة:
يستدل الشيعة بهذا الحديث على أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو أحب الخلق إلى الله، وبناءً عليه فهو أولى الناس بالخلافة والإمامة بعد رسول الله ﷺ، ويزعمون أن كثرة طرق الحديث تدل على صحته.
الرد على الشبهة:
الرد على هذه الشبهة من وجوه متعددة:
1- أن الحديث موضوع أو ضعيف جداً:
نصّ الأئمة الحفاظ على أن الحديث لا يصح، بل هو منكر أو موضوع.
قال الذهبي: هو خبر منكر (سير أعلام النبلاء 1/602).
وقال ابن حجر: هو خبر منكر (لسان الميزان 2/354).
وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/225): رواه ابن مردويه من نحو عشرين طريقًا كلها مظلمة.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (7/351): كل من أخرجوه بضعة وتسعون نفسًا، أقربها غرائب ضعيفة، وقد وقفت على مجلد كبير في رده وتضعيفه سندًا ومتنًا للقاضي أبي بكر الباقلاني.
2- تعدد الطرق لا يعني الصحة:
كما قال الزيلعي في نصب الراية: كم من حديث تعددت طرقه وكثرت رواياته وهو ضعيف كحديث الطير (انظر: تحفة الأحوذي 10/224).فالكثرة هنا من طرق واهية، فلا تقوّي الحديث.
3- بيان علل الإسناد:
إسناد الحديث مليء بالضعفاء والمتروكين، ومنهم:
◘ مطير بن أبي خالد: متروك الحديث كما قاله ابن أبي حاتم.
◘ أحمد بن عياض: مجهول الحال.
◘ إبراهيم القصار: ضعيف.
◘ إسماعيل بن عبد الرحمن السدي: من غلاة الشيعة.
فباجتماع هؤلاء لا يثبت الحديث ولا تقوم به حجة.
4- تناقض الحاكم في الحكم عليه:
فقد صرّح أولاً بضعفه ثم أخرجه في المستدرك وصححه، وهذا تناقض بيّن، مما يُسقط اعتماده في هذا الموضع.
قال الذهبي: ثم تغيّر رأي الحاكم وأخرج حديث الطير في مستدركه (تذكرة الحفاظ 2/1042).
5- المتن منكر ومخالف للأحاديث الصحيحة:
لأن النبي ﷺ قد ثبت عنه أنه قال في غير ما حديث أن أحب الناس إليه أبو بكر ثم عمر، كما في الصحيحين. فلو صح حديث الطير لعارض ما صح وثبت، وهو باطل قطعًا.
المصادر:
1- المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري (3/130).
2- تلخيص المستدرك، الذهبي.
3- تذكرة الحفاظ، الذهبي (2/1042).
4- سير أعلام النبلاء، الذهبي (1/602).
5- لسان الميزان، ابن حجر (2/354).
6- تحفة الأحوذي، المباركفوري (10/224)
7- البداية والنهاية، ابن كثير (7/351).
8- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية،ابن الجوزي (1/225).
9- نصب الراية لأحاديث الهداية،الزيلعي.
10- مختصر المستدرك، للحميدي (3/1446).