من المسائل التي تثير اهتمام الباحثين في علوم القرآن اختلاف القراءات الواردة عن الصحابة رضوان الله عليهم، ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ(الجمعة: 9).

وقد روي عن عدد من الصحابة أنهم قرؤوها بلفظ «فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ»، وهي قراءة تُبرز سعة التنوع في القراءات المنقولة عن النبي ﷺ، وتؤكد صحة مبدأ نزول القرآن على سبعة أحرف كما ورد في الصحيحين. وفي هذا المقال نعرض الروايات المثبتة لهذه القراءة، ثم نبيّن موقف علماء السنة والشيعة منها، مع الرد على ما أُثير حولها من شبهات.

أولًا: ثبوت القراءة عن الصحابة الكرام

قال الإمام البخاري:

«وَقَرَأَ عُمَرُ: (فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)» اهـ.[1]

وقال الإمام الطبري:

«إِنَّ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)» اهـ.[2]

فلم ينفرد عمر رضي الله عنه بهذه القراءة، بل شاركه غيره من الصحابة الكرام، قال ابن عطية:

«وقرأ عمر بن الخطاب، وعلي، وأبي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وجماعة من التابعين: (فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)» اهـ.[3]

وقال الإمام ابن الجزري:

«(ومنها) ما يكون لإيضاح حكم يقتضي الظاهر خلافه كقراءة (فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)، فإن قراءة (فَاسْعَوْا) يقتضي ظاهرها المشي السريع، وليس كذلك، فكانت القراءة الأخرى موضِّحة لذلك ورافعة لما يُتوهَّم منه» اهـ.[4]

فهذا حرف منقول عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم، يدل على التنوع في القراءة لا على اختلاف المعنى.

ثانيًا: القراءة ضمن الأحرف السبعة

ثبت عن النبي ﷺ قوله:

«إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» اهـ.[5]

وفي صحيح مسلم عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه:

أن جبريل عليه السلام قال للنبي ﷺ: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ القُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا» اهـ.[6]

فهذا الحديث أصل في جواز اختلاف الألفاظ في القراءات القرآنية مع اتحاد المعنى، وبه يُعلم أن قراءة «فَامْضُوا» داخلة في الأحرف التي نزل بها القرآن.

ثالثًا: ثبوت القراءة في مصادر الشيعة

ذكر الطبرسي في تفسيره مجمع البيان:

«(فاسعوا إلى ذكر الله) أي فامضوا إلى الصلاة مسرعين غير متثاقلين، عن قتادة وابن زيد والضحاك. وقرأ عبد الله بن مسعود (فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)، ورُوي ذلك عن علي بن أبي طالب (ع) وعمر بن الخطاب وأبيّ بن كعب وابن عباس، وهو المروي عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع)» اهـ.[7]

وكذلك روى المفيد في الاختصاص عن جابر الجعفي أنه قال:

«كنت ليلة عند أبي جعفر عليه السلام فقرأت الآية (فاسعوا إلى ذكر الله)، فقال: مه يا جابر! هذا تحريف، اقرأها (فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) هكذا نزلت يا جابر…» إلى آخر الرواية الطويلة التي فسر فيها الإمام الباقر الآية على نحو تأويليّ رمزيّ.[8]

وقد نقل علي أكبر الغفاري – محقق الكتاب – هذه الرواية من غير أن يضعفها أو يقدح فيها، بل قال في مقدمة تحقيقه للكتاب:

«بذلت – ولله الحمد – وسعي في تصحيحه وتخريج أخباره من الأصول المعتبرة المعتمدة عليها… ولما في غضونه من الحقائق والدقائق والرقائق، ونوادر من غرائب الأخبار الواردة في شأن الأئمة عليهم السلام التي يثقل بعضها على البعداء من عرفان الحديث ولا يتحمله ضعفاء الأفهام، وحديثهم صعب مستصعب…» اهـ.[9]

فدلّ كلامه على أنه صحّح نسب الروايات إلى الأئمة، وأن ما يُستنكر منها إنما سببه ضعف الفهم لا ضعف النقل.

رابعًا: الرد على الشبهة

قد يزعم بعضهم أن هذه القراءة تُعدّ تحريفًا للقرآن الكريم، والجواب:

1)      أنها قراءة منقولة عن عدد من الصحابة كعمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وأُبيّ، فلا وجه للطعن فيها.

2)      أنها داخلة في نطاق الأحرف السبعة التي أذن بها النبي ﷺ، فلا تُعد زيادة ولا نقصًا.

3)      أن علماء القراءات من السنة والشيعة قد أثبتوها في كتبهم، كابن الجزري والطبرسي والمفيد.

4)      أن المعنى متقارب، فالسعي والمضي كلاهما بمعنى المبادرة، والقراءة الثانية ترفع توهم أن المقصود الإسراع البدني، وإنما المراد المبادرة القلبية والنية الصالحة إلى ذكر الله وصلاة الجمعة.

خلاصة القول:

قراءة «فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ» قراءة صحيحة ثابتة عن جمع من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ومروية في كتب الشيعة عن أئمتهم، وهي من باب اختلاف التنوع في القراءات الذي أذن الله به، لا من باب التحريف أو الزيادة. وجاءت لتوضيح المعنى الصحيح في السعي إلى ذكر الله من غير مشقة أو تهافت.

____________________________________

1-           صحيح البخاري، باب قوله: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}، ج6 ص151.

2-           تفسير الطبري – محمد بن جرير الطبري، ج22 ص641.

3-           المحرر الوجيز – ابن عطية الأندلسي، ج5 ص309.

4-           النشر في القراءات العشر – ابن الجزري، ج1 ص29.

5-           صحيح البخاري، باب أُنزل القرآن على سبعة أحرف، ج6 ص184.

6-           صحيح مسلم، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، ج1 ص562.

7-           مجمع البيان في تفسير القرآن – الطبرسي، ج10 ص13.

8-           الاختصاص – الشيخ المفيد، تحقيق علي أكبر الغفاري، ص128–130.

9-           مقدمة المحقق علي أكبر الغفاري – في كتاب الاختصاص، ص5–6.