من أخطر ما تفعله الفرقة الشيعية الضالة هو اختلاق الروايات أو اقتطاع النصوص الصحيحة من سياقها، ونسبتها إلى الصحابة أو أئمة أهل السنة، لتشويه صورتهم أو إيهام الناس بتناقض مواقفهم.

وهذه ليست زلّة عابرة، بل منهج أصيل عند الشيعة، يقوم على الكذب والتدليس على النبي ﷺ وأصحابه، لإثبات مزاعم باطلة تخدم فكرهم السياسي والعقائدي.

ومن ذلك تدليسهم في رواية أبي بكر الصديق رضي الله عنه التي ورد فيها قوله المزعوم: «بل أهله» في مسألة إرث النبي ﷺ، محاولين أن يثبتوا بها أن أبا بكر خالف حديث «لا نورث ما تركناه صدقة».

وفي هذا المقال سنفند هذه الشبهة، ونبيّن درجة الحديث وأقوال العلماء فيه، مع نقل كلام ابن حجر العسقلاني وابن كثير والمناوي وابن بطّال وغيرهم من كبار الحفاظ والمحدثين.

نص الرواية وحكمها:

روى الإمام أحمد وأبو داود من طريق أبي الطفيل، قال:

«أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول الله ﷺ أم أهله؟ قال: لا، بل أهله. قالت: فأين سهم رسول الله ﷺ؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله إذا أطعم نبيًّا طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده، فرأيت أن أرده على المسلمين. قالت: فأنت وما سمعته».

قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (6/202):

«لا يعارض ما في الصحيح من صريح الهجران ولا يدل على الرضا بذلك، ثم مع ذلك ففيه لفظة منكرة، وهي قول أبي بكر: بل أهله، فإنه معارض للحديث الصحيح أن النبي لا يورث».

ثم قال: «نعم، روى البيهقي من طريق الشعبي أن أبا بكر عاد فاطمة فقال لها علي: هذا أبو بكر يستأذن عليك، قالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم. فأذنت له، فدخل عليها فترضاها حتى رضيت، وهو وإن كان مرسلاً فإسناده إلى الشعبي صحيح، وبه يزول الإشكال».

أقوال العلماء في نكارة لفظ «بل أهله»:

قال المناوي في فيض القدير (2/205):

«قال ابن حجر: فيه لفظة منكرة وهي قوله: (بل أهله)، فإنه معارض للحديث الصحيح أنه قال: (لا نورث). وقال في تخريج المختصر: رجاله ثقات، لكنه شاذ المتن لأن ظاهره إثبات كون النبي ﷺ يورث، وهو مخالف للأحاديث الصحيحة المتواترة.»

قال ابن كثير:

«في لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة، ولعله رُوي بمعنى ما فهمه بعض الرواة، وفيهم من فيه تشيع. وأحسن ما فيه قولها: (أنت وما سمعت من رسول الله ﷺ). وهذا هو الصواب، وهو المظنون بها رضي الله عنها.»

وقال محمد أحمد الأزهري في أنيس الساري (2/1558):

«قال ابن حجر: فيه لفظة منكرة وهي قوله: (بل أهله)، فإنه معارض للحديث الصحيح (لا نورث)، وفيه محمد بن فضيل، قال الذهبي: ثقة شيعي، وقال بعضهم لا يحتج به، وقال أبو حاتم: كثير الخطأ، والوليد بن جميع قال ابن حبان: فحش تفرده، فبطل الاحتجاج به.»

وقال ابن بطّال في شرحه على البخاري  (5/269):

«إن قول أبي بكر: (بل ورثه أهله) معناه: بل ورثه أهله إن كان خلف شيئًا يورثه، ولم يترك شيئًا يورث عنه، لأن ما كان بيده من الأموال إنما كان طعمة من الله، لا يملكها ملكًا شخصيًا.»

الشبهة والرد عليها:

الشبهة:

يزعم بعض الشيعة أن قول أبي بكر رضي الله عنه: «بل أهله» دليل على أنه أقر بأن النبي ﷺ يُورث، وبذلك يكون قد خالف الحديث الصحيح «لا نورث، ما تركناه صدقة».

الرد العلمي:

1) الحديث ضعيف المتن كما قرر ابن حجر وابن كثير والمناوي. فلفظة «بل أهله» منكرة وشاذة، تخالف الأحاديث الصحيحة المتواترة.

2)الرواة متكلم فيهم، منهم الوليد بن جميع الذي فحش تفرده، ومحمد بن فضيل وهو ثقة لكنه شيعي كثير الخطأ.

3)المعنى الصحيح لما قاله أبو بكر – إن ثبت – أنه يقصد أن النبي ﷺ لم يترك مالًا يورث، بل ما كان بيده من طعمة جعله الله لولي الأمر من بعده ليتصرف فيه بما كان النبي ﷺ يتصرف به.

4)الرواية لا تخالف الحديث الصحيح، لأن أبا بكر  لم يقل: «بل أهله يرثونه»، وإنما المقصود أنهم ورثوا مقامه في الانتفاع المشروع لا في التملك المالي.

وبذلك تسقط الشبهة التي أراد الشيعة إثارتها حول عدالة الصديق رضي الله عنه.

تأويل العلماء للحديث الصحيح:

 قال الطبري كما نقل عنه ابن بطّال:

«قوله ﷺ: (فهو للذي يقوم بعده) معناه أنه يعمل فيه ما كان النبي ﷺ يعمل، لا أنه جعله ملكًا. وهذا التأويل يمنع الخبرين من التنافي»

وهذا هو الفهم السليم لعقيدة أهل السنة، فكل ما تركه النبي ﷺ من الفيء والعطاءات لم يكن ملكًا له، بل وقفٌ لله ورسوله يصرفه وليّ الأمر من بعده في مصالح المسلمين.

النتيجة والخلاصة:

 • الرواية المروية عن أبي الطفيل ضعيفة المتن وإن كان إسنادها في ظاهره حسنًا.

لفظة «بل أهله» منكرة وشاذة بشهادة الحافظ ابن حجر والعلماء من بعده.

 •لا تعارض بين الأحاديث، لأن النبي ﷺ لا يُورث باتفاق الصحابة، وما تركه كان صدقة لله.

أما تدليس الشيعة في إظهار هذه الرواية كحجة على أبي بكر، فهو افتراء باطل يهدف إلى تشويه صورة الصحابة والطعن في عدالتهم.

المصادر والمراجع:

فتح الباري ابن حجر العسقلاني (6/202).

فيض القدير المناوي (2/205).

تخريج أحاديث المختصر ابن حجر (2/179).

أنيس الساري في تخريج أحاديث فتح الباري محمد أحمد الأزهري (2/1558).

شرح صحيح البخاري ابن بطال (5/269).

المداوي لعلل الجامع الصغير السيوطي والمناوي (2/268).

تاريخ الطبري تأويل معنى الحديث.

المسند الإمام أحمد (1/160).