في خضمّ الصراع العقدي والفكري بين أهل السنة والجماعة وبين الفرق الضالّة التي انحرفت عن طريق الإسلام، تبرز فرقة الشيعة كأبرز من تجرأ على الصحابة الكرام، رضي الله عنهم، من خلال وضع روايات باطلة وأحاديث مكذوبة تهدف إلى تشويه صورة خيرة الأمة بعد نبيها ﷺ.

لقد تجاوزت هذه الفرقة – التي لا يصحّ عدّها من فرق المسلمين – حدود الخلاف الفقهي إلى الطعن في عدالة الصحابة، بل وصلت إلى درجة اختلاق النصوص وتحريف الحقائق خدمةً لأهوائهم العقائدية. ومن أشهر تلك المحاولات رواياتهم المكذوبة حول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ومحاولتهم إلصاق تهمة سبّ علي رضي الله عنه به زورًا وبهتانًا.

وفي هذا المقال، نكشف بالدليل من صحيح الإمام مسلم وشرح النووي وكلام ابن كثير وابن عساكر، أن معاوية رضي الله عنه لم يسبّ عليًّا، بل أظهر الاحترام له، بل وبكى عند وفاته، مما يدل على صفاء قلبه ونقاء سريرته، وأن ما يروّجه الشيعة لا يعدو أن يكون افتراءً يراد به الطعن في الإسلام من خلال رجاله الأبرار.

قال الامام مسلم:

" 32 - (2404) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ - وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ - قَالَا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ - عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْدًا فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا التُّرَابِ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَنْ أَسُبَّهُ، لَأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ، خَلَّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ خَلَّفْتَنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةَ بَعْدِي» وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ» قَالَ فَتَطَاوَلْنَا لَهَا فَقَالَ: «ادْعُوا لِي عَلِيًّا» فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ، فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرَّايَةَ إِلَيْهِ، فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ [آل عمران: 61] دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ: «اللهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي» "

مسلم - بَابُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – ج 4 ص 1871

قال الامام النووي:

" قَوْلُهُ (إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ الَّتِي فِي ظَاهِرِهَا دَخَلٌ عَلَى صَحَابِيٍّ يَجِبُ تَأْوِيلُهَا قَالُوا وَلَا يَقَعُ فِي رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ إِلَّا مَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ فَقَوْلُ مُعَاوِيَةَ هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَمَرَ سَعْدًا بِسَبِّهِ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنِ السَّبَبِ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ السَّبِّ كَأَنَّهُ يَقُولُ هَلِ امْتَنَعْتَ تَوَرُّعًا أو خَوْفًا أو غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ تَوَرُّعًا وَإِجْلَالًا لَهُ عَنِ السَّبِ فَأَنْتَ مُصِيبٌ مُحْسِنٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَهُ جَوَابٌ آخَرُ ولَعَلَّ سَعْدًا قَدْ كَانَ فِي طَائِفَةٍ يَسُبُّونَ فَلَمْ يَسُبَّ مَعَهُمْ وَعَجَزَ عَنِ الْإِنْكَارِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ فَسَأَلَهُ هَذَا السُّؤَالَ قَالُوا وَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخَطِّئَهُ فِي رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَتُظْهِرَ لِلنَّاسِ حُسْنَ رَأْيِنَا وَاجْتِهَادِنَا وَأَنَّهُ أَخْطَأَ "

شرح صحيح مسلم – يحيى بن شرف النووي – ج 15 ص 175 – 176

وأقول:

 إن هذا الاثر فيه فضيلة لمعاوية رضي الله عنه، وذلك لأنه بعد سؤاله لسعد رضي الله عنه لم يعاقبه، أو ينكر عليه ذكر فضائل امير المؤمنين رضي الله عنه، فلو كان من دين معاوية سب علي رضي الله عنهما لغضب، وانكر على سيدنا سعد رضي الله عنه ذكر فضائل علي رضي الله عنه، بل الوارد سكوت معاوية مما يدل على الاقرار بهذه الفضائل الطيبة .

فعدم غضب معاوية، أو عقوبته لسعد، وسكوت معاوية عند ذكر فضائل علي رضي الله عنهم اجمعين دال دلالة واضحة على صحة قول الامام النووي رحمه الله .

قال الحافظ ابن كثير:

 " وقال جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال: لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم"

البداية والنهاية - أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير - ج 8  ص 139

وقد اسند هذا الاثر الحافظ أبو القاسم بن عساكر، فقد قال: " أخبرنا أبو محمد طاهر بن سهل أنا أبو الحسن بن صصرى إجازة نا أبو منصور العماري نا أبو القاسم السقطي نا إسحاق السوسي حدثني سعيد بن المفضل نا عبد الله ابن هاشم عن علي بن عبد الله عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال لما جاء قتل علي إلى معاوية جعل يبكي ويسترجع فقالت له امرأته تبكي عليه وقد كنت تقاتله فقال لها ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم "

تاريخ دمشق - أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر- ج 59 ص 142

وفي امالي الصدوق: " 990 / 2 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ( رضي الله عنه )، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدثنا محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن يونس بن ظبيان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ ابن نباتة، قال: دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان، فقال له: صف لي عليا . قال: أو تعفيني . فقال: لا، بل صفه لي . فقال له ضرار: رحم الله عليا، كان والله فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويقربنا إذا زرناه، لا يغلق له دوننا باب، ولا يحجبنا عنه حاجب، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا، لا نكلمه لهيبته، ولا نبتديه لعظمته، فإذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم . فقال معاوية: زدني من صفته .

 فقال ضرار: رحم الله عليا، كان والله طويل السهاد، قليل الرقاد، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، ويجود لله بمهجته، ويبوء إليه بعبرته، لا تغلق له الستور، ولا يدخر عنا البدور، ولا يستلين الاتكاء، ولا يستخشن الجفاء، ولو رأيته إذ مثل في محرابه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وهو قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول: يا دنيا، إلي تعرضت، أم إلي تشوقت، هيهات هيهات لا حاجة لي فيك، أبنتك ثلاثا لا رجعة لي عليك . ثم يقول: واه واه لبعد السفر، وقلة الزاد، وخشونة الطريق .

قال: فبكى معاوية، وقال: حسبك يا ضرار، كذلك كان والله علي، رحم الله أبا الحسن "

 الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 724، وحلية الابرار– هاشم البحراني – جزء 2 ص 211 – 212، والانوار النعمانية – نعمة الله الجزائري – ج 1 ص 41 – 42