من أخطر أساليب الفرقة الشيعية الضالّة محاولاتهم الدؤوبة لتشويه صورة الصحابة رضي الله عنهم باختلاق روايات باطلة وأحاديث لا أصل لها، ينسبونها إلى أئمة الإسلام وعظماء الصحابة، لغرض الطعن في خلافتهم وعدالتهم.
ومن أبرز ما يروّجونه خطبة منسوبة إلى الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فيها قوله: «أقيلوني فإن لي شيطانًا يعتريني»، زاعمين أنها تدل على ضعف حاله أو عدم أهليته للخلافة.
وفي هذا المقال نعرض نصّ الخطبة كاملة كما وردت في المصادر، مع تحقيق سندها وبيان ضعفها، ثم نوضّح الردود العلمية على شبهات الرافضة، لنبيّن الحق ونكشف زيف الباطل.
|
نص الخطبة المنسوبة لأبي بكر رضي الله عنه |
روى الطبراني في المعجم الأوسط (8/267) قال:
حدثنا منتصر بن محمد، قال: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبان، قال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن أبي أيوب الأفريقي، قال: حدثنا عيسى بن سليمان، عن عيسى بن عطية، قال:
«قام أبو بكر الغد حين بويع فخطب الناس فقال: يا أيها الناس، إني قد أقلتكم رأيكم، إني لست بخيركم، فبايعوا خيركم. فقاموا إليه فقالوا: يا خليفة رسول الله، أنت والله خيرنا.
فقال: يا أيها الناس، إن الناس دخلوا في الإسلام طوعًا وكرهًا، فهم عواذ الله وجيران الله، فإن استطعتم أن لا يطلبكم الله بشيء من ذمته فافعلوا.
إن لي شيطانًا يحضرني، فإذا رأيتموني قد غضبت فاجتنبوني لا أمثّل بأشعاركم وأبشاركم. يا أيها الناس، تفقدوا ضرائب غلمانكم، إنه لا ينبغي للحم نبت من سُحت أن يدخل الجنة. إلا وراعوني بأبصاركم، فإن استقمت فاتبعوني، وإن زغت فقوموني، وإن أطعت الله فأطيعوني، وإن عصيت فاعصوني».
|
حكم الرواية سندًا: |
قال الطبراني بعد روايته:
«لم يروِ هذا الحديث عن أبي أيوب الأفريقي إلا عبد الرحيم بن سليمان، تفرد به عبد الله».
وفي الإسناد عيسى بن سليمان وهو ضعيف، وعيسى بن عطية وهو مجهول.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/183):
«لم أعرفه».
وذكره الطبري في تاريخه (2/245) من طريق سيف بن عمر الضبي، وهو رافضي كذّاب كما أجمع عليه علماء الجرح والتعديل.
ورواه عبد الرزاق في المصنف (11/336) وابن عساكر في تاريخه (30/304)، وفيه انقطاع بين معمر والحسن.
النتيجة:
كل طرق الرواية ضعيفة لا تصح عن أبي بكر رضي الله عنه، فلا يصح الاحتجاج بها.
|
معنى الخطبة ومضمونها: |
مع ضعف الإسناد، فإن المعنى لا يحمل أي طعنٍ أو مذمةٍ لأبي بكر رضي الله عنه، بل فيه دلالة على شدة ورعه وتقواه وتواضعه لله، إذ يعترف بضعف النفس البشرية وطلبه من الناس مراقبته ومحاسبته، وهو من تمام العدل.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُّبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201].
فكل إنسان له قرين من الجن، كما قال النبي ﷺ: «ما منكم من أحد إلا وقد وُكّل به قرين من الجن».
وهذا يشمل أبا بكر وعمر وعليًّا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين، فلا يُفهم من ذلك أي نقص أو ذمّ..
|
الشبهة الأولى: قولهم كيف تجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه؟ |
الرد:
هذا القول من جهل الرافضة بالقرآن والسنة؛ لأن الله تعالى أمر نبيَّه ﷺ بقوله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159].
فالمشاورة ليست ضعفًا بل كمال في القيادة، واعترافًا بحق الأمة في المشاركة والنصيحة.
وأبو بكر رضي الله عنه إنما أراد أن يُظهر تواضعه وأنه بشر يخطئ ويصيب، وأن الأمة مأمورة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
|
الشبهة الثانية: قولهم إن كانت إمامته حقًّا فاستقالته معصية، وإن كانت باطلة فطعن فيه: |
الرد:
الجواب من وجهين:
1) لو كان قولهم صحيحًا للزم أن يكون عليٌّ رضي الله عنه عاصيًا حين عرضوا عليه الخلافة فقال:
«دعوني والتمسوا غيري».
فهل يقولون إنه عاصٍ؟ بل يلزمهم – على مذهبهم – أن يكون كافرًا لأن الإمامة عندهم ركن من أركان الدين وتاركها كافر.
2) أما عند أهل السنة، فالإمامة جائزة، والجائز يجوز تركه. وتصير واجبة إذا لم يوجد غيره يصلح لها. وقد رأى أبو بكر رضي الله عنه أن في الأمة من هو أهل لها، فطلب الإقالة تواضعًا وخشيةً من ثقل المسؤولية، لا فرارًا من الحق ولا معصية لله.
|
خلاصة القول: |
إن خطبة «أقيلوني فإن لي شيطانًا يعتريني» ضعيفة السند لا تثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولو صحّ معناها فهي شهادة على ورعه وتقواه وعدله وتواضعه لا طعن فيه. أما استغلال الشيعة لها للطعن في خلافته، فهو من جهلهم بالقرآن والسنة ومنهج الصحابة في الحكم والمشاورة.
|
المصادر: |
◘ المعجم الأوسط للطبراني (8/267).
◘ مجمع الزوائد للهيثمي (5/183).
◘ تاريخ الطبري (2/245).
◘ المصنف لعبد الرزاق (11/336).
◘ تاريخ ابن عساكر (30/304).
◘ القرآن الكريم: ﴿الأعراف: 201﴾، آل عمران: 159.