من الأحاديث العظيمة التي وردت في فضل المحبة في الله تعالى، حديث النبي ﷺ:
«المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء» قومٍ يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة، لما نالوه من رفعة الإيمان مع أنهم لم يروا الرسول ﷺ، وإنما آمنوا به غيبًا وصدقوا به اتباعًا
وقد حاولت فرقة الرافضة – كعادتها – تحريف معناه الشريف لتجعله دليلاً على أفضليّة من يسمّونهم شيعة عليّ، زاعمين أنّ الأنبياء يغبطونهم لمكانتهم! وهذا زعم باطل يخالف الفهم الصحيح للحديث عند أهل السنّة والجماعة، ويُظهر جهلهم بمعنى الغبطة لغة وشرعًا.
وفي هذا سنبيّن المعنى الصحيح للحديث، ونردّ الشبهة التي أوردتها هذه الفرقة الضالّة ردًّا علميًّا موثّقًا بالأدلة من كلام الأئمّة والمحدّثين.
| 
			 أولًا: معنى الحديث الصحيح:  | 
		
قال الامام الترمذي:
" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلاَلِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ.
◘ وَفِي البَاب عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ اسْمُهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ ثَوْبَ.
◘ تحقيق الألباني: صحيح، المشكاة (5011 / التحقيق الثانى)، التعليق الرغيب (4 / 47) "
صحيح وضعيف سنن الترمذي – محمد ناصر الدين الالباني – ج 5 ص 390
| 
			 ثانيًا: تحريفات الشيعة في معنى الحديث:  | 
		
قال العلماء إن معنى الغبطة في الحديث الغبطة هي تمني نعمةٍ على أن لا تزول عن صاحبها بخلاف الحسد، ومعنى الحديث أن الأنبياء والشهداء يستحسنون أحوال هؤلاء المتحابين في الله لما يرون من عظيم فضلهم، وهذا المعنى موافق للمعنى اللغوي، فلو أن ملكا استحسن هيئة أحد، أو حاله فلا يلزم من هذا أن هذه الهيئة، أو الحالة تكون أفضل من هيئة، أو حالة الملك، وبهذا يتبين معنى الحديث بكل وضوح والله اعلم،
قال العلامة علي القاري:
"«لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ». بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْغِبْطَةِ بِالْكَسْرِ وَهِيَ تَمَنِّي نِعْمَةً عَلَى أَنْ لَا تَتَحَوَّلَ عَنْ صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الْحَسَدِ، فَإِنَّهُ تَمَنَّى زَوَالَهَا عَنْ صَاحِبِهَا، فَالْغِبْطَةُ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ حُسْنِ الْحَالِ كَذَا قِيلَ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْغِبْطَةُ حُسْنُ الْحَالِ وَالْمَسَرَّةُ، فَمَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ مُطَابِقٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَمَعْنَى الْحَدِيثِ يَسْتَحْسِنُ أَحْوَالَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ، وَبِهَذَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ الَّذِي تَحَيَّرَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ .........................
◘ وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ تُحْمَلَ الْغِبْطَةُ هُنَا عَلَى اسْتِحْسَانِ الْأَمْرِ الْمَرَضِيِّ الْمَحْمُودِ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغْبَطُ إِلَّا فِي الْأَمْرِ الْمَحْبُوبِ الْمَرَضِيِّ، كَانَ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَحْمَدُونَ إِلَيْهِمُ، الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّهُ «غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَبُوكَ قَالَ: فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لِلْوُضُوءِ، وَحملتُ مَعَ إِدَاوَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَأَدْرَكَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُتِمُّ صَلَاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ. فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: (أَحْسَنْتُمْ) أو قَالَ: (أَصَبْتُمْ) يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوُا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا»، فَقَوْلُهُ: يَغْبِطُهُمُ إِلَخْ. كَلَامُ الرَّاوِي تَفْسِيرًا وَبَيَانًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَحْسَنْتُمْ أو أَصَبْتُمْ» " قَالَ: وَأَيْضًا لَا يَبْعُدُ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ فِي الْمَحْشَرِ قَبْلَ دُخُولِ النَّاسِ فِي الْجَنَّةِ أو النَّارِ، لِقَوْلِهِ يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ الْآتِي: لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَالتَّعْرِيفُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَيَحْصُلُ لِهَؤُلَاءِ الْأَمْنُ وَالْفَرَاغُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَا لَا يَحْصُلُ لِغَيْرِهِمْ لِاشْتِغَالِهِمْ بِحَالِ أَنْفُسِهِمْ، أو حَالِ أُمَّتِهِمْ، فَيَغْبِطُونَهُمْ لِذَلِكَ"
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح – الملا ابو الحسن علي بن سلطان محمد القاري - ج 8 ص 3137
| 
			 الردّ على استدلال فرقة الرافضة:  | 
		
والحديث الذي استشهد به الطيبي في صحيح الامام مسلم عن المغيرة رضي الله عنه: "قَالَ: الْمُغِيرَةُ «فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى لَهُمْ فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ» ثُمَّ قَالَ: «أَحْسَنْتُمْ» أو قَالَ: «قَدْ أَصَبْتُمْ» يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوُا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا"
صحيح مسلم - بَابُ تَقْدِيمِ الْجَمَاعَةِ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ إِذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَخَافُوا مَفْسَدَةً بِالتَّقْدِيمِ – ج 1 ص 317
فالمعنى اللغوي، والمعنى الشرعي للغبطة متحقق في معنى الاستحسان.
قال الامام محمد بن فتوح الحميدي:
"يَغْبِطهُمْ بذلك أَي يحسن لَهُم ذَلِك وَالْغِبْطَة حسن الْحَال وغبطت الزجل وغبطته أَي حسنت لَهُ مَا فعل ومدحته عَلَيْهِ"
تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم - محمد بن فتوح بن عبد الله الأزدي الحمِيدي - ص 401
وقال الامام ابن منظور:
"(غبط) الغِبْطةُ حُسْنُ الحالِ وفي الحديث اللهم غَبْطاً لا هَبْطاً يعني نسأَلُك الغِبْطةَ ونَعوذُ بك أَن نَهْبِطَ عن حالِنا التهذيب معنى قولهم غَبْطاً لا هَبْطاً أَنَّا نسأَلُك نِعْمة نُغْبَطُ بها وأَن لا تُهْبِطَنا من الحالةِ الحسنَةِ إِلى السيئةِ ...."
لسان العرب – محمد بن مكرم بن منظور – ج 7 ص 358
فالغبطة هي حسن الحال، اي ان الانبياء صلوات الله تعالى عليهم يستحسنون حالهم، فهذا هو المعنى المناسب للحديث والله اعلم.
| 
			 ولقد وردت هذه الروايات في كتب الرافضة:  | 
		
قال البرقي: " باب " شيعتنا أقرب الخلق من الله " 175 - عنه، عن حمزة بن عبد الله، عن جميل بن دراج، عن محمد بن مسلم الثقفي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن عن يمين العرش قوما وجوههم من نور على منابر من نور يغبطهم النبيون ليسوا بأنبياء ولا شهداء، فقالوا: يا نبي الله وما إزدادوا هؤلاء من الله إذا لم يكونوا أنبياء ولا شهداء إلا قربا من الله؟ - قال: أولئك شيعة علي وعلي إمامهم. 176 - عنه، عن ابن فضال، عن مثنى الحناط، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام نحوه واختلف فيه بعض لفظه قال: يغبطهم النبيون والمرسلون، قلت: جعلت فداك ما أعظم منزلة هؤلاء القوم؟! فقال: هؤلاء والله شيعة علي وهو إمامهم"
المحاسن - أحمد بن محمد بن خالد البرقي - ج 1 ص 181 – 182
وفي فضائل الشيعة للصدوق:
" الحديث السادس والعشرون حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال حدثني محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن قيس وعامر بن السمط عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي يوم القيامة قوم عليهم ثياب من نور على وجوههم نور يعرفون بآثار السجود يتخطون صفا بعد صف حتى يصيروا بين يدي رب العالمين يغبطهم النبيون والملائكة والشهداء والصالحون قال له عمر بن الخطاب من هؤلاء يا رسول الله الذين يغبطهم النبيون والملائكة والشهداء والصالحون قال أولئك شيعتنا وعلي امامهم"
فضائل الشيعة - الصدوق - ص 30 – 31
وقال المازندراني:
"عنه، عن محمد بن علي، عن عمر بن جبلة الأحمسي، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): المتحابون في الله يوم القيامة على أرض زبر جدة خضراء، في ظل عرشه عن يمينه - وكلتا يديه يمين - وجوههم أشد بياضا وأضوء من الشمس الطالعة، يغبطهم بمنزلتهم كل ملك مقرب وكل نبي مرسل، يقول الناس: من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء المتحابون في الله.
الشرح .....................(يغبطهم بمنزلتهم كل ملك مقرب وكل نبي مرسل) الغبطة حسن الحال وهي اسم من غبطته غبطا من باب ضرب إذا تمنيت مثل ما ناله من غير أن تريد زواله عنه لما أعجبك منه وعظم عندك وهذا جائز فإنه ليس بحسد فإذا تمنيت زواله فهو الحسد وغبط الرسول ذلك لا يوجب أن يكون منزله دون منزلهم فإن ذا المنزل الشريق قد يعجبه منزل آخر دون منزله في الشرافة"
شرح أصول الكافي - محمد صالح المازندراني - ج 8 ص 367
| 
			 النتيجة والخاتمة:  | 
		
الحديث الصحيح الذي ورد في السنن لا يحمل أي دلالة على ما تزعم فرقة الرافضة من تفضيلٍ لأحدٍ على الأنبياء أو الشهداء، بل المقصود به بيان منزلة المتحابين في الله، وفضلهم يوم القيامة، إذ يكونون على منابر من نورٍ يغبطهم الأنبياء والشهداء بمعنى يُعجبون بحالهم ويستحسنونه.
أما روايات الرافضة فهي مكذوبة ومتناقضة مع اللغة والشرع، والردّ عليها بيّن واضح من كلام أئمة أهل السنّة والجماعة.
| 
			 الهوامش والمصادر:  | 
		
1️⃣ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح – الملا علي القاري (8/3137).
2️⃣ صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم (1/317).
3️⃣ لسان العرب – ابن منظور (7/358).
4️⃣ المحاسن – البرقي (1/181-182).
5️⃣ فضائل الشيعة – الصدوق (ص 30–31).
6️⃣ شرح أصول الكافي – المازندراني (8/367).
7️⃣ صحيح سنن الترمذي – الألباني (5/390).