من القضايا التي يتداولها بعض الناس في كتب السير والرقائق، ما نُقل عن الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز شخصية من أبرز رموز العدل والزهد في التاريخ الإسلامي، وقد ارتبطت سيرته بعدد من الأخبار والروايات التي تُظهر مكانته وورعه، ومن بينها الرواية المشهورة التي تزعم أنّه التقى بالخضر عليه السلام قبل توليه الخلافة. وهذه القصة، وإن وردت في بعض كتب التراث أنه قابل الخضر عليه السلام، وأنه بشّره بخلافته وعدله في الأمة. وقد رواها أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء، وذكرها السيوطي في تاريخ الخلفاء، بل وصف إسنادها بالصحيح. فقد استغلها بعض المنتسبين إلى الطرق الصوفية والفرق الضالّة لتبرير اعتقادات تخالف المنهج الصحيح في النبوات والكرامات.
لكن المتأمل في أسانيد الرواية يجد فيها إشكالات واضحة، تقتضي التحقيق والنقد وفق منهج أهل الحديث، خصوصًا وأن موضوع الخضر عليه السلام مما تنازع فيه الناس بين مثبت ونافٍ، بل تسربت إليه الإسرائيليات.
في هذا المقال سنعرض الرواية كاملة، ونفصّل القول في رجالها، ونبيّن وجه الشبهة والرد عليها.
نص الرواية
قال أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء (5/253):
(7355) حدّثنا محمد بن علي، قال: ثنا الحسين بن محمد بن حماد، ثنا أيوب بن محمد الوزّان، ثنا ضمرة بن ربيعة، عن السري بن يحيى، عن رياح بن عبيدة، قال:
خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة، وشيخ متوكئ على يده، فقلت في نفسي: إنّ هذا الشيخ جافٍ.
فلما صلى ودخل، لحقته فقلت: أصلح الله الأمير، من الشيخ الذي كان متكئًا على يدك؟
قال: يا رياح، رأيته؟ قلت: نعم.
قال: ما أحسبك إلاّ رجلاً صالحًا، ذاك أخي الخضر، آتاني فأعلمني أنّي سألي أمر هذه الأمة، وأني سأعدل فيها.
دراسة السند
◘ محمد بن علي: لم يُعرف في شيوخ أبي نعيم الأصبهاني، ولم يذكره في مشيخته، ولم يُترجم له أهل الجرح والتعديل، فهو مجهول. وبه يسقط الإسناد من هذا الباب.
◘ الحسين بن محمد بن حماد: لم أقف له على ترجمة، ولكن في سير أعلام النبلاء للذهبي (ج13 ص558) ذُكر:
"الإمام الحافظ المعمر الصادق أبو عروبة الحسين بن محمد بن أبي معشر مودود السلمي الجزري الحراني، صاحب التصانيف، ولد بعد العشرين ومائتين، وسمع من أيوب بن محمد الوزان".
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة  | 
		
| 
			 شبهة آية (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك) على جواز التوسل بالنبي بعد وفاته؟ الشيعة تكفر آل البيت خارج الأئمة الاثني عشر  | 
		
وهذا متأخر جداً عن أبي نعيم، مما يرجّح أن الراوي في السند ليس هو نفسه، أو وقع تصحيف في الاسم، مما يزيد ضعف الإسناد.
◘ أيوب بن محمد الوزّان: ثقة، من رواة الحديث المعروفين، وثّقه الخطيب البغدادي.
◘ ضمرة بن ربيعة: ثقة، من كبار رواة الشاميين.
◘ السري بن يحيى: ثقة ثبت.
◘ رياح بن عبيدة: ثقة من كبار التابعين.
فالعلة القادحة هنا هي جهالة محمد بن علي وعدم تحقق هوية الحسين بن محمد بن حماد في السند، مما يجعل الرواية ضعيفة لا تثبت.
رواية السيوطي:
قال جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء (ص 228):
"وأخرج أبو نعيم بسند صحيح عن رياح بن عبيدة..."
لكن السيوطي رحمه الله تساهل في تصحيح الأسانيد، خصوصًا في غير أبواب الأحكام، كما هو معروف عنه، وكلامه هنا غير دقيق من جهة النقد الحديثي، إذ الإسناد فيه مجهول كما تقدم، فلا يُمكن تصحيحه.
وجه الشبهة:
يستدل بعض الطرق الصوفية أو الفرق الضالّة بهذه الرواية على أن الخضر عليه السلام حيٌّ إلى اليوم، وأنه يلتقي بالأولياء والصالحين ويكلمهم، ويستندون إلى ما نُقل عن عمر بن عبد العزيز من هذا الخبر.
الرد على الشبهة:
1) الرواية ضعيفة الإسناد كما تقدم، لجهالة أول راويين. فلا يصح الاحتجاج بها.
2) عقيدة حياة الخضر عليه السلام من المسائل التي لم يثبت فيها دليل صحيح صريح، وقد أنكرها جمع من الأئمة، منهم:
◘ البخاري: لم يثبت عنده خبر في حياة الخضر.
◘ ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/337):
"وأما الخضر، فالصحيح أنه قد مات، وليس حيًا إلى الآن كما يظنه بعض الناس."
◘ ابن القيم في المنار المنيف (ص 67):
"كل ما يذكر عن حياة الخضر من اللقاءات فباطل لا يصح بإسناد."
3) الخضر عليه السلام نبيّ من الأمم السابقة، وقد قال الله تعالى عن جميع الأنبياء:
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة  | 
		
| 
			 الشيعة الإمامية يخرجون النبي ﷺ من عداد الأئمة  | 
		
﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الأنبياء: 34] فلو كان الخضر حيًّا للآن لكان استثناءً من نصٍّ عامٍّ بلا دليل.
4) لو سلّمنا بصحة اللقاء، فهو منام أو رؤيا لا رؤية يقظة، لأن عمر بن عبد العزيز من أئمة الهدى، ولا يثبت عنه اعتقاد في لقاء الأحياء من الأنبياء بعد الموت.
النتيجة:
الرواية التي فيها أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لقي الخضر عليه السلام ضعيفة الإسناد لا تثبت، والعقيدة الصحيحة أن الخضر قد مات كسائر الأنبياء، ولا يُبنى على هذه القصة أصل من أصول الدين أو فضيلة من الفضائل.
وما ذكره السيوطي من تصحيحها تساهل منه، والصواب ما عليه المحدثون من تضعيفها.
إن التحقيق العلمي في رواية لقاء عمر بن عبدالعزيز بالخضر عليه السلام يُظهر أنها ضعيفة الإسناد، لا تثبت من جهة النقل، رغم شهرتها في بعض كتب الأدب والرقائق. ولا يجوز بناء العقيدة أو التاريخ عليها، إذ الأصل في الأخبار أن تُؤخذ من الثقات المعروفين، لا من مجاهيل الرواة.
ويبقى عمر بن عبدالعزيز علمًا من أعلام العدالة والزهد في الإسلام، لا يحتاج إلى القصص الواهية ليثبت فضله، بل كفاه ما ثبت عنه من أعماله وعدله وورعه.
المصادر والمراجع
1) أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء، ج5، ص253.
2) جلال الدين السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص228.
3) الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج13، ص558.
4) ابن كثير، البداية والنهاية.
5) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج4، ص337.
6) ابن القيم، المنار المنيف في الصحيح والضعيف.
7) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد.