كثرت في كتب الفرق الضالّة روايات باطلة تُنسب إلى أنبياء الله عليهم السلام ما لا يليق بمقام النبوّة، ومن ذلك ما نُسب إلى آدم عليه السلام أنه وقع في الشرك عندما سمّى ابنه "عبد الحارث" بوحيٍ من إبليس. وهذه الدعوى الخطيرة تصادم نصوص القرآن الكريم التي نصّت على اصطفاء آدم عليه السلام وتنزّهه عن الشرك، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33].
ومن هنا وجب على الباحثين بيان ضعف هذا الحديث من جهة السند، ونكارة متنه، ومخالفته لصريح القرآن الكريم. كما يجب التنبيه إلى أن الفرق المنحرفة استندت إلى هذه الرواية الواهية لتأييد انحرافاتها، فكان لا بد من تفنيدها بالأدلة العلمية.
نص الحديث:
روى الإمام الترمذي في سننه (5/118، حديث رقم 3077) عن محمد بن المثنى قال: حدّثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدّثنا عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي ﷺ قال: «لَمّا حَمَلَتْ حَوّاءُ طافَ بها إبليسُ وكان لا يَعيشُ لها ولدٌ، فقال: سَمِّيه عبدَ الحارث، فسمّتْه عبدَ الحارث، فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمرِه».
قال الترمذي: «حديث غريب»، وهو إشارة إلى ضعفه.
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة  | 
		
| 
			 الشيعة الإمامية يخرجون النبي ﷺ من عداد الأئمة  | 
		
وقال الشيخ الألباني في الضعيفة (342) :«ضعيف».
بيان العلل كما فصّلها الشيخ أحمد القصير:
قال الشيخ أحمد القصير رحمه الله: «الحديث لا يصح مرفوعًا، وهو معلول من أوجه، وهاك تفصيلها»
العلة الأولى: أنّه من رواية عمر بن إبراهيم، وهو العبدي أبو حفص البصري صاحب الهروي، وهو ضعيف في روايته عن قتادة.
قال الإمام أحمد: «يروي عن قتادة أحاديث مناكير يخالف».
وقال ابن عدي: «يروي عن قتادة أشياء لا يُوافق عليها، وحديثه خاصة عن قتادة مضطرب».
وذكره ابن حبان في الثقات وقال: «يخطئ ويخالف».
وذكره في الضعفاء فقال: «كان ممن يتفرد عن قتادة بما لا يشبه حديثه؛ فلا يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد، فأما فيما روى عن الثقات فإن اعتبر به معتبر لم أرَ بذلك بأسًا». (انظر تهذيب التهذيب 7/373)
وقد تُوبِع عمرُ بنُ إبراهيم في روايته عن قتادة من طريقين، غير أنهما لا يصح اعتبارهما:
الطريق الأول: أخرجه ابن مردويه كما في تفسير الحافظ ابن كثير (2/286) من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سمرة به مرفوعًا.
والمعتمر هو ابن سليمان بن طرخان. والإسناد رجاله ثقات، إلا أني لم أقف على الرواة بين ابن مردويه والمعتمر.
الطريق الثاني: أخرجه ابن عدي في الكامل (3/298) من طريق سليمان الشاذكوني عن غندر عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة به مرفوعًا.
قال ابن عدي:
«وهذا من حديث شعبة عن قتادة منكر، لا أعرفه إلا من حديث الشاذكوني عن غندر عنه، وإنما يروي هذا عن قتادة: عمر بن إبراهيم».
والشاذكوني هو سليمان بن داود المنقري، قال البخاري: «فيه نظر».
وكذّبه ابن معين في حديث ذُكر له عنه، وقال أبو حاتم: «متروك الحديث»، وقال النسائي: «ليس بثقة».
وقد ساق له ابن عدي أحاديث خُولف فيها ثم قال:
«وللشاذكوني حديث كثير مستقيم، وهو من الحفاظ المعدودين، وما أشبه أمره بما قال عبدان: ذهبت كتبه فكان يحدث حفظًا فيغلط».
العلة الثانية: أنّ الحديث قد رُوي من قول سمرة رضي الله عنه موقوفًا عليه.
أخرجه ابن جرير في تفسيره (6/144) قال:
حدّثني محمد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا المعتمر عن أبيه قال: حدّثنا أبو العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير عن سمرة أنه حدّث: «أن آدم عليه السلام سمّى ابنه عبد الحارث».
وأخرجه عن محمد بن عبد الأعلى قال:
حدّثنا المعتمر عن أبيه قال: حدّثنا ابن علية عن سليمان التيمي عن أبي العلاء عن سمرة قال: «سمّى آدم ابنه عبد الحارث».
وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/83) قال:
حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشير، حدّثني عمران عن عقبة عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن سمرة قال:
«سمّياه عبد الحارث في قولِه ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: 190]».
والأثر صحيح من رواية ابن جرير.
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة  | 
		
| 
			 شبهة آية (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك) على جواز التوسل بالنبي بعد وفاته؟ الشيعة تكفر آل البيت خارج الأئمة الاثني عشر  | 
		
العلة الثالثة: أنّ في سماع الحسن من سمرة خلافًا مشهورًا بين علماء الحديث، ثم هو مدلّس ولم يُصرّح في هذا الحديث بسماعه من سمرة.
قال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/281):
«كان الحسن كثير التدليس، فإذا قال في حديث (عن فلان) ضَعُف احتجاجه».
الخلاصة:
يتبيّن من هذه العلل أن الحديث لا يصح مرفوعًا إلى النبي ﷺ، وإنما هو موقوف على سمرة رضي الله عنه، بل حتى الموقوف يحتمل أنه من الإسرائيليات التي تلقاها بعض التابعين عن بني إسرائيل.
كما أن متن الحديث يخالف القرآن الكريم الذي نزه الأنبياء عن الشرك، وبيّن أن الشرك في الآية إنما صدر من ذرية آدم عليه السلام، لا منه شخصيًا ولا من حواء عليها السلام.
المصادر:
1) سنن الترمذي (5/118، حديث رقم 3077).
2) السلسلة الضعيفة للألباني (342).
3) تهذيب التهذيب (7/373).
4) تفسير ابن كثير (2/286).
5) الكامل في الضعفاء لابن عدي (3/298).
6) تفسير الطبري (6/144).
7) مسند الشاميين للطبراني (4/83).
8) ميزان الاعتدال للذهبي (2/281).
9) تحقيقات الشيخ أحمد القصير رحمه الله.