من أعظم ما ابتُليت به الأمة الإسلامية ظهور فرق ضالّة تُحرّف الكلم عن مواضعه، وتؤول النصوص بما يخدم أهواءها العقائدية الباطلة. ومن بين تلك الانحرافات قول بعضهم - وعلى رأسهم الشيعة - إن نبي الله آدم عليه السلام قد أشرك بالله حين سمّى ابنه "عبد الحارث"، مستدلّين بحديثٍ لا يثبت سندًا ولا معنى.
إن هذا الزعم الخطير يطعن في عصمة الأنبياء عليهم السلام، ويص آدم صريح القرآن الكريم الذي نزّه أنبياءه عن الشرك والضلال، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدم وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33].
فكيف يُعقل إن يُختار نبي كريم، ثم يُنسب إليه الشرك بالله عز وجل؟
جاءت هذه الشبهة من طريق رواية ضعيفة تُروى عن سُمرة بن جندب رضي الله عنه، وتلقفها أهل الأهواء وبنوا عليها افتراءاتهم، بينما تبيّن لأهل التحقيق من المحدثين والمفسرين أنها رواية معلولة لا تصح، وأن المقصود في الآية هم ذرية آدم الذين أشركوا بعده، لا آدم وحواء عليهما السلام.
هذا المقال يسلّط الضوء على أصل هذه الشبهة، ويفنّدها بالأدلة النقلية والعقلية، ويعرض أقوال كبار العلماء من أهل السنة في بيان فساد هذه الدعوى ومخالفتها لما تقرر في أصول العقيدة والتفسير.
نص الشبهة والرواية:
قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)﴾ الاعراف
قال الحافظ ابن كثير:
"﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ هَاهُنَا آثَارًا وَأَحَادِيثَ سَأُورِدُهَا وَأُبَيِّنُ مَا فِيهَا، ثُمَّ نُتْبِعُ ذَلِكَ بَيَانَ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ، إن شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.
قَالَ الإمام أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سُمْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَلَمَّا وَلَدَتْ حَوَّاءُ طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ -وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ -فَقَالَ: سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ؛ فَإِنَّهُ يَعِيشُ، فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَعَاشَ وَكَانَ ذلك من وحي الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، بُنْدَار، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، بِهِ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ هَذِهِ الآية عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَثْنَى، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، بِهِ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ مَرْفُوعًا ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَرَوَاهُ الإمام أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ أَبِي زُرْعَة الرَّازِيِّ، عَنْ هِلَالِ بْنِ فَيَّاضٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهِ مَرْفُوعًا.
وَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدويه فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ شَاذِّ بْنِ فَيَّاضٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بِهِ مَرْفُوعًا
قُلْتُ: "وَشَاذٌّ "[هَذَا] هُوَ: هِلَالٌ، وَشَاذٌّ لَقَبُهُ. وَالْغَرَضُ إن هَذَا الْحَدِيثَ مَعْلُولٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: إن عُمَرَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ هَذَا هُوَ الْبَصْرِيُّ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَلَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَلَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سُمْرَةَ مَرْفُوعًا فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِي: إنه قَدْ رُوِيَ مِنْ قَوْلِ سُمْرَةَ نَفْسِهِ، لَيْسَ مَرْفُوعًا، كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ. وَحَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ سَمْرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: سَمَّى آدم ابْنَهُ"عَبْدَ الْحَارِثِ".
الثَّالِثُ: إن الْحَسَنَ نَفْسَهُ فَسَّرَ الآية بِغَيْرِ هَذَا، فَلَوْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُ عَنْ سُمْرَةَ مَرْفُوعًا، لَمَا عَدَلَ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ قَالَ: كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ أهل الْمِلَلِ، وَلَمْ يَكُنْ بِآدم حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: عَنَى بِهَا ذَرِّيَّةَ آدم، وَمَنْ أَشْرَكَ مِنْهُمْ بَعْدَهُ -يَعْنِي: [قَوْلَهُ] (8) ﴿جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾
وَحَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، رَزَقَهُمُ اللَّهُ أَوْلَادًا، فَهَوَّدُوا ونَصَّروا
وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ عَنِ الْحَسَنِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، إنه فَسَّرَ الآية بِذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ التَّفَاسِيرِ وَأَوْلَى مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَهُ مَحْفُوظًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَا عَدَلَ عَنْهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ تَقْوَاهُ لِلَّهِ وَوَرَعه، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى إنه مَوْقُوفٌ عَلَى الصَّحَابِيِّ، وَيُحْتَمَلُ إنه تَلَقَّاهُ مِنْ بَعْضِ أهل الْكِتَابِ، مَنْ آمَنُ مِنْهُمْ، مِثْلِ: كَعْبٍ أَوْ وَهْبِ بْنِ مُنَبّه وَغَيْرِهِمَا، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إن شَاءَ اللَّهُ [تَعَالَى] إِلَّا أَنَّنَا بَرِئْنَا مِنْ عُهْدَةِ الْمَرْفُوعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأما الْآثَارُ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الحُصَين، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ حَوَّاءُ تَلِدُ لِآدم، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْلَادًا فَيُعَبِّدُهُمْ لِلَّهِ ويُسَمّيه: "عَبْدَ اللَّهِ "وَ "عُبَيْدَ اللَّهِ"، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَيُصِيبُهُمُ الموت فأتاهما إِبْلِيسُ وَآدم فَقَالَ: إِنَّكُمَا لَوْ تُسَمِّيَانِهِ بِغَيْرِ الَّذِي تُسميانه بِهِ لَعَاشَ قَالَ: فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلًا فَسَمَّاهُ "عَبْدَ الْحَارِثِ"، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة  | 
		
| 
			 شبهة آية (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك) على جواز التوسل بالنبي بعد وفاته؟ الشيعة تكفر آل البيت خارج الأئمة الاثني عشر  | 
		
وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ فِي آدم: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ شَكَّت أحَبَلتْ أَمْ لَا؟ ﴿فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ فَأَتَاهُمَا الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يُولَدُ لَكُمَا؟ أَمْ هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يَكُونُ؟ أَبَهِيمَةٌ يَكُونُ أَمْ لَا؟ وزيَّن لَهُمَا الْبَاطِلَ؛ إنه غَوِيٌّ مُبِينٌ، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَمَاتَا، فَقَالَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ: إِنَّكُمَا إن لَمْ تُسَمِّيَاهُ بِي، لَمْ يَخْرُجْ سَوِيًّا، وَمَاتَ كَمَا مَاتَ الْأَوَّلَانِ فَسَمَّيَا وَلَدَهُمَا "عَبْدَ الْحَارِثِ"، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ [تَعَالَى] ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ الْآيَةَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا﴾ آدم ﴿حَمَلَتْ [حَمْلا خَفِيفًا]﴾ فَأَتَاهُمَا إِبْلِيسُ -لَعَنَهُ اللَّهُ -فَقَالَ: إِنَّى صَاحِبُكُمَا الَّذِي أَخْرَجْتُكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ لَتطيعُنِّي أَوْ لأجعلنَّ قَرْنَيْ لَهُ أَيْلٍ فَيَخْرُجُ مِنْ بَطْنِكِ فَيَشُقُّهُ، ولأفعلنَّ ولأفعلنَّ -يُخَوِّفُهُمَا -فسمِّياه "عَبْدَ الْحَارِثِ "فَأَبَيَا إن يُطِيعَاهُ، فَخَرَجَ مَيِّتًا، ثُمَّ حَمَلَتِ الثَّانِيَةَ، فَأَتَاهُمَا أَيْضًا فَقَالَ: أَنَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي فَعَلْتُ مَا فَعَلْتُ، لتفعلُنَّ أَوْ لأفعلَنَّ -يُخَوِّفُهُمَا -فَأَبَيَا إن يُطِيعَاهُ، فَخَرَجَ مَيِّتًا، ثُمَّ حَمَلَتِ الثَّالِثَةَ فَأَتَاهُمَا أَيْضًا، فَذَكَرَ لَهُمَا، فَأَدْرَكَهُمَا حبُّ الْوَلَدِ، فَسَمَّيَاهُ "عَبْدَ الْحَارِثِ"، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ رواه ابن أبي حاتم.
وَقَدْ تَلْقَى هَذَا الأثر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، كَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ. وَمِنَ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ: قَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْخَلَفِ، وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ جَمَاعَاتٌ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَكَأَنَّهُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -أَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أهل الْكِتَابِ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْ أُبي بْنِ كَعْبٍ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَمَاهِرِ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ -يَعْنِي ابْنَ بَشِيرٍ -عَنْ عُقْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ، عَنْ أُبي بْنِ كَعْبٍ قَالَ: لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ أَتَاهَا الشَّيْطَانُ، فَقَالَ لَهَا: أَتُطِيعِينِي ويَسْلَم لَكِ وَلَدُكِ؟ سَمِّيهِ "عَبْدَ الْحَارِثِ"، فَلَمْ تفعلْ، فَوَلَدَتْ فَمَاتَ، ثُمَّ حَمَلَتْ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ تَفْعَلْ. ثُمَّ حَمَلَتِ الثَّالِثَ فَجَاءَهَا فَقَالَ: إن تُطِيعِينِي يَسْلَمْ، وَإِلَّا فَإِنَّهُ يَكُونُ بَهِيمة، فهيَّبهما فَأَطَاعَا.
وَهَذِهِ الْآثَارُ يَظْهَرُ عَلَيْهَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -أَنَّهَا مِنْ آثَارِ أهل الْكِتَابِ، وَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه قَالَ: "إِذَا حَدَّثكم أهل الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ"، ثُمَّ أَخْبَارُهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَمِنْهَا: مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ. وَمِنْهَا مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ، بِمَا دُلَّ عَلَى خِلَافِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا. وَمِنْهَا: مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، فَهُوَ الْمَأْذُونُ فِي رِوَايَتِهِ، بِقَوْلِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: "حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرج "وَهُوَ الَّذِي لَا يصدَّق وَلَا يُكَذَّبُ، لِقَوْلِهِ: "فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ".
وَهَذَا الْأَثَرُ: [هَلْ] هُوَ مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ؟ فِيهِ نَظَرٌ. فَأما مَنْ حَدَّثَ بِهِ مِنْ صحَابي أَوْ تَابِعِيٍّ، فَإِنَّهُ يَرَاهُ مِنَ الْقَسَمِ الثَّالِثِ، وَأما نَحْنُ فَعَلَى مَذْهَبِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي هَذَا [وَاللَّهُ أَعْلَمُ] وأنهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ آدم وَحَوَّاءُ، وأنمَا الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾....."
ابن كثير – ابو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير – ج 3 ص 524 – 528
فمقصود الآية الكريمة هم ذرية آدم عليه السلام كما قال الإمام الحسن البصري، وقد صرح به الحافظ ابن كثير، وأما المروي عن حبر الامة ابن عباس رضي الله عنه فقد ذكر الحافظ ابن كثير إنه مأخوذ عن أهل الكتاب، وقد بين الحافظ ابن كثير اقسام الرواية عن أهل الكتاب، وجعل هذا الأثر من القسم الثاني دون الثالث، وذكر إن بعض أهل العلم جعله من القسم الثالث وهو الذي يروى ولا يُصدق ولا يُكذب، فالقول الراجح في الآية إنه قول الحسن البصري رحمه الله في إن الخطاب في ذرية آدم عليه السلام، وأما الأثر المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فلا يثبت كما بين الحافظ ابن كثير، وقرر ذلك الإمام الألباني في الضعيفة.
وقال الإمام ابن القيم: "
والنوع الثاني إن يستطرد من الشخص إلى النوع كقوله ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ إلى آخره فالأول آدم والثاني بنوه ومثله قوله ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ إلى آخر الآيات فاستطرد من ذكر الأبوين إلى ذكر المشركين من أولادهما والله أعلم "
التبيان في اقسام القران – ابو عبد الله محمد بن ابي بكر بن قيم الجوزية – ص 263 – 264
فقد جعل الإمام ابن القيم إن الشرك عائد على ذرية آدم وحواء عليهما السلام.
قال الإمام الالباني:
"342 - "لما حملت حواء طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه عبد الحارث، فسمته: عبد الحارث، فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره".
ضعيف.
أخرجه الترمذي (2 / 181 - بولاق) والحاكم (2 / 545) وابن بشران في "الأما لي "(158 / 2) وأحمد (5 / 11) وغيرهم من طريق عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب مرفوعا، وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة  | 
		
| 
			 الشيعة الإمامية يخرجون النبي ﷺ من عداد الأئمة  | 
		
◘ قلت: وليس كما قالوا، فإن الحسن في سماعه من سمرة خلاف مشهور، ثم هو مدلس ولم يصرح بسماعه من سمرة وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان": كان الحسن كثير التدليس، فإذا قال في حديث: عن فلان، ضعف احتجاجه.
◘ قلت: وأعله ابن عدي في "الكامل "(3 / 1701) بتفرد عمر بن إبراهيم وقال: وحديثه عن قتادة مضطرب، وهو مع ضعفه يكتب حديثه.
ومما يبين ضعف هذا الحديث الذي فسر به قوله تعالى ﴿فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما...﴾ الآية، إن الحسن نفسه فسر الآية بغير ما في حديثه هذا، فلوكان عنده صحيحا مرفوعا لما عدل عنه، فقال في تفسيرها: كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم، ذكر ذلك ابن كثير (2 / 274 - 275) من طرق عنه ثم قال: وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن إنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، وأنظر تمام كلامه فإنه نفيس، ونحوه في "التبيان في أقسام القرآن "(ص 264) لابن القيم"
سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة – محمد ناصر الدين الألباني – ج 1 ص 516 – 517
وفي مسند الإمام احمد تحقيق العلامة شعيب الارناؤوط:
"20117 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ، وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَقَالَ: "سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَإِنَّهُ يَعِيشُ، فَسَمَّوْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَعَاشَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ، وَأَمْرِهِ[1].
ولقد ورد في كتب الرافضة إن المقصود بالآية الكريمة هو آدم وحواء عليهما السلام.
قال القمي: "وأما قوله (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشيها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لان آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما) حدثني أبي قال حدثني الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان الأحول عن بريد العجلي عن أبي جعفر (ع) لما علقت حواء من آدم وتحرك ولدها في بطنها قالت لآدم إن في بطني شيئا يتحرك، فقال لها آدم الذي في بطنك نطفة مني استقرت في رحمك يخلق الله منها خلقا ليبلونا فيه فأتاها إبليس، فقال لها كيف أنت؟ فقالت له أما اني قد علقت وفي بطني من آدم ولد قد تحرك، فقال لها إبليس أما انك إن نويت إن تسميه عبد الحارث ولدتيه غلامًا وبقي وعاش وأن لم تنو إن تسميه عبد الحارث مات بعدما تلدينه بستة أيام، فوقع في نفسها مما قال لها شيء فأخبرت بما قال آدم، فقال لها آدم قد جاءك الخبيث لا تقبلي منه فاني أرجو إن يبقى لنا ويكون بخلاف ما قال لك، ووقع في نفس آدم مثل ما وقع في نفس حواء من مقالة الخبيث، فلما وضعته غلامًا لم يعش الا ستة أيام حتى مات فقالت لآدم قد جاءك الذي قال لنا الحارث فيه، ودخلهما من قول الخبيث ما شككهما، قال فلم تلبث إن علقت من آدم حملا آخر فأتاها إبليس، فقال لها كيف أنت؟ فقالت له قد ولدت غلامًا ولكنه مات اليوم السادس فقال لها الخبيث أما انك لو كانت نوبت إن تسميه عبد الحارث لعاش وبقي، وأنما هو الذي في بطنك كبعض ما في بطون هذه الانعام التي بحضرتكم أما ناقة وأما بقرة وأما ضان وأما معز فدخلها من قول الخبيث ما استمالها إلى تصديقه والركون إلى ما أخبرها الذي كان تقدم إليها في الحمل الأول، وأخبرت بمقالته آدم فوقع في قلبه من قول الخبيث مثل ما وقع في قلب حواء "فلما أثقلت دعو الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهم صالحا "اي لم تلد ناقة أو بقرة أو ضأنا أو معزا فأتاهما الخبيث، فقال لها كيف أنت؟ فقالت له قد ثقلت وقربت ولادتي، فقال أما انك ستندمين وترين من الذي في بطنك ما تكرهين ويدخل آدم منك ومن ولدك شيء لو قد ولدتيه ناقة أو بقرة أو ضأنا أو معزا فاستمالها إلي طاعته والقبول لقوله، ثم قال لها إعلمي إن أنت نويت إن تسميه عبد الحارث وجعلت لي فيه نصيبا ولدتيه غلامًا سويًا عاش وبقي لكم، فقالت فإني قد نويت إن اجعل لك فيه نصيبا، فقال لها الخبيث لا تدعي آدم حتى ينوي مثل ما نويتي ويجعل لي فيه نصيبا ويسميه عبد الحارث فقالت له نعم، فأقبلت على آدم فأخبرته بمقالة الحارث وبما قال لها ووقع في قلب آدم من مقالة إبليس ما خافه فركن إلى مقالة إبليس، وقالت حواء لآدم ائن أنت لم تنو إن تسميه عبد الحارث وتجعل للحارث فيه نصيبا لم أدعك تقربني ولا تغشاني ولم يكن بيني وبينك مودة، فلما سمع ذلك منها آدم قال لها أما انك سبب المعصية الأولى وسيدليك بغرور قد تابعتك وأجبت إلى إن اجعل للحارث فيه نصيبا وأن اسميه عبد الحارث فأسرا النية بينهما بذلك فلما وضعته سويًا فرحا بذلك وامنا ما كان خافا من إن يكون ناقة أو بقرة أو ضأنا أو معزا واملا إن يعيش لهما ويبقى ولا يموت في اليوم السادس فلما كان في اليوم السابع سمياه عبد الحارث. أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن موسى ابن بكر عن الفضل عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله "فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما "فقال هو آدم وحواء وأنما كان شركهما شرك طاعة ولم يكن شرك عبادة فأنزل الله على رسوله الله صلى الله عليه وآله ﴿هو الذي خلقكم من نفس واحدة - إلى قوله - فتعالى الله عما يشركون﴾ قال جعلا للحارث نصيبًا في خلق الله ولم يكن أشركا إبليس في عبادة الله "
تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج 1 - ص 250 – 253
فهذه الرواية صريحة في إن المعني بالآية الكريمة هم آدم وحواء، وأن آدم وحواء قد أشركا شرك الطاعة لإبليس، فما هو رد الرافضة على كلام الإمام المعصوم؟!
الخاتمة:
اتضح من خلال الأدلة الصحيحة وكلام أئمة المحدثين إن رواية "عبد الحارث "لا تصح، وأنها لا تثبت لا سندًا ولا معنى. فالأنبياء عليهم السلام منزّهون عن الشرك، كما دلّت نصوص القرآن والسنة. وما تبناه بعض فرق الضلال - كالشيعة - من القول بشرك آدم عليه السلام إنما هو تحريف للنصوص، واتباع للمتشابه ابتغاء الفتنة.
فالصحيح إن الآية تتحدث عن المشركين من ذرية آدم، الذين نسبوا النعمة إلى غير الله، وجعلوا له شركاء فيما رزقهم، فاستحقوا الذم والوعيد، أما آدم وحواء فهما من المصطفين الأخيار، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدم وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33].
المصادر:
1) تفسير ابن كثير، ج3، ص515.
2) مسند الإمام أحمد، رقم (2007).
3) سنن الترمذي، كتاب التفسير.
4) التبيان في أقسام القرآن – ابن القيم، ص84.
5) السلسلة الضعيفة للألباني (342).
6) تحقيق المسند – شعيب الأرناؤوط (33/305).
7) تفسير الطبري (12/314).
8) تفسير القمي – من كتب الشيعة.
[1] إسناده ضعيف... "مسند الإمام احمد – تحقيق شعيب الارناؤوط – ج 33 ص 305