يُعَدّ حديث «إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ خَمَّرَ طِينَةَ آدم أربعين ليلة» من الأحاديث التي كثر الجدل حولها في كتب التفسير والتصوّف، حيث اعتمدت عليه بعض الفرق الضالّة لتبرير تصوّراتها الباطلة عن الخلق والفيض الإلهي. وقد وردت هذه الرواية بأسانيد ضعيفة، بل باطلة عند كبار المحدّثين، ومع ذلك تساهل فيها بعض المنتسبين إلى الأشاعرة والمتصوّفة، حتى بلغ الأمر ببعضهم إلى تصحيحها بالذوق والكشف!
هذا المقال يعرض النصوص كما وردت، ويناقشها من وجهة نظر علميّة حديثيّة، ثمّ يبيّن موقف العلماء من هذا الحديث، ويكشف التناقض في مواقف بعض الصوفيّة الذين يقبلون الأحاديث الضعيفة في العقيدة ويردّون الصحيح إذا خالف أهواءهم.
النصوص والمناقشة:
قال الراوي:
حميد بن مسعدة قال ثنا بشر بن المفضل قال ثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان أو عن بن مسعود وأكبر ظني أنه عن سلمان قال «إن الله عز وجل خمر طينة آدم أربعين ليلة أو قال أربعين يوما ثم قال بيده فيه فخرج كل طيب في يمينه وخرج كل خبيث في يده الأخرى».
أخرجه الطبري في تفسيره (3/225)، وحكم عليه الحافظ العراقي في تخريجه لأحاديث الإحياء بأنه حديث باطل وأن إسناده ضعيف جدا (المغني عن حمل الأسفار 2/1129) كما ضعفه الشوكاني (الفوائد المجموعة 1/451).
كذلك صحح إسناده محقق كتاب إبطال التأويلات (1/171) للقاضي أبي يعلى، وهذا لا تشنيع عليه فيه.
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة  | 
		
| 
			 الشيعة الإمامية يخرجون النبي ﷺ من عداد الأئمة  | 
		
واعتراض ابن الجوزي على الحديث بطريقة أشعرية محضة غير معهودة في كتبه الأخرى، الأمر الذي يزيد من الشك في كتاب دفع شبه التشبيه، فإنه احتج بالحديث في كتابه المنتظم (1/200).
وقد أورد الدارقطني الخلاف حول وقف هذا الحديث أو رفعه فقال:
«وسئل عن حديث أبي عثمان النهدي عن بن مسعود قال إن الله تعالى خمر طينة آدم فقال يرويه سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان أو بن مسعود موقوفا وهو الصحيح ومن رفعه فقد وهم» (العلل للدارقطني 5/338).
وقال في أطراف الغرائب والأفراد بأن المحفوظ هو الموقوف (3/125).
أما الصوفية فإنه لا يُطلَب منهم إثبات السند لأنهم يروون بالكشف والوحي كما قال قائلهم:
(حدثني قلبي عن ربي).
ولأن تصحيحهم ذوقي كما أخبر عن ذلك المناوي في (فيض القدير 6/44).
وقد صحح مدّعي التنزيه المدعو حسن السقاف إسناد هذه الرواية بالرغم من استنكاره للمتن، وبالرغم من قول ابن الجوزي بأن الحديث مرسل (أنظر حاشية دفع شبه التشبيه ص164).
فماذا تقولون في السقاف الآن؟
هذا الذي زكّى المعتزلة ووصفهم بأنهم أئمة هدى وأصحاب عقول نظيفة لا تنطلي عليهم الخرافة؟
وروى هذه الرواية أيضًا عدد من أهل العلم والمحدثين كالطبري والسيوطي وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي.
فمنهم من حكم بضعفها كالحافظ العراقي والشوكاني، ومنهم من رواها وسكت عنها، ومنهم من صحح أنها موقوفة لا مرفوعة إلى النبي ﷺ.
ونقل المناوي احتجاج أحد (العارفين) بهذه الرواية قائلاً:
«ألا ترى إلى الحق سبحانه كيف خمر طينة آدم... » (فيض القدير 2/233).
ثم نقل عن شرح الأحكام لعبد الحق بأن هذا الحديث وإن لم يكن صحيح الإسناد فقد صححه الذوق (!!!) الذي خصّ به أهل العطاء والإمداد (فيض القدير 6/44).
وهذا يعني أن تصحيح إسناد الحديث عند الصوفية يكون بالكشف والوحي الصوفي، لا بطريق القواعد العلمية التي جرى عليها البخاري ومسلم وأهل الحديث!
ولو أن هذه العبارة وردت في كلام ابن تيمية لملأوا بها المنتديات ولنشروا فيها الكتب والمطويات.
ولكن لا بأس للأشعري أن يطعن في الله، ولا يجوز نقد الأشعري بحال من الأحوال حتى وإن وصف الله بصفات الكفر، وجعله زبالاً كما صرح به القشيري نقلاً عن الدقاق المتصوف بأن:
«طريق التصوف لا يصلح إلا بقوم قد كنس الله بهم المزابل» (الرسالة القشيرية ص128).
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة  | 
		
| 
			 شبهة آية (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك) على جواز التوسل بالنبي بعد وفاته؟ الشيعة تكفر آل البيت خارج الأئمة الاثني عشر  | 
		
فأين قولهم:
«من وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر»؟
أليس هذا من الكفر؟
وما سبب امتناعهم عن الحكم على من وصف الله بالزبال؟
أنتم تبلعون الجمل وتغصون في البيضة، تدافعون عن رواية كناسة الله للزبالة مع أنها بلا إسناد وتزعمون أنها محمولة على المجاز.
فإن كانت هذه الرواية (طينة آدم) متعارضة مع تنزيه الله، فما لهم يسكتون عن منكر القشيري والدقاق في وصفهما الله بالزبال؟
أيّ الأمرين أعظم وأشد نكارة وقبحًا؟
رواية أن الله خمر طينة آدم؟
أم رواية أن الله يكنس المزابل؟
الخاتمة:
يتبيّن من خلال هذا العرض أنّ حديث طينة آدم حديثٌ ضعيف الإسناد، بل باطل كما حكم عليه كبار أئمة الحديث، وأنّ اعتماد بعض المتصوّفة والأشاعرة عليه في إثبات تصوّراتهم حول الخلق يُعدّ انحرافًا عن المنهج العلمي الذي اعتمده المحدثون.
كما يُظهر المقال التناقض الواضح في موقف هؤلاء حين يهاجمون أهل الحديث لتأويلهم، بينما يبرّرون لأنفسهم رواياتٍ لا أصل لها ولا سند، بل تعتمد على الذوق والكشف المزعوم.
فالتوحيد الحق لا يُبنى على الذوق، بل على الوحي الصحيح، وما ثبت عن رسول الله ﷺ بإسناد صحيح.
المصادر والمراجع:
1- تفسير الطبري (3/225).
2- المغني عن حمل الأسفار للحافظ العراقي (2/1129).
3- الفوائد المجموعة للشوكاني (1/451).
4- إبطال التأويلات للقاضي أبي يعلى (1/171).
5- المنتظم لابن الجوزي (1/200).
6- العلل للدارقطني (5/338).
7- أطراف الغرائب والأفراد (3/125).
8- فيض القدير للمناوي (2/233، 6/44).
9- الرسالة القشيرية (ص128).
10- حاشية دفع شبه التشبيه (ص164).