من المسائل التي كثر فيها الجدل بين أهل السُّنَّة والإماميَّة، مسألة إيمان أو كُفر آباء الأنبياء، وعلى وجه الخصوص أبوي النبي محمد ﷺ.
فالإمامية – وهي فرقة ضالّة عن سبيل الحق – يزعمون أنَّ آباء النبي ﷺ من لدن آدم إلى عبد الله كانوا جميعًا مؤمنين موحّدين، ويعدّون هذا من خصائص النبي ﷺ، مع أنَّ القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة يقرّران أن النَّسب لا يرفع صاحبَه إن لم يكن معه عمل صالح وإيمان صادق.
وفي المقابل، تُثبت كتبهم المعتمدة – كـ تفسير القمّي والكافي وبحار الأنوار – أنَّ آزر والد إبراهيم عليه السلام، وهو أحد أجداد النبي ﷺ، كان كافرًا مشركًا يعمل منجّمًا لنمرود، ويصنع الأصنام ويبيعها.
بل لقد صرّح القرآن الكريم بوضوح لا لبس فيه أنَّ آزر أبٌ لإبراهيم وأنه عدوٌّ لله.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (الأنعام: 74)
فهل بعد هذا البيان القرآني من حُجَّة؟
إنَّ النبوّة شرفٌ ربّاني لا يَمسُّه كفرُ الآباء، وإنما تتعلّق بعظمة الإيمان بالله وحده، كما قال ﷺ:
«وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» (رواه مسلم)
نصوص من كتب الإماميَّة في إثبات كفر آزر
قال علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره:
"فإنَّهُ حدَّثني أبي عن صفوان عن ابن مسكان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إنَّ آزر أبا إبراهيم كان منجِّمًا لنمرود بن كنعان، فقال له: إنِّي أرى في حساب النُّجوم أنَّ هذا الزمان يُحدث رجلًا ينسخ هذا الدِّين ويدعو إلى دينٍ آخر.
فقال نمرود: في أيِّ بلادٍ يكون؟
قال: في هذه البلاد، وكان منزل نمرود بكونى رَبَا (كوثي ريا خ ل).
فقال له نمرود: قد خرج إلى الدنيا؟
قال آزر: لا. قال: فينبغي أن يُفرَّق بين الرِّجال والنِّساء، ففرَّق بين الرِّجال والنِّساء. وحملت أمُّ إبراهيم عليه السَّلام ولم تُبيِّن حملها، فلمّا حانَت ولادتُها قالت: يا آزر إنِّي قد اعتللت وأريد أن أعتزل عنك.
وكان في ذلك الزمان المرأة إذا اعتلَّت اعتزلت عن زوجها. فخرجت واعتزلت عن زوجها واعتزلت في غار، ووضعت بإبراهيم عليه السلام فهَيَّأته وقمطته، ورجعت إلى منزلها وسدَّت باب الغار بالحجارة، فأجرى الله لإبراهيم عليه السلام لبنًا من إبهامه، وكانت أمُّه تأتيه، ووكل نمرود بكل امرأةٍ حامل فكان يذبح كل ولد ذكر، فهربت أمُّ إبراهيم بإبراهيم من الذبح. وكان يشبُّ إبراهيم في الغار يومًا كما يشبُّ غيره في الشَّهر، حتى أتى له في الغار ثلاثة عشر سنة.
فلمّا كان بعد ذلك زارته أمُّه، فلما أرادت أن تفارقه تشبَّث بها فقال: يا أمّي أخرجيني. فقالت له: يا بنيّ إنَّ الملك إن علم أنَّك وُلِدتَ في هذا الزمان قتلك. فلما خرجت أمُّه وخرج من الغار وقد غابت الشمس، نظر إلى الزُّهرة في السماء فقال: هذا ربِّي.
| 
			 مختارات من مقالات السقيفة  | 
		
| 
			 الشيعة الإمامية يخرجون النبي ﷺ من عداد الأئمة  | 
		
فلمَّا أفلَت قال: لو كان هذا ربِّي ما تحرَّك ولا بَرِح.
ثم قال: لا أحبُّ الآفلين الآفِل الغائب. فلمّا نظر إلى المشرق ورأى وقد طلع القمر، قال: هذا ربِّي هذا أكبر وأحسن. فلما تحرَّك وزال قال: ﴿لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾. فلمّا أصبح وطلعت الشَّمس ورأى ضوءها وقد أضاءت الدُّنيا لطلوعها، قال: هذا ربِّي هذا أكبر وأحسن. فلما تحرَّكت وزالت كشف الله له عن السَّماوات حتى رأى العرش ومن عليه، وأراه الله ملكوت السَّماوات والأرض، فعند ذلك قال: ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. فجاء إلى أمِّه وأدخلته دارها وجعلته بين أولادها."
(تفسير القمي – علي بن إبراهيم القمي – ج1 ص206–207، وتفسير نور الثقلين – الحويزي – ج1 ص737، وبحار الأنوار – المجلسي – ج12 ص29–30)
وقال الشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء ص55:
"(مسألة):
فإن قال قائل: فما معنى قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ}، وكيف يجوز أن يستغفر لكافر أو أن يعده بالاستغفار؟
(الجواب):
قلنا: معنى هذه الآية أنَّ أباه كان وعده بأن يؤمن، وأظهر له الإيمان على سبيل النفاق، حتى ظنَّ أنَّه الخير، فاستغفر له الله تعالى على هذا الظن، فلمّا تبيَّن له أنَّه مقيم على كفره رجع عن الاستغفار له وتبرّأ منه على ما نطق به القرآن."
وفي أمالي الطوسي ص659:
" 1362 / 6 - قال: وبهذا الإسناد، عن هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: كان لنمرود مجلس يُشرِف منه على النار، فلما كان بعد ثلاثة أشرف على النار هو وآزر، وإذا إبراهيم (عليه السلام) مع شيخٍ يُحدّثه في روضةٍ خضراء. قال: فالتفت نمرود إلى آزر، فقال: يا آزر، ما أكرم ابنك على ربِّه! قال: ثم قال نمرود لإبراهيم: أخرج عنّي ولا تُساكنِّي."
الأدلّة القرآنية الصريحة على كُفر آزر
لقد جاء التصريح في القرآن الكريم بأبوة آزر لإبراهيم عليه السلام، وبكفره وشركه وعداوته لله تعالى، قال الله عزّ وجلّ:
◘ ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (الأنعام: 74)
◘ وقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ (التوبة: 114)
◘ وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا  إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا  يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا  يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا  يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا  قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ (مريم: 41–46)
◘ وقال جلّ شأنه: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ  إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ (الأنبياء: 51–52)
◘ وقال أيضًا: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ  إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ  قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾ (الشعراء: 69–71)
◘ وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ (الزخرف: 26)
فهذه الآيات كلّها صريحةٌ واضحةٌ بأنَّ آزر أبا إبراهيم الخليل عليه السلام كان كافرًا مشركًا عدوًّا لله تعالى.
وقد بيَّنَّا من كتب الإمامية – بسندٍ حَسَنٍ عن الإمام الصادق رحمه الله – أنَّ آزر هو والد إبراهيم الخليل عليه السلام، فهل يمتثل الإمامية لنصوص القرآن مع بيان الإمام الصادق؟ أم يضربون كلَّ شيءٍ بعرض الحائط؟!
تناقض الإماميَّة في قولهم
وأقول: إنَّ الإمامية يضربون القرآن وقول الإمام الصادق عرض الحائط، ودليلي على ذلك ما ذكره المفيد في أوائل المقالات، حيث قال:
"واتفقت الإمامية على أنَّ آباء رسول الله ﷺ من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطلب مؤمنون بالله – عز وجل – موحّدون له. واحتجوا في ذلك بالقرآن والأخبار..."
أوائل المقالات – المفيد – ص45
فانظر إلى التناقض: أقرّوا بكفر آزر أبي إبراهيم في كتبهم، ثم زعموا أن جميع آباء النبي ﷺ – ومنهم آزر بالضرورة – مؤمنون موحّدون!
وهذا تناقض لا يستقيم مع القرآن ولا مع ما نسبوه إلى أئمتهم.
الخاتمة
إنّ من يتدبّر النصوص الشرعية والروائية يدرك أنَّ الإيمان لا يُورّث، وأنّ الله سبحانه وتعالى يصطفي أنبياءه بما شاء من رحمته وحكمته، لا بنسبٍ ولا بآباءٍ.
فقد كان نوح عليه السلام له ابن كافر، وكان إبراهيم عليه السلام له أبٌ كافر، وكان محمد ﷺ من نسلهم جميعًا، فاصطفاه الله وأكرمه بالنبوّة، فدلّ ذلك على أنَّ الكرامة بالتقوى، لا بالآباء.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [لحجرات: 13]
المصادر والمراجع
1) القرآن الكريم.
2) تفسير القمي – علي بن إبراهيم القمي – ج1 ص206–207.
3) تفسير نور الثقلين – الحويزي – ج1 ص737.
4) بحار الأنوار – المجلسي – ج12 ص29–30.
5) تنزيه الأنبياء – الشريف المرتضى – ص55.
6) الأمالي – الشيخ الطوسي – ص659.
7) أوائل المقالات – الشيخ المفيد – ص45.
8) صحيح مسلم – كتاب الذكر والدعاء.